اللغز في بورصة الرئاسة اللبنانية

08 ديسمبر 2015

يحمل ترشيح فرنجية أسراراً وتبدلاتٍ ملغزة في المواقف

+ الخط -
كأنما تبدلت التحالفات في لبنان، على النحو الذي يثير الاستغراب وأسئلة كثيرة. فأن يحل سليمان فرنجية، بقوة، في بورصة التداول السياسي، المحلي والإقليمي والدولي، مرشحاً لرئاسة الجمهورية اللبنانية؛ فمعنى هذا أنّ في الأمر كثيراً من المسكوت عنه، وهو يزيد، قطعاً، عن مألوف التبدلات الفجائية في التحالفات والعداءات اللبنانية. ويُخشى أن ينعكس خيارٌ كهذا على الوضع الأمني الذي لا زيادة في سوئه لمستزيد، وأن تتكرر، مأساة رينيه معوض الذي لاقى حتفه، اغتيالاً، بقرار من حافظ الأسد، بعد 17 يوماً من تنصيبه، بقطع النظر عن الفاعل هذه المرة. الثابت أن هذا الشاب شخصية إشكالية، وتختزن بغضاء عميقة. صحيح، أن فرنجية شبّ عن الطوق في بيت موالٍ للأسد الأب، بينما كان رينيه معوض رجل حوار منفتحاً على كل الأطياف، وهو أمر لم يكن يُرضي حافظ الأسد الذي تقبل ترشيحه على مضض، لأن التفاهم على ترئيسه كان في محاذاة اتفاق الطائف، لتوطيد السلم في لبنان، وانتشال الدولة. فما حدث، بعد التنصيب، أن معوّض تمسك بطبائعه رجل حوار، ولم يرعبه الإصرار الأسدي، على التحكم بخيارات الحكم في لبنان وتوجهاته، وظهرت عليه إشارات عدم الطاعة، منذ اليوم الأول. آنذاك، صرحت عقيلته، نائلة معوض، إن زوجها جاء إلى موقع الرئاسة، بإجماع لبناني وعربي ودولي، وكان ذلك هو بالضبط، ما جعل الأسد يقرّر تصفيته.
يحمل دعم ترشيح سليمان فرنجية، في الاستحقاق الانتخابي المعطل، أسراراً وتبدلاتٍ ملغزة في المواقف، فهل يساند سعد الحريري موالياً للأسد، كان وزيراً للداخلية يوم اغتيال والده؟ ولماذا؟ كان الشاب، في ظهوره المتلفز، حتى قبل أن يقع الخلاف السعودي مع نظام الأسد، بعد انتفاضة الشعب السوري؛ دائم السخرية من سعد الحريري، وكذلك مما يراه ولاء الحريري التام للسعودية. بل إنه، مرةً، خرج عن طوره، فلجأ إلى إضحاك المشاهدين، على التشابه بين شعرات ذقن سعد ومثيلاتها التي على ذقون الشباب السعوديين. اللافت أن الفرنسيين والأميركيين يؤيدون ترشيح فرنجية مع السعوديين، بينما الشاب يؤكد على التمسك بعلاقات أسرته التقليدية مع آل الأسد، فما الذي تغير؟ فآل فرنجية لهم علاقة استثنائية، تخالف ما عُرف عن الأسد الأب، والابن من بعده، من كراهيةٍ عميقة للعائلات السياسية اللبنانية، ومثابرته على الإجهاز عليها، سُنية كانت أو درزية أو مارونية.
يمكن لواحدنا أن يفهم أسباب استبعاد ميشيل عون، فهو متقلب، وطموحه الشخصي بوصلته، ولا يوحي بالثقة. فخلال ربع القرن المنصرم، كان له توافقان وصدامان مع النظام السوري. كشف عن التوافق الأول، الوسيط الأخضر الإبراهيمي، عندما فوجئ بعد اتفاق الطائف، في حديث مع ميشيل عون نفسه، أن حافظ الأسد أرسل إلى عون مع إيلي حبيقة، مجرم "صبرا وشاتيلا"، يطلب منه التمسك برفض "الطائف"، ويعده بالرئاسة، على أن ينهي عداءه النظام السوري، ويصفي المليشيات المسيحية، ولمّا أزال الأسد رينيه معوض بالاغتيال، دفع بإلياس الهراوي، الموالي تماماً، وأراغوز الرئاسة السورية، إلى الرئاسة اللبنانية، واقتلع عون من قصر بعبدا. وأصبح الأخير معادياً، قبل أن يعود من منفاه الفرنسي، ويتحالف مع النظام ومن معه من القوى اللبنانية.
ثمّة أسرار خلف التوافق بين تيار المستقبل و"8 آذار" على ترشيح فرنجية واستبعاد عون. الأول، لديه من الحيثيات، ما يقلق الذين يدعمونه من تيار المستقبل، فضلاً عن رفض شركاء هذا التيار، المسيحيين، للترشيح. أما الثاني، فلدى الطرفين أسباب كثيرة تجعلهم يتقبلونه حليفاً، ولا يقبلون به مرشحاً لرئاسة الجمهورية. هنا، يتصدع تكتل "14 آذار"، وتقوم الأسئلة، ومن بينها: ماذا في جعبة الحريري، وهو يدفع حليفاً للنظام السوري إلى سدة الرئاسة؟ وما هو الموقف الأخير لحزب الله، وهو يرى الأمور تجري إلى غير صالح حليفه الجنرال؟