الضربات العسكرية المصرية على مدينة درنة شرق ليبيا، أمس، لم تثر قلق الليبيين فقط والذين هرعوا لشراء احتياجاتهم من الغذاء والسلع الضرورية، بل امتدت إلى العمالة المصرية في ليبيا، البالغ عددها مليون عامل، حسب تقديرات رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، أبو بكر الجندي.
وأكد خبراء اقتصاد، أن الهجمات العسكرية، كانت ضربة مزدوجة لاقتصاد البلدين اللذين
يتعرضان لخسائر فادحة في عدة مجالات، أبرزها العمالة والتجارة.
وكان العمال المصريون أكبر المتضررين من التطورات الأخيرة، حيث وجه المكتب الإعلامي لقوات "فجر ليبيا" التابعة للمؤتمر الوطني في طرابلس، نداء لكل العمالة المصرية، بضرورة مغادرة ليبيا في زمن أقصاه 48 ساعة، حفاظا على سلامتهم من أي أعمال انتقامية أو كيدية استخباراتية، من شأنها زيادة تأجيج الوضع بين الشعبين الشقيقين.
وذكر المؤتمر الوطني العام، أمس، في بيان، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أن السلطات المصرية لم تتواصل معنا من قبل بشكل مباشر أو غير مباشر، بشأن أماكن تواجد هؤلاء المواطنين المغدورين وكيفية دخولهم إلى ليبيا.
وفي هذا الإطار، نذكر السلطات المصرية بمسؤوليتها في حماية المواطنين الليبيين المتواجدين على أراضيها، من أي ردود أفعال متوقعة في مثل هذه الحالات.
وقال البيان: "يتحدى المكتب الإعلامي لعملية فجر ليبيا عبد الفتاح السيسي، وحكومته بأن يبرزوا للشعب المصري وللعالم أسماء من ادعى أنهم 21 قبطيا مصريًا قتلوا في ليبيا، وأن يدخل بيوت العزاء في مصر بكاميرات إعلامه المضلل ويجري لقاءات مع ذويهم".
وفي هذا السياق، قال عمال مصريون في ليبيا لـ "العربي الجديد"، إن الأوضاع في البلاد تزداد سوءاً، وإنهم لم يغادروا منازلهم منذ بداية الضربات العسكرية، خشية ردة فعل الليبيين في العاصمة طرابلس وغيرها.
ولاحظ مراسل "العربي الجديد" وجود بوابات أمنية في معظم شوارع طرابلس، تسأل على جنسية الركاب في كل السيارات ووسائل النقل.
وتعمل الأيدي العاملة المصرية في المهن التي يعزف الليبيون عن العمل فيها، مثل الزراعة والمجازر والمخابز والمقاهي والسباكة والحرف اليدوية، بالإضافة إلى عمل أعداد كبيرة من العمالة في الاقتصاد غير الرسمي.
وقال عامل البناء المصري المقيم بشرق ليبيا (قرية بطة التابعة لمنطقة البيضاء)، جاد عبد الجابر، لـ "العربي الجديد"، إن العمالة المصرية تعيش في حالة رعب بعد الضربات العسكرية، والحكومة لم تفكر في أوضاعنا.
وأكد عامل مصري حاصل علي الجنسية الليبية، عبد الله سلطان، لـ "العربي الجديد"، أن العمالة المصرية تتركز في مناطق بنغازي والبيضاء ودرنة وسرت والمرج، مشيرا إلي أن
معظم العمالة انتقلت من بنغازي إلى مناطق درنة والبيضاء وطبرق تجنبا للقتال الدائر هناك، وسط إصرار من قبل معظم العمال على البقاء في ليبيا، هربا من البطالة في مصر رغم كل الأخطار التي تواجهنا.
وقال المدير التنفيذي لمجلس أصحاب الأعمال بطرابلس، نور الدين السراج، لـ "العربي الجديد"، إن هناك تخوفا من الآثار السلبية على الاقتصاد الليبي، المترتبة على مغادرة العمالة المصرية المتعاقد معها في القطاع الخاص، مشيراً إلى أن نسبة كبيرة تعمل في مجال الزراعة، ما سيؤدي إلى تراجع كبير في الإنتاج، وبالتالي ارتفاع جنوني لأسعار المنتجات الزراعية في حالة مغادرتها، بسبب عدم وجود بديل في ظل الاضطرابات الأمنية.
وكان مدير إدارة التفتيش العمالي بوزارة العمل الليبية، الهادي السواحلي، قال في وقت سابق لـ "العربي الجديد"، إن هناك تعليمات مشدّدة من حكومة عمر الحاسي، التابعة للمؤتمر الوطني بعدم استجلاب العمالة المصرية، بسبب تدخل الحكومة المصرية في الشأن الداخلي الليبي.
ومن جانبهم أبدى مواطنون ليبيون لـ "العربي الجديد"، مخاوفهم من ارتفاع غير مسبوق لأسعار السلع في العاصمة طرابلس، في حالة استمرار الضربات الجوية المصرية على مدن ليبية.
كما شهد السوق نقصاً ملحوظاً في العملة الصعبة بالسوق السوداء في العاصمة، بسبب هرع الناس لشرائه خوفاً من تطور الأحداث، حسب محليين.
وقال مدير شركة صرافة بالظهرة وسط العاصمة الليبية، طرابلس رجب العماري، لـ "العربي الجديد"، إن الدولار سيرتفع إلي دينارين ونصف، في حالة استمرار الضربات الجوية، أي إلى الضعف لأن هناك هلع من قبل المواطنين، دفعهم للشراء منذ صباح أمس.
ومن جانبهم، حذر خبراء من التأثيرات السلبية للضربات العسكرية، على الاقتصاد المصري، وقال نائب رئيس شعبة المصدرين بالاتحاد العام للغرف التجارية، محمد حسن، إن حركة التصدير إلى ليبيا، توقفت نهائيا منذ يومين، ولا نعرف متي سيتم استئنافها بعد التطورات الأخيرة.
وأضاف، أن المصدرين المصريين تعرضوا لخسائر فادحة نتيجة لتوقف التصدير، ولا يستطيعون المغامرة ودخول السوق الليبي في مثل هذه الظروف العصيبة.
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي وأستاذ إدارة الأعمال بجامعة 6 أكتوبر، محمد فؤاد، إن العمالة العائدة من ليبيا ستزيد الضغوط على الاقتصاد المصري الذي يعاني تردياً الآن. وأشار إلى إن الدولة ستحرم من تحويلات النقد الأجنبي الذي كان يوفره العاملون بليبيا، ولن تستطيع
توفير فرص عمل لهم محليا.
وقال الخبير الاقتصادي المصري، محمد النجار، لـ "العربي الجديد"، إن عودة العمالة المصرية بعد الضربات العسكرية التي قامت بها مصر، ستزيد الضغوط على الاقتصاد المصري.
وحسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، تبلغ نسبة البطالة في مصر 13.3% من إجمالي قوة العمل، كما تبلغ نسبة الفقر 26% تزداد في الصعيد، (جنوب) إلى 49%، حسب الإحصائيات.
وأضاف النجار أنه بعد عودة العاملين المصريين من ليبيا، سيزداد الوضع سوءا، بخاصة أن دول الخليج لن تستطيع استيعاب هذه العمالة.