تثير العلاقات الخارجية الواسعة لإقليم كردستان العراق بمعزل عن بغداد، علامات استفهام كثيرة حول سر تمكن أربيل من حشد الدعم الدولي لصالحها على حساب بغداد. وتجسّد هذا الدعم أخيراً من خلال كميات الأسلحة التي تسلمتها حكومة إقليم كردستان ضمن برنامج المساعدات الدولية المقدمة لها، ومن خلال الزيارات التي يُجريها مسؤولون غربيون إلى الإقليم، فضلاً عن نجاح السلطات في تنظيم مؤتمرات مختلفة بحضور شخصيات غربية نافذة تؤيد فكرة انفصال إقليم كردستان عن العراق. وكل هذا الزخم في العلاقات بين كردستان وأطراف دولية يساهم في ارتفاع نسبة الدعم الخارجي لفكرة انفصال الإقليم، على الرغم من أن تحقيق مشروع كهذا سيكون صعباً من دون موافقة دول إقليمية عليه، وفي مقدمتها إيران.
وخلال عام 2016، شهد كردستان العراق زيارات لعدد من المسؤولين الغربيين وشخصيات نافذة في الاتحاد الأوروبي، أبرزهم وزراء خارجية كل من بريطانيا ولوكسمبورغ وبلجيكا وهولندا، ووزراء دفاع الولايات المتحدة وإيطاليا والمجر وكندا وبريطانيا وألمانيا، إضافة إلى نائب رئيس الوزراء الهولندي، لودفايك آشر.
وقصد كردستان أيضاً المبعوث الأمني الخاص للحكومة البريطانية، الجنرال توم بيكيت، وقائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال لويد أوستن، ووفد مشترك للاتحاد الأوروبي، والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، بان كي مون، ورئيس ممثلية الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، إيد رويس، ورئيس أركان الجيش الكندي، الجنرال جوناثان فانس، ونائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، والوفد المرافق له، ورئيس الوزراء السويدي، ستيفان لوفين، ووزير الدولة البريطاني لشؤون التنمية الدولية، روري ستيوارت. بمعنى آخر، يمثل عدد الذين زاروا كردستان أربعة أضعاف مَنْ زار بغداد من الشخصيات الدبلوماسية والدولية حتى الآن، وهو الأمر الذي دفع أعضاء في "التحالف الوطني" الحاكم في بغداد، إلى الاعتراض على زيارات التي شهدها كردستان، معتبرين أنها كان يجب أن تتم من بوابة بغداد.
ونظمت مجموعات مدعومة من حكومة كردستان ندوات ومؤتمرات في بريطانيا حول النفط والطاقة، وفي ألمانيا والولايات المتحدة حول انفصال الإقليم، والتنمية الإدارية والبنى التحتية للدول الناشئة. وأثارت مشاركة شخصيات غربية بارزة في مؤتمر نظمته الجامعة الأميركية، أخيراً، في مدينة دهوك بإقليم كردستان حول انفصال الإقليم عن العراق وفرص تحقيق ذلك، جدلاً واسعاً في الشارع العراقي. بعضهم تناوله بشكل إيجابي فيما اعتبره آخرون دليلاً على فشل سياسية بغداد ونجاح سياسية أربيل الخارجية. لكن هناك من يعتبر أن سر نجاح العلاقات الخارجية لإقليم كردستان يكمن في دور إسرائيل التي تعتبر "عرابة الإقليم في الغرب" وفقاً لوصفهم. وشارك في هذا المؤتمر السفير الأميركي السابق لدى العراق، بيتر غالبريت، وعضو لجنة العشرين المكلفة بإعداد تقرير ما يعرف بـ"الرؤية العراقية" المقرر تقديمه إلى الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، زلماي خليل زاد. وحضر المؤتمر أيضاً وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، بيرنار كوشنير، والأكاديمي الأميركي، المختص بشؤون الشرق الأوسط، أورفا بينغيو، والأستاذة في "الجامعة الكاثوليكية الأميركية"، كارول أوليري، والباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق، ديفيد بولوك، وعدد من الصحافيين البارزين مثل جنكيز جاندار، وأمبرين زمان، فضلاً عن الأستاذ الجامعي التركي، إسماعيل بيشكجي. كذلك شاركت سبع شخصيات من إسرائيل، مثل الأكاديمية في جامعة تل أبيب، عوفرا بنغو.
ويقول مسؤولون في أربيل إنهم نجحوا في تكوين اللوبي المطلوب بدون حفلات ولا تقديم أموال وكان الاعتماد على العلاقات الشخصية وسياسة الإقليم التي قدمت وجهاً مدنياً لا دينياً، فضلاً عن موقف أربيل من إيران. غير أن مصادر تؤكد لـ"العربي الجديد" أن "اللوبي الكردي يحظى بدعم إسرائيلي كبير في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل كامل". وبحسب مراقبين فقد مرت الدبلوماسية الكردية بمراحل أربع: الأولى امتدت بين عامي 1961 و1991، وكانت تلك مرحلة تمرّد مباشر ضد الحكومات العراقية المتعاقبة. وكان التواصل الكردي مع العالم الخارجي ضعيفاً ولم يكن رسمياً. وكان اللقاء الخارجي الأبرز خلال تلك الفترة قد عقد مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، والذي وعد بتقديم دعم للأكراد لكنه لم يترجم كلامه بأفعال على الأرض.
اقــرأ أيضاً
والمرحلة الثانية للفترة الممتدة من عام 1991 إلى عام 2003، اتسمت بالدعم الإنساني وانفتاح كردي على إقامة علاقات محدودة ببعض دوائر السياسة والقرار في عواصم الجوار العراقي، مثل تركيا وإيران وسورية وبعض المؤسسات والشخصيات الأوروبية. واستفاد الأكراد في تحركاتهم بإصدار مجلس الأمن الدولي القرار 688 (5 إبريل/نيسان 1991)، والذي تم بموجبه إنشاء منطقة حظر للطيران العراقي في فضاء شمال العراق. وبعد صدور هذا القرار توجّهت مجموعة من المنظمات الإنسانية الدولية، بعضها إسرائيلية، إلى المحافظات الكردية الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، لتقديم المساعدات ودعم إعمار البنى التحتية المهدمة وإقامة بعض المشاريع الخدمية الضرورية.
لكن في تلك المرحلة، لم يتسم النشاط الدبلوماسي الكردي بطابع سياسي، بل انحصر في الإطار الإنساني، حتى بعد تدخل الخارجية الأميركية عام 1998 ورعاية اتفاق مصالحة بين الحزبين الكرديين الرئيسين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
والمرحلة الثالثة بدأت في إبريل/نيسان 2003 واستمرت حتى يونيو/حزيران 2014. وهي مرحلة ما بعد احتلال العراق، وأدى الأكراد فيها دوراً مهماً في مساعدة ودعم الأميركيين. في المقابل، حصلوا على حكم ذاتي، ثم جرى فتح قنصليات غربية في الإقليم. وكانت حقيبة وزارة الخارجية في الحكومة العراقية المركزية من نصيبهم لمدة ثماني سنوات، تولاها بشكل متواصل الوزير هوشيار زيباري، والذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني. هكذا، تمكّن إقليم كردستان، بفضل وزارة الخارجية، من توسيع النفوذ الكردي الدبلوماسي بمعزل عن بغداد.
والمرحلة الرابعة، هي مرحلة ما بعد ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وسيطرته على مساحات كبيرة من العراق ابتداءً من يونيو/حزيران 2014. وكرّس إقليم كردستان دوره في الساحة العراقية من خلال قوات البشمركة بوصفها قوة مسلحة يمكن الوثوق بها، على عكس الجيش العراقي والمليشيات المتحالفة معه. وخلال هذه المرحلة وجد الأكراد أنفسهم ضمن "التحالف الدولي" ضد "داعش"، من دون أن يسعوا لدخول هذا التحالف. وتطوعوا بمهام مختلفة أغلبها لم يكونوا ملزمين بتنفيذها أو القيام بها. وتم الزج بقوات الإقليم في معارك يمكن وصفها أنها تجري بالنيابة عن الولايات المتحدة. ولأول مرة خاضت قوات الإقليم معارك في عين العرب بسورية وفي نينوى. ونفذت عمليات إنزال جوي مع القوات الأميركية تسع مرات خلال عام واحد. وخلال هذه المرحلة المستمرة حتى اليوم، كان التعامل مع كردستان العراق عسكرياً في البداية. ثم ومع استمرار مشاكل العراق وأزماته وتصدره تصنيفات الدول المأزومة، أخذ التواصل الدبلوماسي الكردي مع الخارج ينتقل إلى الجانب السياسي. وأخذت أصداء دعوات انفصال كردستان عن العراق، والتي تصدر من الإقليم، تتردد في الخارج وتتم متابعتها باهتمام. هذا التطور كسر حاجز التردد الدبلوماسي الكردي في طرح مطالبه من دون مواربة. وبموازاة ذلك، كانت حملات دعم المطالب الكردية تتم بشكل منظم. وتقف وراء قسم منها شركات العلاقات العامة التي أخذت تروج لصالح القضية الكردية وبشكل خاص في الولايات المتحدة.
وتتحدث مصادر دبلوماسية عراقية في بغداد وأخرى في أربيل صراحةً عن دعم إسرائيلي كبير للحراك الكردي الخارجي. ويقول مسؤول كردي في السليمانية، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن "إسرائيل تدعم مشروع انفصال كردستان عن العراق وهي من تتولى تنسيق جهود كردستان الخارجية وتنظم الحفلات والمؤتمرات له في الولايات المتحدة وأوروبا". ويضيف أن "الشخصيات السياسية الكردية هي بالغالب أكاديمية وتجارية تم تأهيلها لأداء هذا الدور من قبل لوبي إسرائيلي". إلا أن عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك، حمة أمين، ينفي ذلك ويعتبرها "شائعات مغرضة تتكرر كل مرة يقترب فيها الأكراد من تحقيق حلمهم (بالانفصال)"، على حد وصفه. ويضيف لـ"العربي الجديد" أنه "بعد كفاح طويل من المؤكد أن نصل إلى هذه المرحلة، نحن قدمنا وجهاً حضارياً وإنسانياً من خلال الطابع المدني والحضاري للإقليم وتعامله الإنساني مع نحو ثلاثة ملايين نازح دخلوا إليه، ومن خلال صدقه في التعامل مع الإرهاب وبناء علاقات ثقة مع الغرب في كل الملفات، على عكس بغداد"، بحسب تعبيره. ويتابع أن الغرب بات يتعامل مع كردستان، في مرحلة معينة، كبديل عن بغداد، لكن حالياً لم يعد الإقليم بديلاً، بل جبهة قائمة بذاتها، وفق قوله.
ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة صلاح الدين في أربيل، عبد الحكيم خسرو، إن "المجتمع الدولي فرض منطقة آمنة بشمال العراق تتألف من محافظات أربيل ودهوك والسليمانية، عام 1991، وقد دافع عن هذه المنطقة خلال السنوات الماضية ويريد الاستمرار بذلك، ولكن حدثت تطورات خلال السنوات الأخيرة، تتمثل بالحرب ضد الإرهاب وعلى رأسها داعش، وموضوع حماية الأقليات بشمال العراق، وهما نقطتان تعززان من أهمية إقليم كردستان وتستقطبان المزيد من الدعم للأكراد". ويضيف لـ"العربي الجديد" أنه "في العراق وسورية الجيوش النظامية منهارة أو أصبحت ضعيفة، وظهرت على الساحة مجموعات مسلحة عديدة على هيئة مليشيات". ويتابع أن هذا الوضع جعل "قوات البشمركة تبدو كأفضل نموذج للقوة النظامية الفعالة القادرة على التعاون في دعم جهود المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب، أي أن دعم كردستان والبشمركة أصبح ضرورياً للعالم قبل أن يكون بالنسبة للأكراد"، على حد قوله.
ويشير خسرو إلى أن "الأمر الثاني يتعلق بمستقبل الأقليات في المنطقة، وبشكل خاص المسيحيين والإيزيديين، إذ فقدوا إمكانية التعايش بعيداً عن المجتمع الكردي وإقليم كردستان، وهذا الأمر يزيد من الدعم الخارجي للأكراد"، لافتاً إلى البيانات التي تصدر عن لقاءات قيادة إقليم كردستان مع المسؤولين الأجانب، والتي تظهر أن "موضوع محاربة الإرهاب وحماية الأقليات والحفاظ على التنوع والتعدد يتصدر جدول المحادثات". ويوضح أنه "نشأ بالفعل لوبي كردي في أوروبا وأميركا"، مؤكداً أنه "فعّال ونجح في إبراز القضية الكردية والمعاناة التي طاولت الأكراد خلال الفترة الماضية وتم اعتبار بعض ما جرى بحقهم عمليات إبادة جماعية". ويذكر أن "بعض البرلمانات اعترفت بحصول عمليات إبادة بحق الأكراد في عمليات الأنفال وقصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية (عام 1988)، وبمهاجمة الإيزيديين في سنجار من قبل تنظيم داعش، كما يمكن رؤية فعالية هذا اللوبي في المؤتمرات والأنشطة التي تنظم في دول مختلفة لدعم الأكراد".
ويتوقع خسرو أن تتنامى قوة اللوبي الكردي وفعاليته "لأن سقف التحرك وتوفير الدعم غير محدد ومرتفع، يصل إلى حد دعم قرار استقلال كردستان ومن ثم قيادة حملات لاعتراف دولي (بهذا الانفصال)". لكنه يستدرك قائلاً إنه "يجب ألا ننسى أيضاً أن اللوبي الكردي والدبلوماسية الكردية هي بمواجهة تحديات قوية ومعقدة تقودها دول الجوار العراقي، خصوصاً إيران وحليفتها بغداد، وقد استطاع هذا المحور خلق أزمة اقتصادية وسياسية خطيرة لإقليم كردستان ويحاول على الدوام، إلهاء الإقليم بمشاكل وأزمات داخلية لإضعاف فعالية حراكه الدبلوماسي وإضعاف توجهات الاستقلال"، بحسب تعبيره.
أما رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في أربيل، دلاور علاء الدين، فيقول إن "إقليم كردستان العراق مرشح قوي ووحيد في المنطقة ليتحول إلى دولة مستقلة"، على حد وصفه. ويعزو أسباب ذلك إلى "تحول كردستان إلى لاعب قوي في المنطقة بعد ضعف الدولة العراقية وبروز الإرهاب، وهذا ما عزز العلاقات بين الإقليم والمجتمع الدولي". ويضيف: "صحيح أن إقليم كردستان ليس بتلك القوة التي تغير موازين القوى بما يمكّنها من تغيير الحدود الدولية والاستقلال"، لافتاً إلى أن "طريق الاستقلال غير مفروش له بالحرير، لذلك عليه أن يحول الاستقلال من مطلب إلى مشروع يعمل (على تحقيقه) وفق خارطة طريق بمساعدة لوبي عالمي"، وفق علاء الدين. ويشير في ورقة "تقييم موقف"، أعدها ونشرها في وسائل إعلام كردية، إلى أنه يتوجب على الأكراد العمل من أجل التأثير على السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الجديدة "لأن تلك السياسة لم يجر تثبيتها بعد"، كما يدعو إلى "تنشيط لوبي كردي في لندن وباريس وبرلين وبروكسل وموسكو بهدف ضمان دعم استقلال كردستان".
وكانت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية قد أشارت في عام 2015 إلى وجود شركات في واشنطن تروج لصالح حكومة إقليم كردستان العراق، في أوساط الأميركيين، خصوصاً رجال الأعمال. يتعلق الأمر بشركات أميركية متخصصة في الترويج السياسي والعلاقات العامة، مثل "بي جي أر غفرمنت أفيرز" (BGR Government Affairs) وغيرها. وتقوم بحملات إعلامية لتشجيع هؤلاء على زيارة كردستان والاستثمار هناك. وتنظم هذه الشركات الاتصالية معارض وأنشطة لتسليط الضوء على الأيام الصعبة التي مرت على العراق والتهديد الذي يمثله تنظيم "داعش" على المنطقة، فضلاً عن وقْع أزمة اللاجئين الذين وصلوا إلى كردستان خلال السنوات الأخيرة، بعدما بلغ عددهم نحو مليوني شخص. كذلك تروج هذه الشركات لـ"شجاعة قوات البشمركة".
وبعد بدء الحرب ضد "داعش"، كانت شركات العلاقات العامة والأشخاص الناشطين ضمن اللوبي الكردي يعملون على دفع الإدارة الأميركية لتسليح قوات البشمركة بشكل كبير ومباشر، بعيداً عن سلطة بغداد. وقد تداولت تقارير إعلامية أسماء عدد من مؤسسات البحوث والعلاقات العامة التي تقدم خدمات لإقليم كردستان منذ فترة. وتصدر موضوع تسليح البشمركة بشكل مباشر عمل اللوبي الكردي في الخارج بعد 2014، وخلال عام 2016 أخذ دعم انفصال كردستان يتصدر أجندة عمل ذلك اللوبي.
وبدأ الأكراد بتطبيق عملي لفكرة إنشاء لوبي في الولايات المتحدة بعد عام 2007، للوصول إلى الكونغرس والبيت الأبيض ودوائر مؤثرة في هذا البلد. وأنشأوا مكتب تنسيق واستعانوا بخدمات مسؤولين سابقين في الكونغرس والحكومة. ويتخذ مكتب التنسيق لحكومة إقليم كردستان، وهو بمثابة سفارة، من واشنطن مقراً له، ومسجل كشركة غير ربحية.
وبادر إقليم كردستان العراق لتبني خطوة غير مسبوقة من خلال السماح بتمثيل لليهود في وزارة الأوقاف لديه. وتعيين شخص من أهالي الإقليم، ينتمي إلى الديانة اليهودية، ليكون ممثل طائفته لدى الوزارة، يهدف إلى تسهيل عملية إحياء المناسبات الدينية لليهود، بحسب السلطات. ويبلغ عدد الأسر اليهودية في إقليم كردستان نحو 600 أسرة لكنها تخشى كشف مكانها، وفق ممثل هذه الطائفة في الوزارة الكردية. وبات مسؤولون حكوميون يشاركون في بعض الأنشطة التي تقيمها ممثلية اليهود في كردستان. وبهذه الخطوة تريد حكومة الإقليم كسب اليهود وقوتهم في الأوساط الدولية لصالح القضية الكردية.
في المحصلة، يبدي المسؤولون الأكراد تفاؤلاً حول إمكانية تحقيق مرادهم بالانفصال عن العراق. ويرى مسؤول العلاقات الخارجية بالحزب الديمقراطي الكردستاني، هيمن هورامي، أن "الأكراد دفعوا بقضيتهم إلى الأمام حتى أصبحت أمامهم فرصة كبيرة للاستقلال"، على حد وصفه. لكنه يختم قائلاً: "إذا لم يستغلوا هذه الفرصة، عليهم ألا يلوموا أحداً".
اقــرأ أيضاً
وقصد كردستان أيضاً المبعوث الأمني الخاص للحكومة البريطانية، الجنرال توم بيكيت، وقائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال لويد أوستن، ووفد مشترك للاتحاد الأوروبي، والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، بان كي مون، ورئيس ممثلية الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، إيد رويس، ورئيس أركان الجيش الكندي، الجنرال جوناثان فانس، ونائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، والوفد المرافق له، ورئيس الوزراء السويدي، ستيفان لوفين، ووزير الدولة البريطاني لشؤون التنمية الدولية، روري ستيوارت. بمعنى آخر، يمثل عدد الذين زاروا كردستان أربعة أضعاف مَنْ زار بغداد من الشخصيات الدبلوماسية والدولية حتى الآن، وهو الأمر الذي دفع أعضاء في "التحالف الوطني" الحاكم في بغداد، إلى الاعتراض على زيارات التي شهدها كردستان، معتبرين أنها كان يجب أن تتم من بوابة بغداد.
ويقول مسؤولون في أربيل إنهم نجحوا في تكوين اللوبي المطلوب بدون حفلات ولا تقديم أموال وكان الاعتماد على العلاقات الشخصية وسياسة الإقليم التي قدمت وجهاً مدنياً لا دينياً، فضلاً عن موقف أربيل من إيران. غير أن مصادر تؤكد لـ"العربي الجديد" أن "اللوبي الكردي يحظى بدعم إسرائيلي كبير في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل كامل". وبحسب مراقبين فقد مرت الدبلوماسية الكردية بمراحل أربع: الأولى امتدت بين عامي 1961 و1991، وكانت تلك مرحلة تمرّد مباشر ضد الحكومات العراقية المتعاقبة. وكان التواصل الكردي مع العالم الخارجي ضعيفاً ولم يكن رسمياً. وكان اللقاء الخارجي الأبرز خلال تلك الفترة قد عقد مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، والذي وعد بتقديم دعم للأكراد لكنه لم يترجم كلامه بأفعال على الأرض.
والمرحلة الثانية للفترة الممتدة من عام 1991 إلى عام 2003، اتسمت بالدعم الإنساني وانفتاح كردي على إقامة علاقات محدودة ببعض دوائر السياسة والقرار في عواصم الجوار العراقي، مثل تركيا وإيران وسورية وبعض المؤسسات والشخصيات الأوروبية. واستفاد الأكراد في تحركاتهم بإصدار مجلس الأمن الدولي القرار 688 (5 إبريل/نيسان 1991)، والذي تم بموجبه إنشاء منطقة حظر للطيران العراقي في فضاء شمال العراق. وبعد صدور هذا القرار توجّهت مجموعة من المنظمات الإنسانية الدولية، بعضها إسرائيلية، إلى المحافظات الكردية الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، لتقديم المساعدات ودعم إعمار البنى التحتية المهدمة وإقامة بعض المشاريع الخدمية الضرورية.
لكن في تلك المرحلة، لم يتسم النشاط الدبلوماسي الكردي بطابع سياسي، بل انحصر في الإطار الإنساني، حتى بعد تدخل الخارجية الأميركية عام 1998 ورعاية اتفاق مصالحة بين الحزبين الكرديين الرئيسين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
والمرحلة الثالثة بدأت في إبريل/نيسان 2003 واستمرت حتى يونيو/حزيران 2014. وهي مرحلة ما بعد احتلال العراق، وأدى الأكراد فيها دوراً مهماً في مساعدة ودعم الأميركيين. في المقابل، حصلوا على حكم ذاتي، ثم جرى فتح قنصليات غربية في الإقليم. وكانت حقيبة وزارة الخارجية في الحكومة العراقية المركزية من نصيبهم لمدة ثماني سنوات، تولاها بشكل متواصل الوزير هوشيار زيباري، والذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني. هكذا، تمكّن إقليم كردستان، بفضل وزارة الخارجية، من توسيع النفوذ الكردي الدبلوماسي بمعزل عن بغداد.
والمرحلة الرابعة، هي مرحلة ما بعد ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وسيطرته على مساحات كبيرة من العراق ابتداءً من يونيو/حزيران 2014. وكرّس إقليم كردستان دوره في الساحة العراقية من خلال قوات البشمركة بوصفها قوة مسلحة يمكن الوثوق بها، على عكس الجيش العراقي والمليشيات المتحالفة معه. وخلال هذه المرحلة وجد الأكراد أنفسهم ضمن "التحالف الدولي" ضد "داعش"، من دون أن يسعوا لدخول هذا التحالف. وتطوعوا بمهام مختلفة أغلبها لم يكونوا ملزمين بتنفيذها أو القيام بها. وتم الزج بقوات الإقليم في معارك يمكن وصفها أنها تجري بالنيابة عن الولايات المتحدة. ولأول مرة خاضت قوات الإقليم معارك في عين العرب بسورية وفي نينوى. ونفذت عمليات إنزال جوي مع القوات الأميركية تسع مرات خلال عام واحد. وخلال هذه المرحلة المستمرة حتى اليوم، كان التعامل مع كردستان العراق عسكرياً في البداية. ثم ومع استمرار مشاكل العراق وأزماته وتصدره تصنيفات الدول المأزومة، أخذ التواصل الدبلوماسي الكردي مع الخارج ينتقل إلى الجانب السياسي. وأخذت أصداء دعوات انفصال كردستان عن العراق، والتي تصدر من الإقليم، تتردد في الخارج وتتم متابعتها باهتمام. هذا التطور كسر حاجز التردد الدبلوماسي الكردي في طرح مطالبه من دون مواربة. وبموازاة ذلك، كانت حملات دعم المطالب الكردية تتم بشكل منظم. وتقف وراء قسم منها شركات العلاقات العامة التي أخذت تروج لصالح القضية الكردية وبشكل خاص في الولايات المتحدة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة صلاح الدين في أربيل، عبد الحكيم خسرو، إن "المجتمع الدولي فرض منطقة آمنة بشمال العراق تتألف من محافظات أربيل ودهوك والسليمانية، عام 1991، وقد دافع عن هذه المنطقة خلال السنوات الماضية ويريد الاستمرار بذلك، ولكن حدثت تطورات خلال السنوات الأخيرة، تتمثل بالحرب ضد الإرهاب وعلى رأسها داعش، وموضوع حماية الأقليات بشمال العراق، وهما نقطتان تعززان من أهمية إقليم كردستان وتستقطبان المزيد من الدعم للأكراد". ويضيف لـ"العربي الجديد" أنه "في العراق وسورية الجيوش النظامية منهارة أو أصبحت ضعيفة، وظهرت على الساحة مجموعات مسلحة عديدة على هيئة مليشيات". ويتابع أن هذا الوضع جعل "قوات البشمركة تبدو كأفضل نموذج للقوة النظامية الفعالة القادرة على التعاون في دعم جهود المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب، أي أن دعم كردستان والبشمركة أصبح ضرورياً للعالم قبل أن يكون بالنسبة للأكراد"، على حد قوله.
ويشير خسرو إلى أن "الأمر الثاني يتعلق بمستقبل الأقليات في المنطقة، وبشكل خاص المسيحيين والإيزيديين، إذ فقدوا إمكانية التعايش بعيداً عن المجتمع الكردي وإقليم كردستان، وهذا الأمر يزيد من الدعم الخارجي للأكراد"، لافتاً إلى البيانات التي تصدر عن لقاءات قيادة إقليم كردستان مع المسؤولين الأجانب، والتي تظهر أن "موضوع محاربة الإرهاب وحماية الأقليات والحفاظ على التنوع والتعدد يتصدر جدول المحادثات". ويوضح أنه "نشأ بالفعل لوبي كردي في أوروبا وأميركا"، مؤكداً أنه "فعّال ونجح في إبراز القضية الكردية والمعاناة التي طاولت الأكراد خلال الفترة الماضية وتم اعتبار بعض ما جرى بحقهم عمليات إبادة جماعية". ويذكر أن "بعض البرلمانات اعترفت بحصول عمليات إبادة بحق الأكراد في عمليات الأنفال وقصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية (عام 1988)، وبمهاجمة الإيزيديين في سنجار من قبل تنظيم داعش، كما يمكن رؤية فعالية هذا اللوبي في المؤتمرات والأنشطة التي تنظم في دول مختلفة لدعم الأكراد".
ويتوقع خسرو أن تتنامى قوة اللوبي الكردي وفعاليته "لأن سقف التحرك وتوفير الدعم غير محدد ومرتفع، يصل إلى حد دعم قرار استقلال كردستان ومن ثم قيادة حملات لاعتراف دولي (بهذا الانفصال)". لكنه يستدرك قائلاً إنه "يجب ألا ننسى أيضاً أن اللوبي الكردي والدبلوماسية الكردية هي بمواجهة تحديات قوية ومعقدة تقودها دول الجوار العراقي، خصوصاً إيران وحليفتها بغداد، وقد استطاع هذا المحور خلق أزمة اقتصادية وسياسية خطيرة لإقليم كردستان ويحاول على الدوام، إلهاء الإقليم بمشاكل وأزمات داخلية لإضعاف فعالية حراكه الدبلوماسي وإضعاف توجهات الاستقلال"، بحسب تعبيره.
وكانت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية قد أشارت في عام 2015 إلى وجود شركات في واشنطن تروج لصالح حكومة إقليم كردستان العراق، في أوساط الأميركيين، خصوصاً رجال الأعمال. يتعلق الأمر بشركات أميركية متخصصة في الترويج السياسي والعلاقات العامة، مثل "بي جي أر غفرمنت أفيرز" (BGR Government Affairs) وغيرها. وتقوم بحملات إعلامية لتشجيع هؤلاء على زيارة كردستان والاستثمار هناك. وتنظم هذه الشركات الاتصالية معارض وأنشطة لتسليط الضوء على الأيام الصعبة التي مرت على العراق والتهديد الذي يمثله تنظيم "داعش" على المنطقة، فضلاً عن وقْع أزمة اللاجئين الذين وصلوا إلى كردستان خلال السنوات الأخيرة، بعدما بلغ عددهم نحو مليوني شخص. كذلك تروج هذه الشركات لـ"شجاعة قوات البشمركة".
وبعد بدء الحرب ضد "داعش"، كانت شركات العلاقات العامة والأشخاص الناشطين ضمن اللوبي الكردي يعملون على دفع الإدارة الأميركية لتسليح قوات البشمركة بشكل كبير ومباشر، بعيداً عن سلطة بغداد. وقد تداولت تقارير إعلامية أسماء عدد من مؤسسات البحوث والعلاقات العامة التي تقدم خدمات لإقليم كردستان منذ فترة. وتصدر موضوع تسليح البشمركة بشكل مباشر عمل اللوبي الكردي في الخارج بعد 2014، وخلال عام 2016 أخذ دعم انفصال كردستان يتصدر أجندة عمل ذلك اللوبي.
وبدأ الأكراد بتطبيق عملي لفكرة إنشاء لوبي في الولايات المتحدة بعد عام 2007، للوصول إلى الكونغرس والبيت الأبيض ودوائر مؤثرة في هذا البلد. وأنشأوا مكتب تنسيق واستعانوا بخدمات مسؤولين سابقين في الكونغرس والحكومة. ويتخذ مكتب التنسيق لحكومة إقليم كردستان، وهو بمثابة سفارة، من واشنطن مقراً له، ومسجل كشركة غير ربحية.
وبادر إقليم كردستان العراق لتبني خطوة غير مسبوقة من خلال السماح بتمثيل لليهود في وزارة الأوقاف لديه. وتعيين شخص من أهالي الإقليم، ينتمي إلى الديانة اليهودية، ليكون ممثل طائفته لدى الوزارة، يهدف إلى تسهيل عملية إحياء المناسبات الدينية لليهود، بحسب السلطات. ويبلغ عدد الأسر اليهودية في إقليم كردستان نحو 600 أسرة لكنها تخشى كشف مكانها، وفق ممثل هذه الطائفة في الوزارة الكردية. وبات مسؤولون حكوميون يشاركون في بعض الأنشطة التي تقيمها ممثلية اليهود في كردستان. وبهذه الخطوة تريد حكومة الإقليم كسب اليهود وقوتهم في الأوساط الدولية لصالح القضية الكردية.
في المحصلة، يبدي المسؤولون الأكراد تفاؤلاً حول إمكانية تحقيق مرادهم بالانفصال عن العراق. ويرى مسؤول العلاقات الخارجية بالحزب الديمقراطي الكردستاني، هيمن هورامي، أن "الأكراد دفعوا بقضيتهم إلى الأمام حتى أصبحت أمامهم فرصة كبيرة للاستقلال"، على حد وصفه. لكنه يختم قائلاً: "إذا لم يستغلوا هذه الفرصة، عليهم ألا يلوموا أحداً".