لم يعد إقبال الليبيين على أسواق السلع، تزامنا مع شهر رمضان، كما كان الحال قبل أربعة أعوام، وربما أقل. فقد دخل قرابة 6 ملايين شخص في ليبيا نفقا مظلما، تدنت معه دخولهم، وتعرضوا لإجراءات تقشفية غير معهودة، بفعل الصراع الدائر بعد اندلاع الثورة الليبية.
وفي جولة لمراسل "العربي الجديد" في أسواق العاصمة طرابلس، لاحظ امتداد طوابير من المواطنين عند أكثر منافذ السلع الرئيسية منذ بدء رمضان، نتيجة شح المواد الاستهلاكية، لا سيما الخبز المدعوم وأسطوانات غاز الطهو. ووصلت ظاهرة الطوابير إلى منافذ خدمات حيوية كالمصارف.
وزاد من حدة الأزمة، نزوح أكثر من نصف مليون شخص من منازلهم في الفترة بين مايو/أيار 2014 والشهر ذاته من 2015، بحسب بيانات جمعية الهلال الأحمر الليبية.
وقال تجار لـ"العربي الجديد"، إن الأسعار ارتفعت بحوالى 20% مطلع شهر رمضان المبارك، لكنها معرضة للتراجع قليلا مع الدخول في الأسبوع الثاني من الشهر الفضيل، بفعل تراجع الإقبال.
ويرى مراقبون أن ضعف القوة الشرائية للمستهلكين بفعل إجراءات التقشف التي اتخذها مصرف ليبيا المركزي، وتأخر رواتب العاملين في القطاع الحكومي، يساهم في الحد من الإقبال على السلع، وبالتالي عدم ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه.
ولم يتقاض موظفو الحكومة، البالغ عددهم 1.3 مليون موظف، رواتبهم عن شهري أبريل/نيسان، ومايو/أيار الماضيين.
واختفت السلع الأساسية المدعومة حكوميا من الجمعيات الاستهلاكية منذ مطلع رمضان الجاري، بعدما استبدلها المؤتمر الوطني العام بدعم نقدي منذ مايو/أيار الماضي.
وكانت ليبيا تدعم سلع الزيت والسكر وحليب الأطفال والأرز والمكرونة ومعجون الطماطم والشاي والخميرة اللازمة للمخابز.
ارتفاع الأسعار
ويشكو المواطن عبدالحميد سعد (موظف حكومي) من عدم صرف رواتبه المتأخرة عن شهور أبريل ومايو ويونيو، فهو لا يمتلك أية موارد مالية تمكّنه من شراء السلع التي تحتاجها أسرته في شهر رمضان، بما فيها الحاجات الأساسية كالحليب والتمر والخضروات.
وقال لـ"العربي الجديد"، خلال تسوقه في سوق "المهاري" وسط العاصمة طرابلس: "لم ترتفع الأسعار في رمضان هذا العام بالقدر الذي كانت تسجله في هذا الشهر الفضيل من الأعوام السابقة. أغلب الارتفاعات جاءت في السلع الغذائية، خاصة الخضروات".
أما المواطن خالد العلواني، فقال لـ"العربي الجديد"، إن الأسعار ارتفعت بمتوسط ربع دينار (34 سنتا) لكل سلعة غذائية في السوق، باستثناء اللحوم والبيض، إذ ارتفعت أسعارهما إلى حدود الضعف.
اقرأ أيضاً: ليبيا: مخاوف من أزمة معيشية في درنة
ولم توضح وزارة الاقتصاد في حكومة الإنقاذ الوطني بطرابلس عن الآلية الموضوعة بشأن السيطرة على الأسعار ومنع الاحتكار في الشهر الفضيل. واكتفى أحد المسؤولين بالقول لـ"العربي الجديد" إن السلع متوفرة، وإن عملية الارتفاع والانخفاض تخضع لمعادلة العرض والطلب.
معاناة النازحين
وقالت الحكومة المؤقتة المنعقدة في طبرق شرق البلاد، خلال مؤتمر صحافي قبل يومين، إنها ستوفر سلة غذائية للأسر النازحة في مدينة بنغازي، وإنها ستمنح كل أسرة ليبية نازحة خارج أرجاء الوطن منحة مالية بحدود 400 دولار.
وتشتمل السلة الغذائية على سلع تموينية مثل الزيت، معجون الطماطم، دقيق، مكرونة، تونة، الجبن، مربى وعصائر.
وتتمركز الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، بقيادة رئيس الوزراء عبدالله الثني، في بلدة البيضاء، في حين يتخذ البرلمان مقرا له في قاعدة بحرية في طبرق.
في المقابل، قال رئيس لجنة الأزمة في مدينة بنغازي، عبدالنبي الرابحي، لـ"العربي الجديد" إن اللجنة لم تتسلم أية مبالغ مالية لمساعدة النازحين خلال شهر رمضان، مؤكدا أن حجم مسؤولياتها يتطلب الدعم لحل الأزمات التي تواجه كل هذه البلديات.
وتقدر أعداد العائلات الليبية النازحة إلى طرابلس بحدود 16.69 ألف عائلة، ومعظمها يحتاج إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
وذكرت وزيرة الشؤون الاجتماعية في حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس، سميرة الفرجاني، في تصريحات صحافية، أن الميزانية المخصصة لوزارة الشؤون الاجتماعية لسنة 2015 لم تصرف لها، حتى يتسنى لها تقديم المساعدات إلى العائلات الليبية النازحة.
وتقول هيئة الرقابة الإدارية التابعة للمؤتمر الوطني العام، إن هناك 15.2 ألف أسرة ليبية في مناطق الاشتباكات غرب ليبيا لا تتوافر على سكن ملائم، أو الحد الأدنى لمتطلبات العيش الكريم، مع عزوف أبناء النازحين عن الالتحاق بالدراسة بسبب الأوضاع المعيشية.
وتشير بيانات الرقابة الإدارية، إلى تشرد 160 عائلة ليبية، حيث تقطن عند حطام باب العزيزية (مقر معمر القذافي سابقاً) بلا مأوى.
وكان مصرف ليبيا المركزي طالب، في وقت سابق، بإيقاف صرف علاوات العائلة وتعويضات الحرب وتجميد المنح الدراسية والتدريب، إلى حين تعافي إيرادات النفط، في خطوة لتطبيق سياسة تقشفية في الوقت الذي تعاني فيه ليبيا من تراجع إيراداتها بسبب الصراع الحالي.
وانخفض إنتاج البلاد من النفط إلى 400 ألف برميل يوميا، وهو نحو ربع الإنتاج في الأوقات العادية البالغ 1.5 مليون برميل يومياً.
شح الدولار
وأدى شح الدولار في سوق الصرف الرسمية بالبلاد، إلى ارتفاع مفاجئ في أسعاره بالسوق السوداء، حيث وصل سعر الدولار إلى 2.25 دينار، مقارنة مع 1.36 دينار في السوق الرسمية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
وأمر مصرف ليبيا المركزي بأن يقتصر فتح الاعتمادات المستندية بالدولار عبر المصارف التجارية، على مستوردي السلع الأساسية والأدوية فقط، ما يدفع باقي تجار السلع الأخرى للجوء إلى السوق السوداء (الموازية) للحصول على الدولار بسعر أعلى من الرسمي.
*(الدولار الأميركي يساوي 1.36 دينار ليبي)
اقرأ أيضاً: الصراع السياسي في ليبيا يصيب دعم السلع