اللاعب القادم من الخلف

23 أكتوبر 2016
(ملصق في ملعب فلسطيني، أيلول/سبتمبر 2015، تصوير: توماس كوكس)
+ الخط -

دائماً ما نجد في مباريات كرة القدم أن هناك لاعبا يخبّئه المدرب حتى ربع الساعة الأخير من المباراة، لأن اللاعب المعوّل عليه ونجم الفريق لم يستطع أن يحقق الهدف، بينما عجز اللاعبون الآخرون عن تمرير كرات حاسمة لإيصال هذا اللاعب إلى الهدف كي ينهي المباراة، فمهما كان اللاعبون مهرة ومحترفين ومتنافسين إلا أن واحدا منهم هو من سيصل إلى الهدف.

وكما في كرة القدم يوجد لاعبون كثر ولاعبون احتياط، هنالك في السياسة أيضا لاعب احتياط سيكون من المرجح الزجّ به في اللحظات الأخيرة. ولأن الأمور في الساحة الفلسطينية غاية في التعقيد، لابد من إيجاد لاعب من خارج قائمة اللاعبين المسجلين على اللائحة، على كثرتهم.

وبالطبع هذا سيتطلب تلميعا لصورته لدى الحركة الأكبر في الساحة الفلسطينية، وهي حركة فتح، لأن بقية الفصائل الفلسطينية غير قادرة على إيصال شخصية تقوم بترشيحها إلى رئاسة السلطة الفلسطينية، كما حصل مع مرشح المبادرة الوطنية، مصطفى البرغوثي، الذي دعمته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منافسا لمحمود عباس في انتخابات السلطة السابقة بعد رحيل عرفات، أو لأنها ضد اتفاقيات أوسلو ونهج المفاوضات المستمر منذ ثلاثة وعشرين عاما، من دون أن يحقق أي إنجاز على الأرض للفلسطينيين مهما كان ضئيلاً.

بالإضافة إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية الحالي ما زال يقف حجر عثرة أمام جميع اللاعبين، فهو متمترس في موقعه، ويدير اللعبة السياسية والتنظيمية في حركة فتح، وبالتالي الانتخابية، كما يريد، فيُقصي المتنمّرين ضد سياسته ويقرّب الموالين لنهجه ولتمجيده بشكل شخصي، لذلك سيشرف شخصيا، خلال الأسابيع القادمة، على انتخابات جديدة لحركة فتح، وبالتالي لمنظمة التحرير الفلسطينية ولجنتها التنفيذية، على اعتبار أن فتح هي عمودها الفقري، وسيتم إعادة انتخابه زعيما لهذه الحركة، ما لم تحصل معجزة، وتالياً سيبقى هو رئيساً إلى حين آخر، فيما سيستمر الآخرون في تلميع صورتهم وتدوير زواياهم الحادة مع حركة فتح وقيادتها المنتخبة حديثا.

وهناك الكثير من الأسماء الجاهزة لتولي السلطة بعد محمود عباس، لكنها بحاجة إلى مجهود كبير كي تجمع أكبر عدد من النقاط على حساب بعضها كي تفوز بالسلطة بعد عباس. فإجماع حركة فتح على اسم من الأسماء المطروحة مثل دحلان أو القدوة أو عريقات، وحتى الكابتن ماجد، المسؤول الأمني، سيكون صعبا للغاية.

وحتى مروان البرغوثي، القائد الفتحاوي الموافق على أوسلو، المعترض على تطبيقه والأسير لدى العدو منذ انتفاضة الأقصى، لن تكون حظوظه كبيرة نتيجة بقائه في الأسر وصعوبة الإفراج عنه، إلا إذا قررت إسرائيل ذلك نتيجة صفقة ما، عندها لن تجد الأسماء الأخرى فرصة كبيرة، لكن ذلك مستبعد، وإجماع حركة فتح على اسم مستبعدٌ أيضا، فحركة فتح بعد رحيل عرفات هي غير فتح الآن، وتكتلها خلف محمود عباس كان نتيجة شعورها بالخطر الوجودي، فتكتلت خلف الرجل الثاني في فتح حينها، وهو محمود عباس، لكنه وحتى لا يتكرر ما فعله هو شخصيا مع عرفات من معارضة وصلت إلى حد القطيعة، لم يوجد هذه الشخصية الثانية تماما كما فعل حسني مبارك بعد السادات، حتى لا يكون كبش فداء سريع لأي تغيير محتمل.

وفي حينها استنفرت كل حركة فتح وأنصارها، ودارت عجلة العمل التنظيمي والانتخابي لدى فتح بأقصى ما يمكنها لانتخاب محمود عباس، وكان خيارها الأوحد. أما ومع كثرة المرشحين في هذه المرة، فقد تقع فتح في فخ التشرذم الانتخابي، كما حصل معها في الانتخابات التشريعية حين فازت حماس.

وكثرة المرشحين هذه ستؤدي بالضرورة إلى ضياع الولاء لشخصية واحدة، مما قد يتيح للاعب آخر التقدم والحصول على قصب رئاسة السلطة. لكن علينا ألا نغفل أن هذه الشخصية، ونتيجة العقلية الفلسطينية المخلدة للزعامات مهما فعلت والمؤلهة الممجدة للبطولات الخلّبية ستكون هذه الشخصية بحاجة لهكذا أفعال، وحتى لاجتراح معجزات لتقنع الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة. ولا ننسى هنا أن لحركة حماس ثقلا كبيرا في غزة، مما يعني عبئا إضافيا على كتفي هذه الشخصية، خصوصا أن حضور دحلان في غزة أيضا لا يستهان به.

لهذا يجب أن يكون لها امتدادات في غزة للحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات هناك كي تستطيع الوصول إلى رئاسة السلطة بعد محمود عباس بسلاسة وسهولة. ولكن حتى هذه السلاسة والسهولة ستكون أمام عقبة جديدة، فهي يجب أن تكون مقبولة من الأطراف العربية الفاعلة في القضية الفلسطينية، والتي سيقع العبء عليها بتلميعها ودعمها.

من أجل كل هذا، على هذا اللاعب أن يكون مطواعا ويسير بالقضية الفلسطينية إلى النهايات التي ترسمها له هذه الدول، ومن ورائها راسمة خطاها أميركا فالسعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، وكذلك قطر المؤثرة والحاضنة لحماس حاليا، هم من يتولون إدارة الملف الفلسطيني عربيا، وهم جميعا يلعبون ضمن حدود الملعب الأميركي.

لهذا لابد من لاعب قادم من الخلف (وقد يكون من القيادات الشابة الجديدة التي تدرجت في هيئات فتح في عهد أوسلو والطامحة إلى تولي السلطة). وهذا اللاعب الاحتياطي الذي يمتلك كل هذه المواصفات هو من سيصل إلى الهدف، ففي مباريات كرة القدم دائما ما يكون اللاعب النجم مراقبا ويحيطه الخصم كي لا يتحرر ويتصرف بالكرة كما يشاء.

وكما أن هناك في كرة القدم سياسة للمدرب داخل الملعب وخارجه، هناك أيضا كرة في السياسة. لهذا سنسمع من السياسيين، في الأيام القادمة، عبارة اعتدنا سماعها منهم دائما (لقد كانت الكرة في ملعب أميركا). فهل سيدخل الجمهور الفلسطيني إلى أرض الملعب كي يحمل هذا اللاعب أو ذاك؟ لا نعتقد ذلك، فغالبا ما يبقى الجمهور على المدرجات مصفقا للنتيجة.


* كاتب فلسطيني سوري / ألمانيا

المساهمون