باشر الكونغرس الأميركي مناقشة تعديلات جديدة على قانون لمكافحة مقاطعة إسرائيل يجرّم المواطنين الأميركيين الذين يشاركون في أنشطة سياسية تستهدف مقاطعة إسرائيل، ما يتعارض مع حق حرية التعبير الذي تنصّ عليه المادة الأولى من الدستور الأميركي. وينصّ القانون الجديد على معاقبة الأميركيين الذين يقاطعون الشركات التي لها علاقات اقتصادية بإسرائيل أو مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في حال كان مصدر دعوات المقاطعة مؤسسات حكومية دولية مثل الأمم المتحدة.
وأثار مشروع القانون الجديد، الذي اقترحه نهاية الأسبوع الماضي عضوا مجلس الشيوخ الديمقراطي بن كاردن والجمهوري روب بورتمان، السجال مجدداً حول مسألة المقاطعة كوسيلة في العمل السياسي. واستخدمت المقاطعة كوسيلة للتعبير عن موقف سياسي في مراحل متعددة من التاريخ السياسي الأميركي الحديث، ففي عام 1982، أصدرت المحكمة الأميركية العليا قراراً أكد دستورية حملة المقاطعة التي قام بها المدافعون عن حقوق الأقلية الأفريقية في ولاية ميسيسيبي في ستينيات القرن الماضي، استهدفت مؤسسات اقتصادية عائدة لرجال أعمال بيض. وفي عام 2016، لجأت شركات أميركية وفنانون مشهورون إلى مقاطعة حكومة ولاية كارولينا الشمالية، بسبب قانون للمراحيض العامة أصدره حاكم الولاية وصدّقت عليه مجالسها التمثيلية واعتبرته المنظمات المدافعة عن المثليين "متعارضا مع حقوق المتحولين جنسياً".
وبعد حادثة إطلاق النار في مدرسة في فلوريدا، الشهر الماضي، وإثارة السجال حول حق حيازة الأسلحة الفردية في الولايات المتحدة، برزت ظاهرة مقاطعة "الجمعية الوطنية للسلاح"، وأعلنت شركات ومنظمات حقوقية أميركية عدة قطع جميع علاقاتها بشركات السلاح صاحبة اللوبي النافذ في الكونغرس الأميركي، بمنع إصدار تشريعات للحدّ من ظاهرة انتشار السلاح الفردي، خصوصاً البنادق الأوتوماتيكية التي تستخدمها الجيوش.
ورغم قوة لوبي شركات الأسلحة إلا أنه لم يتجرأ على إصدار تشريعات تعاقب الأفراد والشركات والمؤسسات التي دعت إلى مقاطعة "الجمعية الوطنية للسلاح"، لتعارضه مع حرية التعبير المحمية بالدستور. في المقابل، فإن ازدياد نفوذ اللوبي الإسرائيلي وانحياز غالبية أعضاء الكونغرس الأميركي لإسرائيل، جعل مسألة مقاطعتها في الولايات المتحدة جريمة يعاقب عليها القانون.
مع العلم أن الكونغرس أصدر، عام 1970، قانون "مكافحة مقاطعة إسرائيل"، بعد إطلاق الجامعة العربية، في تلك الفترة، حملة عالمية لمقاطعة دولة الاحتلال، اشترطت على الحكومات والشركات عدم إقامة علاقات اقتصادية مع إسرائيل إذا أرادت الاستثمار في الدول العربية.
وفي وقتٍ ركز قانون 1970 على حماية الشركات الأميركية العاملة في الدول العربية، وتجنيبها شروط مقاطعة إسرائيل، فإن تعديلات القانون الجديد تدخل في طبيعة الأنشطة السياسية التي بإمكان المواطن الأميركي القيام بها أو عدم القيام بها من خلال فرض عقوبات جرمية على المنظمات الأميركية التي تلبي دعوة صادرة عن جهات دولية لمقاطعة إسرائيل.
ورغم أن تعديلات القانون الجديد أمعنت في خرق المادة الأولى من الدستور الأميركي، إلا أنها، في نفس الوقت، أدخلت بعض التحسينات على القانون القديم، لجهة منع سجن الأميركيين المقاطعين لإسرائيل ومنتجات المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما نصّ القانون الجديد على أنه "لا يمكن فتح تحقيق قضائي ضد الأفراد الذين يتبنون خطاباً نقدياً ضد إسرائيل. لكنه يسمح بفرض عقوبات مالية عليهم".
وحسب منظمة الحريات المدنية الأميركية "أي سي أل يو"، فإن "جهود تعديل قانون مكافحة مقاطعة إسرائيل ليست معزولة عن حملة أوسع على مستوى الولايات والمستوى الفدرالي لمحاربة حركة مقاطعة إسرائيل". وقبل أسابيع قليلة، أصدرت المحكمة الفدرالية في كنساس، حكماً لصالح حركة مقاطعة إسرائيل، واتهمت المحكمة حكومة الولاية بـ"الانحياز إلى إسرائيل"، وقالت إنه "لا يحقّ لسلطات الولاية قمع رأي الطرف الآخر من السجال الفلسطيني الإسرائيلي".