أصبحت الليرة التركية التي هبطت بشدة خلال الأسبوع الجاري، ضحية للأزمة السياسية بين أنقرة والغرب أو التقارب الشديد بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وحسب قول خبراء غربيين، فإن جزءاً كبيراً من هبوط الليرة، يرجع إلى أنها تدفع الثمن السياسي بسبب مخاوف المؤسسات المالية الغربية من مستقبل العلاقات بين تركيا والدول الغربية، مما قد يحرمها من السوق التركي.
ولكن أزمة الليرة تعود كذلك في جزءٍ منها إلى عوامل نقدية؛ التغيرات التي طرأت على السياسة النقدية الغربية واحتمال ارتفاع خدمة الديون التركية المقومة بالدولار واليورو. وذلك ببساطة لأن ارتفاع نسبة الفائدة على كل من الدولار واليورو سيرفع من خدمة الدين التركي الخارجي. وذلك حسب تحليل الخبير والمصرفي الاستثماري الأميركي جيمس ريكارد.
على الصعيد المالي، فإن أزمة الليرة التركية تعود إلى عاملين، أحدهما، الارتفاع المتوقع في معدلات الفائدة الغربية على كل من الدولار واليورو، بسبب نهاية سياسة التحفيز الكمي. وهذا العامل سيرفع من خدمة الديون المقومة بالعملات الأجنبية وينهك الاحتياطي النقدي.
أما العامل الثاني، فهو مخاوف المستثمرين من انسحاب تدريجي من قبل المصارف الغربية من السوق التركية. ويقدر حجم الديون التركية بحوالى 450 مليار دولار من بينها 276 مليار دولار بالعملات الصعبة، ومعظمها قروض مقومة بالدولار واليورو. وباقي الديون البالغة 174 مليار دولار مقومة بالليرة التركية.
وعلى الرغم من أزمة الليرة الحالية، ينعم الاقتصاد التركي بمعدل نمو قوي يراوح بين 4 و5% خلال العام الجاري والمقبل 2019، ذلك وفقاً لتقديرات البنك الدولي التي أعلن عنها وسط الأسبوع الجاري. كما لا يزال الاقتصاد التركي يملك من القوة ما يجعله إنموذجاً للاقتصادات الناشئة في العالم. ويذكر أن سعر الليرة مقابل العملة الأميركية، انخفض اليوم الجمعة إلى 4.0615 ليرات. وكان الدولار يعادل 1.775 ليرة تركية في العام 2003.
وأزمة الليرة التركية كما يصنفها الخبير الاقتصادي والاستثماري الأميركي جيمس ريكارد في مقالٍ نُشر بـ"استراتيجيك انتيلجنس"، "أزمة سياسية" تغذيها الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، أكثر منها "أزمة نقدية أو مالية"، حيث أن الاقتصاد التركي اقتصاد قوي وتملك تركيا احتياطات كبيرة تفوق 150 مليار دولار، كما أن الثقة الاستثمارية في تركيا بين المؤسسات الغربية لا تزال كبيرة، مقارنة بالاقتصادات الناشئة.
ولكن الخبير ريكارد يرى، أن ما يحدث حالياً أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة غاضبة من التقارب الروسي ـ التركي، الذي تُوّج في بداية الأسبوع الجاري بزيارة الرئيس فلاديمير بوتين لأنقرة وافتتاح محطة "أكيوو" الذرية لتوليد الكهرباء وما تلاه من قمة ثلاثية بين الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيسين بوتين وحسن روحاني. وبالتالي، فإن القيادات الغربية التي تناصب كلاً من روسيا وإيران العداء، ترى في تقوية العلاقات بين أنقرة وكل من موسكو وإيران، معارضة تركية لسياساتها.
ومن هنا يتخوف المستثمرون الغربيون، حسب تحليل الخبير ريكارد، خصوصاً المصارف الاستثمارية الكبرى من التداعيات السالبة لهذا التطور السياسي على مستقبل الاقتصاد التركي. كما يتزايد الحذر الاستثماري الغربي الذي انعكس بشكل مباشر على تدفقات العملات الصعبة على تركيا وغير مباشر على سعر صرف الليرة التركية.
وحسب الخبير الاقتصادي ريكارد، فإن تركيا ظلت لسنوات طويلة مغناطيس جذبٍ للاستثمارات الغربية، كما ظلت شركاتها تحظى بقروض مالية ضخمة من قبل المصارف الغربية الكبرى مثل "غولدمان ساكس"، و"مورغان ستانلي" و"سيتي بانك". وذلك ببساطة لأنها تحصل على عائد مرتفع ومضمون من الاستثمار في الاقتصاد التركي المتسارع في النمو والقوة. ويقدر حجم الاقتصاد التركي بحوالى ترليون دولار ويأتي في الترتيب السابع عشر بين الاقتصادات الكبرى التي تشكل مجموعة العشرين.
ويطمح الرئيس رجب طيب أردوغان، أن يتمكن الاقتصاد التركي دخول المرتبة العاشرة خلال السنوات المقبلة. وما يميز تركيا عن بقية الاقتصادات الناشئة، أن عدد سكانها البالغ 83 مليون نسمة، معظمهم حاصل على تأهيل جامعي عالٍ ويملكون مهارات متعددة.
ولاتزال المصارف الغربية من كبار المستثمرين في تركيا رغم توتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة في الآونة الأخيرة، بسبب المصالح المتبادلة، حيث تحصل المصارف الغربية على نسبة عائد كبيرة من استثماراتها. ومن جانب آخر، تحصل تركيا على التمويل الذي تريده بالعملات الصعبة.
وحسب "رويترز"، هبطت الليرة التركية إلى مستوى منخفض قياسي جديد مقابل الدولار اليوم الجمعة، في الوقت الذي ينتاب القلق المستثمرين إزاء ما أُثير بشأن انتقاد الرئيس رجب طيب أردوغان للسياسة النقدية واستمرار نشر تقارير حول جهود حكومية لخفض أسعار الفائدة.