02 ديسمبر 2019
اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وحقوق العمل الغائبة
محمود العلي
باحث فلسطيني، دكتوراه في علم الاجتماع. عمل استاذاً مساعداً في معهد العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية، وفي عدّة وظائف في "الأونروا"، باحث ومنسق مركز حقوق اللاجئين – عائدون.
يرتبط موضوع عمالة الفلسطينيين في لبنان ارتباطًا وثيقًا بآفاق التحولات السياسية التي يعيشها لبنان، انطلاقًا من سياسة التعاطي مع الوجود الفلسطيني برمّته، وقد شهدت هذه السياسة تغييراتٍ جوهريةً على امتداد فترة الوجود الفلسطيني في لبنان، حيث اتصفت، في سنوات اللجوء الأولى، بالإيجابية، حين سمحت للعمال الفلسطينيين بالعمل في معظم القطاعات، ثم ما لبث الوضع أن تغيّر تدريجيًا بسبب حالة الجمود في حلّ قضية اللاجئين، وكذلك بسبب التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدها لبنان لاحقًا، وما استتبعها من مخاوف أثيرت بشأن منافسة اليد العاملة الفلسطينية اليد العاملة اللبنانية، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين، مما أدى إلى استصدار قوانين واتخاذ إجراءاتٍ لا تنسجم مع القوانين الدولية لحماية اللاجئين، أو التزامات الدولة اللبنانية بهذا الخصوص، ولا مع التعامل الإيجابي الذي كان يجده المهنيون اللبنانيون في فلسطين قبل نكبة عام 1948.
وعلى أيّ حال، أدت الجهود المشتركة التي بُذلت، في السنوات القليلة الماضية، من أجل التعامل الإيجابي مع المهنيين والعمال الفلسطينيين، وعدم ربط ذلك بهواجس التوطين، إلى تحسين بعض شروط العمل للفلسطينيين عام 2005، ففي يونيو/ حزيران من ذلك العام، بادر وزير العمل اللبناني، طراد حمادة، وضمن الصلاحيات التي يتيحها له قانون العمل اللبناني، إلى إصدار المذكرة رقم 1/ 67 التي أتاحت للمهنيين الفلسطينيين العمل في المهن اليدوية والمكتبية المحصورة مزاولتها باللبنانيين دون غيرهم، بشروط معيّنة، أبرزها أن يكون من الفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية، وأن يكون مسجلاً في سجلات مديرية شؤون اللاجئين التابعة لوزارة الداخلية. وقد استُتبعت هذه الخطوة الإيجابية بحملاتٍ من الجمعيات الأهلية الفلسطينية واللبنانية، ساهمت في إقناع ممثلي الكتل النيابية في البرلمان اللبناني بضرورة تحسين شروط عمالة اللاجئين الفلسطينيين.
قوانين وتعديلات
وفي هذا السياق، عدّل مجلس النواب، في جلسته المنعقدة في أغسطس/آب من عام 2010، قانوني العمل والضمان الاجتماعي، وأصدر في هذا الخصوص القانونَين رقم 128 و129، من دون أن يغيّر ذلك كثيراً من واقع عمل الفلسطينيين في لبنان، حيث جاءت القوانين الجديدة ملتبسة، ولم تلبِّ الحد الأدنى المطلوب، ففي حين أعفى البرلمان اللبناني اللاجئ الفلسطيني جزئيًا من شرط المعاملة بالمثل، ومن رسوم إجازة العمل، وأتاح له الاستفادة من تقديمات تعويض نهاية الخدمة، استثناه من تقديمات صندوقي ضمان المرض والأمومة والتعويضات العائلية، على الرغم من إخضاعه لتسديد الحصص من الاشتراكات المترتبة عليه كاملة. وأهم ما ورد في تعديلات المادة 59 من قانون العمل اللبناني رقم 128 والمادة 9 من قانون الضمان الاجتماعي رقم 129:
إلغاء رسم إجازة العمل؛ إلغاء شرط المعاملة بالمثل، إفراد إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حساباً منفصلاً مستقلاً لديها للاشتراكات العائدة للعمال من اللاجئين الفلسطينيين، على ألا تتحمل الخزنة أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أي التزام مالي تجاههم؛ الاستفادة من تقديمات تعويض نهاية الخدمة وطوارئ العمل.
والمشكلة بالنسبة للعاملين الفلسطينيين في المهن الحرّة تمثلت في أن قانون العمل اللبناني تمحور، في شقّه المتعلق بتوظيف الأجانب، حول شرطين: المعاملة بالمثل في لبنان والحصول على إجازة عمل مسبقة. وحسب مبدأ المعاملة بالمثل في لبنان، لا يحق للعمال الأجانب الحصول على إجازات عمل، أو الاستفادة من تقديمات الضمان الاجتماعي، ما لم تمنح دولتهم المزايا نفسها للعمال اللبنانيين فيها، ولم يراع القانون أن الفلسطينيين بدون دولة، وبالإضافة إلى شرط الحصول على إجازة عمل مسبقة، حُظر على جميع الفلسطينيين مزاولة 36 مهنة، كالطب والمحاماة وغيرها من المهن، لأن نقابات تلك المهن تشترط من المنتسبين إليها حيازة الجنسية اللبنانية. وفي هذا الإطار، من الملفت أنه يحق للفلسطيني أن يتملك سيارة عمومية، لكنه لا يحق له استخدامها وإعطاؤه ترخيص سائق عمومي، لأن قانون نقابة السائقين العموميين يفترض المعاملة بالمثل. إضافة إلى ذلك، لم يسمح القانون للنسبة الضئيلة من الفلسطينيين، الذين كانوا يعملون بموجب عقود رسمية، الاستفادة من تقديمات الضمان الاجتماعي، علمًا بأنهم ملزمون بدفع اشتراكات الضمان. ومساهمات الضمان، (23% للأجنبي، وليس7% التي تدفع للبناني)، وهم لا يستفيدون من تقديمات الأمومة والطبابة. وفي حين أن اللبنانيين يخضعون ويستفيدون من تقديمات الضمان الاجتماعي، فالأجانب، ومن بينهم الفلسطينيون، لا يستفيدون من تقديمات الضمان، إلا ضمن الشروط التالية: حيازة إجازة عمل وشرط المعاملة بالمثل. وفي الواقع، فإن أربعة بلدان فقط تتوفر فيها الشروط المطلوبة لهذه الناحية: بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا، ولا تتحقق في غير هذه الدول الأربع هذه الشروط. وبالتالي، هم يخضعون للضمان الاجتماعي، ولا يستفيدون من تقديماته. وهذا ما ينطبق على اللاجئ الفلسطيني في لبنان. وبالتالي، فإن أحد أسباب تدنّي مستوى عدد إجازات العمل الممنوحة للفلسطينيين يعود إلى أن الفلسطيني لا يلجأ إلى طلب إجازة العمل، إلا إذا كانت طبيعة عمله أو المؤسسة التي يعمل فيها تفرض عليه الحصول على إجازة العمل شرطاً أساسياً للعمل، وذلك لأن الفلسطيني يحمل بطاقة لاجئ، على الرغم من أن القانون ( تنظيم عمل الأجانب) يفرض عليهم الحصول على إجازة عمل.
اجتهادات متضاربة
والجدير بالذكر أن هنالك اجتهادات متضاربة في هذا الموضوع، فهناك أحكام رفضت معاملة الأجراء الفلسطينيين كاللبنانيين، ورفضت إعطاءهم الحقوق المنصوص عليها في قانون العمل، معللة ذلك بعدم توفر شرط المعاملة بالمثل، ولعدم إمكانية إثبات توفرها، واعتبار بلادهم لا تقرّ للبنانيين مبدأ المساواة بالمعاملة بمعزل عن استفادﺗﻬم أو عدم استفادﺗﻬم من التقديمات الاجتماعية للضمان الاجتماعي. وفي هذا الخصوص، تشير ماريز أبو جودة، في ورقة عمل عن قانون العمل واللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، قدّمت إلى لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، أن قانون العمل فرض أصولاً معينة لاستفادة الأجير الأجنبي من أحكام قانون العمل، ونصّت على تمتع الأجراء الأجانب، عند صرفهم من الخدمة، بالحقوق التي يتمتع ﺑﻬا الأجراء اللبنانيون شرط
المعاملة بالمثل. لكن المشكلة التي تطرح بالنسبة للفلسطينيين هي استفادﺗﻬم أو عدم استفادﺗﻬم من قانون العمل، ومن الحقوق نفسها التي يتمتع ﺑﻬا الأجراء اللبنانيون، عند صرفهم من الخدمة، وكيفية تحقق شرط المعاملة بالمثل. كما تلفت ماريز أبو جودة إلى أن هناك أحكاما أقرّت التعويض للأجراء الفلسطينيين ،استنادًا إلى أحكام المادة 63 من قانون الضمان الاجتماعي، والمادتين 54 و56 من قانون العمل، إلا أن هناك تعديلاً في بعض القرارات في مجالس العمل التحكيمية، إذ صدر قرار قضى باعتبار شرط المعاملة بالمثل المنصوص عليه في المادة 59 فقرة 3 من قانون العمل، هو شرط غير قابل للتحقيق بالنسبة للأجراء الفلسطينيين المقيمين في لبنان بصورة شرعية، والذين يتميزون بوضع خاص، نظراً لتعذر انتساﺑﻬم إلى دولة متنازع حول وجودها، ما يستتبع اعتبارهم غير معنيين بتلك المادة، ولا يستفيدون بالتالي من أحكام قانون العمل لجهة تعويض ﻧﻬاية الخدمة، وأن موجب توفر إجازة العمل غير إلزامية قرار رقم 1354/ 98، (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، الغرفة الثالثة، الرئيسة جدايل – غير منشور).
وتستنتج ماريز أنه نتيجة للتضارب في الاجتهادات، ومن مراجعة الأسس القانونية المعطاة لحماية الأجراء الفلسطينيين، ومن مراجعة الاتفاقيات والقرارات والبروتوكولات المعقودة على هذا الصعيد، تبين ما يلي: من المعروف قانونًا أن الدولة الفلسطينية قد تعرّضت للاحتلال، بحيث لم يعد بالإمكان التكلم عن المعاملة بالمثل المنصوص عنها في المادة 59 فقرة 3 من قانون العمل، كون الشعب الفلسطيني أصبح مهجراً ومشتتاً في البلاد العربية كافة، ومنها لبنان، وأخضع اللاجئون الفلسطينيون لأحكام خاصة، نصّت عليها قرارات واتفاقات وبروتوكولات، نظمتها أمانة جامعة الدول العربية، وشدّدت على حقوق الفلسطينيين، وانضمت وصادقت عليها الدول العربية، وأصبحت، بحكم نظام جامعة الدول العربية، جزءًا من تشريعات هذه الدول، ومنها لبنان. وبرأي أحد المختصين، فإن المعوّق الأساسي لحرمان الفلسطينيين من العمل في لبنان هو عدم وجود دولة فلسطينية معترف بها وفقا للمعايير الدولية، لكي يكون في الوسع تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بشكل تلقائي، وهذا ما ساعد، من الناحية السياسية، على عدم إعطاء الفلسطينيين حق العمل في لبنان.
اتفاقيات دولية
على أية حال، لا ينسجم التمييز في ميدان العمل مع ما وقعه لبنان من اتفاقيات دولية، ومنها الاتفاقية بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة التي صادق عليها لبنان في 1/ 6/ 1977، وقد نصت على: تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في الاستخدام، بغية القضاء على أي تمييزٍ، يقوم على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني، أو الأصل الاجتماعي ..إلخ (المادتان1 و2) . كما أن التدابير في ما يتعلق بعمالة الفلسطينيين في لبنان أيضا لا تتناسب مع الاتفاقية بشأن سياسة العمالة التي صادق عليها لبنان في 1/ 6/ 1977، وقد نصت على:
توفير فرص عمل لجميع المتاحين للعمل والباحثين عنه، حرية اختيار العمل، وأفضل فرصة ممكنة لشغل الوظيفة التي تناسب قدراته ومؤهلاته، بغض النظر عن العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني، أو الأصل الاجتماعي.
بيد أنه من المؤسف أن لبنان لا يلتزم بالمعايير المذكورة بما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، كما أن هنالك سلسلة من التعقيدات تواجه الفلسطينيين في العمل، بالتساوي مع إخوتهم اللبنانيين، وأبرزها ما صدر في ندوة حول الضمان الاجتماعي باعتباره من حقوق الإنسان، أقامتها منظمة العمل الدولية، بالشراكة مع لجنة عمل اللاجئين الفلسطينيين عام 2011، وخلصت إلى أن الأسباب التالية تقف خلف عدم التعاطي إيجابياً مع الفلسطينيين:
الوضع السياسي والأمني العام للبنان. غياب إدارة سياسية تدعم تكريس الحق في العمل والحماية . تناول موضع الحق في العمل والحماية الاجتماعية بمقارباتٍ سلبية، وربطه بمسألة التوطين، بالإضافة إلى التعبئة السياسية المضادة. عدم وضوح القوانين وآليات تنفيذها.
إضافة الى ما سبق، تعود أبرز التحدّيات التي تواجه الفلسطينيين العاملين في المهن الحرة إلى قوانين معظم النقابات ذات الصلة التي لا تسمح بانتساب هؤلاء إليها، فضلاً عن غياب آلياتٍ تُمكّنهم من الانتساب إلى النقابات التي تسمح بانتسابهم إليها، أسوةً بغيرهم من الأجانب. وقد تبيّن أنّ بعض النقابات اللبنانية غير مطّلعة بالتفصيل على آليات انتساب العاملين إليها، حيث أشار نزار صاغية وكريم نمور، في دراستهما "حق اللاجئين الفلسطينيين في العمل في لبنان – إمكانية ممارسة المهن الحرة"، إلى وجود نقاباتٍ ترفض انتساب المهنيين الفلسطينيين إليها على الرغم من توفُّر الشروط القانونية كافة. وإضافة إلى ما سبق، أدّى تشدُّد وزراء العمل في منْح إجازات عمل للفلسطينيين إلى إيجاد مزيد من الصعوبات أمامهم في سوق العمل اللبنانية. وفي هذا الصدد، تمنى رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، حسن منيمنة، وفي حفل إطلاق مركز عمل اللاجئين الفلسطينيين منتصف عام 2014، إصدار المراسيم التطبيقية للتشريعات الصادرة حول حقّ العمل للفلسطينيين بأسرع وقت ممكن، وبشكل يتناغم مع متطلبات سوق العمل اللبنانية، ويحترم خصوصية اللاجئ الفلسطيني الموجود على الأراضي اللبنانية ، منبهًا إلى مخاطر إقصاء الفلسطينيين من سوق العمل اللبناني، ليس فقط من الناحية الإنسانية، بل من الناحية الأمنية أيضًا.
وعلى أيّ حال، أدت الجهود المشتركة التي بُذلت، في السنوات القليلة الماضية، من أجل التعامل الإيجابي مع المهنيين والعمال الفلسطينيين، وعدم ربط ذلك بهواجس التوطين، إلى تحسين بعض شروط العمل للفلسطينيين عام 2005، ففي يونيو/ حزيران من ذلك العام، بادر وزير العمل اللبناني، طراد حمادة، وضمن الصلاحيات التي يتيحها له قانون العمل اللبناني، إلى إصدار المذكرة رقم 1/ 67 التي أتاحت للمهنيين الفلسطينيين العمل في المهن اليدوية والمكتبية المحصورة مزاولتها باللبنانيين دون غيرهم، بشروط معيّنة، أبرزها أن يكون من الفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية، وأن يكون مسجلاً في سجلات مديرية شؤون اللاجئين التابعة لوزارة الداخلية. وقد استُتبعت هذه الخطوة الإيجابية بحملاتٍ من الجمعيات الأهلية الفلسطينية واللبنانية، ساهمت في إقناع ممثلي الكتل النيابية في البرلمان اللبناني بضرورة تحسين شروط عمالة اللاجئين الفلسطينيين.
قوانين وتعديلات
وفي هذا السياق، عدّل مجلس النواب، في جلسته المنعقدة في أغسطس/آب من عام 2010، قانوني العمل والضمان الاجتماعي، وأصدر في هذا الخصوص القانونَين رقم 128 و129، من دون أن يغيّر ذلك كثيراً من واقع عمل الفلسطينيين في لبنان، حيث جاءت القوانين الجديدة ملتبسة، ولم تلبِّ الحد الأدنى المطلوب، ففي حين أعفى البرلمان اللبناني اللاجئ الفلسطيني جزئيًا من شرط المعاملة بالمثل، ومن رسوم إجازة العمل، وأتاح له الاستفادة من تقديمات تعويض نهاية الخدمة، استثناه من تقديمات صندوقي ضمان المرض والأمومة والتعويضات العائلية، على الرغم من إخضاعه لتسديد الحصص من الاشتراكات المترتبة عليه كاملة. وأهم ما ورد في تعديلات المادة 59 من قانون العمل اللبناني رقم 128 والمادة 9 من قانون الضمان الاجتماعي رقم 129:
إلغاء رسم إجازة العمل؛ إلغاء شرط المعاملة بالمثل، إفراد إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حساباً منفصلاً مستقلاً لديها للاشتراكات العائدة للعمال من اللاجئين الفلسطينيين، على ألا تتحمل الخزنة أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أي التزام مالي تجاههم؛ الاستفادة من تقديمات تعويض نهاية الخدمة وطوارئ العمل.
والمشكلة بالنسبة للعاملين الفلسطينيين في المهن الحرّة تمثلت في أن قانون العمل اللبناني تمحور، في شقّه المتعلق بتوظيف الأجانب، حول شرطين: المعاملة بالمثل في لبنان والحصول على إجازة عمل مسبقة. وحسب مبدأ المعاملة بالمثل في لبنان، لا يحق للعمال الأجانب الحصول على إجازات عمل، أو الاستفادة من تقديمات الضمان الاجتماعي، ما لم تمنح دولتهم المزايا نفسها للعمال اللبنانيين فيها، ولم يراع القانون أن الفلسطينيين بدون دولة، وبالإضافة إلى شرط الحصول على إجازة عمل مسبقة، حُظر على جميع الفلسطينيين مزاولة 36 مهنة، كالطب والمحاماة وغيرها من المهن، لأن نقابات تلك المهن تشترط من المنتسبين إليها حيازة الجنسية اللبنانية. وفي هذا الإطار، من الملفت أنه يحق للفلسطيني أن يتملك سيارة عمومية، لكنه لا يحق له استخدامها وإعطاؤه ترخيص سائق عمومي، لأن قانون نقابة السائقين العموميين يفترض المعاملة بالمثل. إضافة إلى ذلك، لم يسمح القانون للنسبة الضئيلة من الفلسطينيين، الذين كانوا يعملون بموجب عقود رسمية، الاستفادة من تقديمات الضمان الاجتماعي، علمًا بأنهم ملزمون بدفع اشتراكات الضمان. ومساهمات الضمان، (23% للأجنبي، وليس7% التي تدفع للبناني)، وهم لا يستفيدون من تقديمات الأمومة والطبابة. وفي حين أن اللبنانيين يخضعون ويستفيدون من تقديمات الضمان الاجتماعي، فالأجانب، ومن بينهم الفلسطينيون، لا يستفيدون من تقديمات الضمان، إلا ضمن الشروط التالية: حيازة إجازة عمل وشرط المعاملة بالمثل. وفي الواقع، فإن أربعة بلدان فقط تتوفر فيها الشروط المطلوبة لهذه الناحية: بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا، ولا تتحقق في غير هذه الدول الأربع هذه الشروط. وبالتالي، هم يخضعون للضمان الاجتماعي، ولا يستفيدون من تقديماته. وهذا ما ينطبق على اللاجئ الفلسطيني في لبنان. وبالتالي، فإن أحد أسباب تدنّي مستوى عدد إجازات العمل الممنوحة للفلسطينيين يعود إلى أن الفلسطيني لا يلجأ إلى طلب إجازة العمل، إلا إذا كانت طبيعة عمله أو المؤسسة التي يعمل فيها تفرض عليه الحصول على إجازة العمل شرطاً أساسياً للعمل، وذلك لأن الفلسطيني يحمل بطاقة لاجئ، على الرغم من أن القانون ( تنظيم عمل الأجانب) يفرض عليهم الحصول على إجازة عمل.
اجتهادات متضاربة
والجدير بالذكر أن هنالك اجتهادات متضاربة في هذا الموضوع، فهناك أحكام رفضت معاملة الأجراء الفلسطينيين كاللبنانيين، ورفضت إعطاءهم الحقوق المنصوص عليها في قانون العمل، معللة ذلك بعدم توفر شرط المعاملة بالمثل، ولعدم إمكانية إثبات توفرها، واعتبار بلادهم لا تقرّ للبنانيين مبدأ المساواة بالمعاملة بمعزل عن استفادﺗﻬم أو عدم استفادﺗﻬم من التقديمات الاجتماعية للضمان الاجتماعي. وفي هذا الخصوص، تشير ماريز أبو جودة، في ورقة عمل عن قانون العمل واللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، قدّمت إلى لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، أن قانون العمل فرض أصولاً معينة لاستفادة الأجير الأجنبي من أحكام قانون العمل، ونصّت على تمتع الأجراء الأجانب، عند صرفهم من الخدمة، بالحقوق التي يتمتع ﺑﻬا الأجراء اللبنانيون شرط
وتستنتج ماريز أنه نتيجة للتضارب في الاجتهادات، ومن مراجعة الأسس القانونية المعطاة لحماية الأجراء الفلسطينيين، ومن مراجعة الاتفاقيات والقرارات والبروتوكولات المعقودة على هذا الصعيد، تبين ما يلي: من المعروف قانونًا أن الدولة الفلسطينية قد تعرّضت للاحتلال، بحيث لم يعد بالإمكان التكلم عن المعاملة بالمثل المنصوص عنها في المادة 59 فقرة 3 من قانون العمل، كون الشعب الفلسطيني أصبح مهجراً ومشتتاً في البلاد العربية كافة، ومنها لبنان، وأخضع اللاجئون الفلسطينيون لأحكام خاصة، نصّت عليها قرارات واتفاقات وبروتوكولات، نظمتها أمانة جامعة الدول العربية، وشدّدت على حقوق الفلسطينيين، وانضمت وصادقت عليها الدول العربية، وأصبحت، بحكم نظام جامعة الدول العربية، جزءًا من تشريعات هذه الدول، ومنها لبنان. وبرأي أحد المختصين، فإن المعوّق الأساسي لحرمان الفلسطينيين من العمل في لبنان هو عدم وجود دولة فلسطينية معترف بها وفقا للمعايير الدولية، لكي يكون في الوسع تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بشكل تلقائي، وهذا ما ساعد، من الناحية السياسية، على عدم إعطاء الفلسطينيين حق العمل في لبنان.
اتفاقيات دولية
على أية حال، لا ينسجم التمييز في ميدان العمل مع ما وقعه لبنان من اتفاقيات دولية، ومنها الاتفاقية بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة التي صادق عليها لبنان في 1/ 6/ 1977، وقد نصت على: تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في الاستخدام، بغية القضاء على أي تمييزٍ، يقوم على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني، أو الأصل الاجتماعي ..إلخ (المادتان1 و2) . كما أن التدابير في ما يتعلق بعمالة الفلسطينيين في لبنان أيضا لا تتناسب مع الاتفاقية بشأن سياسة العمالة التي صادق عليها لبنان في 1/ 6/ 1977، وقد نصت على:
توفير فرص عمل لجميع المتاحين للعمل والباحثين عنه، حرية اختيار العمل، وأفضل فرصة ممكنة لشغل الوظيفة التي تناسب قدراته ومؤهلاته، بغض النظر عن العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني، أو الأصل الاجتماعي.
بيد أنه من المؤسف أن لبنان لا يلتزم بالمعايير المذكورة بما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، كما أن هنالك سلسلة من التعقيدات تواجه الفلسطينيين في العمل، بالتساوي مع إخوتهم اللبنانيين، وأبرزها ما صدر في ندوة حول الضمان الاجتماعي باعتباره من حقوق الإنسان، أقامتها منظمة العمل الدولية، بالشراكة مع لجنة عمل اللاجئين الفلسطينيين عام 2011، وخلصت إلى أن الأسباب التالية تقف خلف عدم التعاطي إيجابياً مع الفلسطينيين:
الوضع السياسي والأمني العام للبنان. غياب إدارة سياسية تدعم تكريس الحق في العمل والحماية . تناول موضع الحق في العمل والحماية الاجتماعية بمقارباتٍ سلبية، وربطه بمسألة التوطين، بالإضافة إلى التعبئة السياسية المضادة. عدم وضوح القوانين وآليات تنفيذها.
إضافة الى ما سبق، تعود أبرز التحدّيات التي تواجه الفلسطينيين العاملين في المهن الحرة إلى قوانين معظم النقابات ذات الصلة التي لا تسمح بانتساب هؤلاء إليها، فضلاً عن غياب آلياتٍ تُمكّنهم من الانتساب إلى النقابات التي تسمح بانتسابهم إليها، أسوةً بغيرهم من الأجانب. وقد تبيّن أنّ بعض النقابات اللبنانية غير مطّلعة بالتفصيل على آليات انتساب العاملين إليها، حيث أشار نزار صاغية وكريم نمور، في دراستهما "حق اللاجئين الفلسطينيين في العمل في لبنان – إمكانية ممارسة المهن الحرة"، إلى وجود نقاباتٍ ترفض انتساب المهنيين الفلسطينيين إليها على الرغم من توفُّر الشروط القانونية كافة. وإضافة إلى ما سبق، أدّى تشدُّد وزراء العمل في منْح إجازات عمل للفلسطينيين إلى إيجاد مزيد من الصعوبات أمامهم في سوق العمل اللبنانية. وفي هذا الصدد، تمنى رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، حسن منيمنة، وفي حفل إطلاق مركز عمل اللاجئين الفلسطينيين منتصف عام 2014، إصدار المراسيم التطبيقية للتشريعات الصادرة حول حقّ العمل للفلسطينيين بأسرع وقت ممكن، وبشكل يتناغم مع متطلبات سوق العمل اللبنانية، ويحترم خصوصية اللاجئ الفلسطيني الموجود على الأراضي اللبنانية ، منبهًا إلى مخاطر إقصاء الفلسطينيين من سوق العمل اللبناني، ليس فقط من الناحية الإنسانية، بل من الناحية الأمنية أيضًا.
دلالات
محمود العلي
باحث فلسطيني، دكتوراه في علم الاجتماع. عمل استاذاً مساعداً في معهد العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية، وفي عدّة وظائف في "الأونروا"، باحث ومنسق مركز حقوق اللاجئين – عائدون.
محمود العلي
مقالات أخرى
03 يونيو 2019
01 مايو 2019
01 فبراير 2019