08 يوليو 2019
اللاعبون في مصائر اليمن
لا موت طبيعياً لرؤساء اليمن. الموت اغتيالاً يترصدّهم في مكان ما. قد يكون عبد الكريم العرشي، الذي تنازل لعلي عبد الله صالح عن الرئاسة، هو الرئيس الوحيد الذي لم يُقتل غيلة في يمن ما بعد الثورة على الإمامة. هناك في الجنوب رئيسان نجَوا من الاغتيال هما: علي ناصر محمد وعلي سالم البيض، على الرغم من ضلوعهما في أكثر من عملية "انقضاض" على رئاسة جنوبية قائمة، وعلى الرغم من اغتيال رفاقهما الكبار في مجزرة "اللجنة المركزية" (1986). الموت يترصّد كل رأس يعلو في اليمن. هذه البلاد، ذات الجبال الوعرة، العالية، لم تعرف استقراراً سياسياً طويلاً إلا في عهد علي عبد الله صالح (عفّاش)، لكنه ظل، دائماً، استقراراً قلقاً، قائماً على الترضيات وإخماد البؤر التي من شأنها الانقضاض على القصر الجمهوري.
بالدهاء والحيلة وشراء الذمم والتلاعب بالخصوم، صمد "عفّاش" إلى أن حان قطف رأسه على يد "حلفائه" الحوثيين. يعجب قارىء تاريخ اليمن، بشقيه، ممن يريد أن يكون رئيساً. فأن تكون رئيساً في اليمن يعني أن تكون قتيلاً مؤجلاً. لا مهرب من هذا المصير، حتى لثعلبٍ مثل عفّاش، راوغ الموت وراوغه الموت، في لعبة شدّ حبلٍ خطيرة. تأرجح الحاوي على هذا الحبل طويلاً. وصل إليه الموت مراراً لكنه تملص من فخّه. احترق، تقريباً، بالكامل، ونجا من الحريق. ظن أنه قادر على ملاعبة الموت، وليس الأفاعي فقط، والانتصار عليه. في الأقل، عندما يأتي خطر الموت من المناطق التي سبرها بشاشة مسحه الحذرة سنين عديدة. رؤساء اليمن يموتون على يد الجيش. على أيدي الطامعين في سلطةٍ محفوفةٍ بالموت من كل جانب. وهؤلاء يتحدرون غالباً من الجيش. أو من الحزب. هذه المكامن أمَّنها علي عبد الله صالح.
لكن يبدو أنه فقد "مهاراته" الشهيرة في السنين الأخيرة. مقتله المعلن، منذ أمد، كان في تحالفه مع الحوثيين الذين جرَّد عليهم ست حروبٍ وقتل زعيمهم. وفي يمنٍ لا ينسى ثأراً حتى لو طال الزمن، كان على "عفّاش" أن يحدس بالنهاية، خصوصا بعدما سلَّم الحوثيين مقاليد قوته: الجيش الذي ربَّاه على طاعته.
***
ترافق موت علي صالح مع ذكرى مقتل عبد الفتاح إسماعيل. وهذا محبوبُ المثقفين العرب. لعله يكون الرئيس العربي الوحيد الذي كان يفضّل صحبة الشعراء والمثقفين على رفاقه الحزبيين. كان يمكن أن يجعل مسؤولاً أجنبياً ينتظر لأنه في لقاء مع أدونيس، أو فواز طرابلسي، أو أي مثقفٍ عربيٍّ كان يزور عدن. ربما كان علي عبد الله صالح "محظوظاً، أكثر من نظيره الجنوبي (على الرغم من أنه شمالي الأصل) فلم يعثر لعبد الفتاح إسماعيل على أثر. فقد قضى في "مجزرة اللجنة المركزية" مع علي عنتر (يمين الحزب الاشتراكي)، وصالح قاسم مصلح (وزير الدفاع) وعلي شايع هادي (وزير الداخلية).. وبقي علي ناصر محمد، مدبِّر المجزرة لمصلحة علي عبد الله صالح والسعودية (على الأغلب) حياً، لأنه لم يحضر الاجتماع الذي حصلت فيه المجزرة (اللجنة المركزية) وفرَّ إلى الشمال، عند علي عبد الله صالح. كان علي ناصر يخطط لمجزرةٍ تشبه مجزرة القلعة التي نفذها محمد علي باشا ضد المماليك المدعوين الى مأدبة عشاء (أو غداء، لست متأكّداً).
تبدو اغتيالات رؤساء اليمنين، الشمالي والجنوبي، صراعاً على السلطة بين أجنحةٍ عسكرية، أو حزبية، لكن هذه نصف الحقيقة، فوراء مسلسلات القتل هذه كانت تقف قوى إقليمية لم تكن ترغب لليمن أن يقف على قدميه، لا منفصلا ولا موحدا. واحدة من أهم القوى التي لعبت في مصائر اليمن هي السعودية. فخلف حروب اليمن يلوح شبح الرياض. هذا حصل في مقتل إبراهيم الحمدي، في مجزرة اللجنة المركزية، في حرب الانفصال التي قادها علي سالم البيض. ليس مهماً أيديولوجية من يحكم اليمن بالنسبة للسعودية. فهي تحالفت مع اليمن الشمالي القبلي، واتصلت باليمن الجنوبي الماركسي. ما هو مهمٌّ دائماً أن يبقى اليمن تحت عباءتها. أن لا يشكل قوة قادرة على تسيير شؤونها. وليست حرب "التحالف" الحالية بعيدةً عن هذا الهدف السعودي الثابت.
بالدهاء والحيلة وشراء الذمم والتلاعب بالخصوم، صمد "عفّاش" إلى أن حان قطف رأسه على يد "حلفائه" الحوثيين. يعجب قارىء تاريخ اليمن، بشقيه، ممن يريد أن يكون رئيساً. فأن تكون رئيساً في اليمن يعني أن تكون قتيلاً مؤجلاً. لا مهرب من هذا المصير، حتى لثعلبٍ مثل عفّاش، راوغ الموت وراوغه الموت، في لعبة شدّ حبلٍ خطيرة. تأرجح الحاوي على هذا الحبل طويلاً. وصل إليه الموت مراراً لكنه تملص من فخّه. احترق، تقريباً، بالكامل، ونجا من الحريق. ظن أنه قادر على ملاعبة الموت، وليس الأفاعي فقط، والانتصار عليه. في الأقل، عندما يأتي خطر الموت من المناطق التي سبرها بشاشة مسحه الحذرة سنين عديدة. رؤساء اليمن يموتون على يد الجيش. على أيدي الطامعين في سلطةٍ محفوفةٍ بالموت من كل جانب. وهؤلاء يتحدرون غالباً من الجيش. أو من الحزب. هذه المكامن أمَّنها علي عبد الله صالح.
لكن يبدو أنه فقد "مهاراته" الشهيرة في السنين الأخيرة. مقتله المعلن، منذ أمد، كان في تحالفه مع الحوثيين الذين جرَّد عليهم ست حروبٍ وقتل زعيمهم. وفي يمنٍ لا ينسى ثأراً حتى لو طال الزمن، كان على "عفّاش" أن يحدس بالنهاية، خصوصا بعدما سلَّم الحوثيين مقاليد قوته: الجيش الذي ربَّاه على طاعته.
***
ترافق موت علي صالح مع ذكرى مقتل عبد الفتاح إسماعيل. وهذا محبوبُ المثقفين العرب. لعله يكون الرئيس العربي الوحيد الذي كان يفضّل صحبة الشعراء والمثقفين على رفاقه الحزبيين. كان يمكن أن يجعل مسؤولاً أجنبياً ينتظر لأنه في لقاء مع أدونيس، أو فواز طرابلسي، أو أي مثقفٍ عربيٍّ كان يزور عدن. ربما كان علي عبد الله صالح "محظوظاً، أكثر من نظيره الجنوبي (على الرغم من أنه شمالي الأصل) فلم يعثر لعبد الفتاح إسماعيل على أثر. فقد قضى في "مجزرة اللجنة المركزية" مع علي عنتر (يمين الحزب الاشتراكي)، وصالح قاسم مصلح (وزير الدفاع) وعلي شايع هادي (وزير الداخلية).. وبقي علي ناصر محمد، مدبِّر المجزرة لمصلحة علي عبد الله صالح والسعودية (على الأغلب) حياً، لأنه لم يحضر الاجتماع الذي حصلت فيه المجزرة (اللجنة المركزية) وفرَّ إلى الشمال، عند علي عبد الله صالح. كان علي ناصر يخطط لمجزرةٍ تشبه مجزرة القلعة التي نفذها محمد علي باشا ضد المماليك المدعوين الى مأدبة عشاء (أو غداء، لست متأكّداً).
تبدو اغتيالات رؤساء اليمنين، الشمالي والجنوبي، صراعاً على السلطة بين أجنحةٍ عسكرية، أو حزبية، لكن هذه نصف الحقيقة، فوراء مسلسلات القتل هذه كانت تقف قوى إقليمية لم تكن ترغب لليمن أن يقف على قدميه، لا منفصلا ولا موحدا. واحدة من أهم القوى التي لعبت في مصائر اليمن هي السعودية. فخلف حروب اليمن يلوح شبح الرياض. هذا حصل في مقتل إبراهيم الحمدي، في مجزرة اللجنة المركزية، في حرب الانفصال التي قادها علي سالم البيض. ليس مهماً أيديولوجية من يحكم اليمن بالنسبة للسعودية. فهي تحالفت مع اليمن الشمالي القبلي، واتصلت باليمن الجنوبي الماركسي. ما هو مهمٌّ دائماً أن يبقى اليمن تحت عباءتها. أن لا يشكل قوة قادرة على تسيير شؤونها. وليست حرب "التحالف" الحالية بعيدةً عن هذا الهدف السعودي الثابت.