"كان الأسبوع الأسوأ" حتى الآن في رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة الأميركية، كما قال أحد المراقبين، بعدما بدأ بانكشاف قصة اجتماع نجله البكر دونالد وصهره جاريد كوشنر ومدير حملته الأول بول مانافورت قبل سنة في برج ترامب في نيويورك، بمحامية روسية على علاقة بالكرملين، للحصول على معلومات تصبّ ضد هيلاري كلينتون، منافسة والده آنذاك. واليوم، تكشف أنه إلى جانب المحامية، حضر رجل مخابرات روسي سابق لم يعرف اسمه بعد.
تطوّر يصب الزيت على النار، ويقرّب رئاسة ترامب من تخوم دائرة الخطر، ذلك أن قانون الانتخابات الأميركي يحظر الاستعانة بجهة خارجية لتوظيف خدماتها في الحملة الانتخابية. وتدرج مخالفة هذا الحظر في خانة الجريمة، وهذه التهمة حسابها عسير، لو ثبتت عناصرها.
حتى الآن، يندرج الاجتماع في خانة محاولة الاستعانة بالخارج. أما الاستفادة من خدماته فغير محسومة بعد، ومتروك التثبت منها إلى المحقق الخاص بالتدخل الروسي، روبرت مولر، بالإضافة إلى لجان التحقيق في الكونغرس. وزاد من الاشتباه أنه لا الابن ولا الصهر أبلغ الجهات المعنية في حينه أو لاحقاً بهذا الاجتماع. كوشنر لم يأت على ذكر اللقاء في بيان سيرته الذاتية، والذي يتضمن بنداً عن اتصالاته الخارجية الذي قدمه للحصول على التصريح الأمني اللازم للعمل في البيت الأبيض.
وتعززت الشكوك أكثر، عندما تبدّلت ردود فعل الابن الذي سارع في البداية إلى نكران الاجتماع، ثم إلى تمييعه وربطه بزعم البحث مع المحامية في موضوع تبنّي الأطفال الروس، ثم إلى الاعتراف بحصوله لغرض الاطلاع على ما لديها من معلومات عن هيلاري، إذ تبيّن أنها "لا تملك شيئاً منها"، حسب ما قال. وتزايد الارتياب أكثر، عندما قال الرئيس إنه لم يعرف بهذا الاجتماع سوى بعد أن انكشف أمره في اليومين الماضيين؛ في حين تفيد المعلومات بأنه كان في ذلك اليوم موجوداً في العمارة وأنه تناول الغداء مع مانافورت.
افتضاح أمر هذه الواقعة المحجوبة، وما رافقها من تخبّط وارتباك، أعطى شحنة وازنة من الزخم لـ"نظرية التستر" على خفايا اللغز الروسي، والتي تتكشّف تباعاً منذ أشهر. وهنا يكمن التخوّف من تحول هذا الصداع إلى خطر، لا سيما أنه بات من المتعذر وقف حنفية المعلومات التي تفاقم ما يسمى في واشنطن بـ"أزمة البيت الأبيض". وقد استحضر هذا المستجد السؤال الذي طرح فيما مضى مع بدايات انكشاف فضيحة ووترغيت: "ما الذي عرفه الرئيس ومتى عرفه؟"، والتحقيقات لا بدّ أن تجيب عن ذلك.
بموازة هذا التفاقم وفي ظله، يسود جو من الترقب والوجوم في واشنطن. القصة الروسية التي تنفضح دهاليزها المعقدة بالتقسيط، تكاد سيرتها تأسر المشهد السياسي في واشنطن. الكونغرس مشتت ومكبّل. قانون الرعاية الصحية ما زال حتى بنسخته الجديدة التي كشف عنها رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، موضع خلاف حتى بين الجمهوريين، على الرغم من إلحاح الرئيس على ضرورة تمريره، علّه يحجب الموضوع الروسي ولو لأيام.
نائب الرئيس، مايك بنس، مبتعد كلياً عن دوره الدفاعي في ما يتعلق بهذا الموضوع، بل حرص في تصريح له قبل أيام على التوضيح أن كل ذلك حصل قبل التحاقه بالحملة الانتخابية. بذلك، وضع فاصلاً بينه وبين هذا الملف الملتهب. ويقال إنه عاتب "لأنهم حجبوا عنه كل هذه المعلومات وتركوه في العتمة".
عتب مبطّن يشاركه فيه وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، ولو من باب آخر، لا سيما بعد عودته من جولته في المنطقة، وربطها بالقيود التي وجد نفسه مكبلاً بها بسبب توزع "القرار في الإدارة على أطراف عدة، تعزف أحياناً عن اتخاذ القرارات اللازمة".
كذلك، وإلى حدّ ما، هو حال وزير الدفاع جيمس ماتيس الغائب تقريباً عن الأضواء، والذي يقال إنه عاتب هو الآخر لأن وزارته "لم تطلع على خطة" وقف النار في جنوب سورية، والتي توافق ترامب مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، حولها في قمة مجموعة العشرين بهامبورغ الألمانية.
انفجارات اللغم الروسي تراكمت وتفاقمت. من اجتماع حملة ترامب مع السفير الروسي إلى الاجتماع مع رئيس مصرف روسي للدولة، والآن إلى لقاء مع محامية روسية بصحبة مخابراتي روسي سابق. حتى الجمهوريون "تعبوا" وزادت خشيتهم. يناشدون الرئيس لاتخاذ المبادرة وكشف ما تبقى من القصة ومعالجتها، لكن البيت الأبيض اليوم "لا يسمع حتى لمحاميه".