02 ديسمبر 2019
اللاجئون الفلسطينيون في لبنان.. إضاءة على التعداد
محمود العلي
باحث فلسطيني، دكتوراه في علم الاجتماع. عمل استاذاً مساعداً في معهد العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية، وفي عدّة وظائف في "الأونروا"، باحث ومنسق مركز حقوق اللاجئين – عائدون.
استند تنفيذ التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، والذي أجري أخيرا، إلى قرار من مجلس الوزراء اللبناني في 25 /8 /2016، تبعه توقيع مذكرة تفاهم بين الحكومتين، اللبنانية والفلسطينية، في 19 /10 /2016. وقد جرى في 21 ديسمبر/ كانون الأول الجاري إعلان النتائج الرئيسية للتعداد في مؤتمر رسمي، برعاية رئيس الحكومة، سعد الحريري، وحضوره. وهذا التعداد هو الأول الذي يتم بقرارٍ رسمي لبناني – فلسطيني، وتم تنفيذه خلال عام 2017 عبر شراكة بين إدارة الإحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تحت مظلة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني. وقد عرضت المديرة العامة لإدارة الإحصاء المركزي اللبناني، مرال توتليان، نتائج التعداد، وأهمها أن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين استطاع فريق العمل الميداني الوصول إليهم بلغ 174.422، يعيشون في 12 مخيماً و156 تجمعاً في خمس محافظات لبنانية. وبلغت نسبة عدم التجاوب للذين لم يتمكن فريق العمل الوصول إليهم 5.6%، ما يعني أن عدد الموجودين لن يتجاوز 190000 إنسان. أما عدد اللاجئين المسجلين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) منتصف عام 2017 فبلغ حوالي 465 ألف شخص. وقال الحريري أمام الحاضرين في المؤتمر إن بعضهم "كان يتحدث عن عدد 500 ألف أو 600 ألف أو 400 ألف، وكنا نسمع أرقاما قياسية تستعمل في السياسة والتجاذبات، لكن لجنة الحوار وضعت الأمور في نصابها". وأكد الحريري أن التضامن مع الشعب الفلسطيني واجب أخلاقي وإنساني، قبل أن يكون واجبا قوميا ووطنيا. وإن لبنان لن يتخلى عن التزامه القومي والإنساني بحق عودة الشعب الفلسطيني إلى دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس. وأضاف "واجباتنا تجاه إخواننا الفلسطينيين المقيمين على أراضينا مسألة يجب أن تتحرّر من التجاذبات، ولا تتحول إلى نقطة خلاف لبناني". وقال أيضاً إن "الأرقام التي توصل إليها التعداد تؤكد مدى الحاجة إلى اعتماد مسألة الإحصاءات الدقيقة في مختلف الملفات، لما تظهره من قضايا وحقائق، من دون أي مبالغة أو تقليل". وأوضح أن قاعدة البيانات ستسمح للباحثين وللمؤسسات والمنظمات الدولية الاستفادة من الأرقام والخلاصات فيها لاعتماد برامج تساعد في معالجة ملائمة لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين".
وقد تمنت رئيسة لجنة الإحصاء الفلسطيني، علا عوض، في كلمتها، أن تشكل نتائج التعداد فرصةً حقيقيةً لتغيير الواقع الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان على كل الأصعدة والمجالات، ولوضع المجتمع الدولي في صورة معاناتهم المستندة إلى الحقائق والأرقام التي نتجت عن هذا التعداد. أما رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، حسن منيمنة، فقد لفت إلى أن من أهم الدلالات التي بيّنها التعداد هي تبيان إمكانية كسر محرماتٍ كثيرة لطالما سادت في لبنان، وهي عملية ممكنة من خلال الحوار الحقيقي والمسؤول بين الأطراف اللبنانية – اللبنانية واللبنانية الفلسطينية. وأفاد بأن قاعدة البيانات ستسمح للباحثين وللمؤسسات والمنظمات الدولية الاستفادة من الأرقام والخلاصات فيها، لاعتماد برامج تساعد في معالجة ملائمة لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين.
وفي تبيان أهمية نتائج التعداد، يتمثل أبرزها في سقوط مبدأ استخدام أطراف سياسية لبنانية عدد الفلسطينيين المقيمين في لبنان وتضخيمه، ومخاطر ذلك على بنية لبنان تحت حجة مشاريع التوطين. كما أن حرمان المرأة اللبنانية من إعطاء الجنسية لأبنائها إذا ما كانت متزوجة من لاجئ، لا يتناسب مع العدد الضئيل للبنانيات المتزوجات من فلسطينيين، والذي بلغ 3700 امرأة لبنانية فقط. ومن جانب آخر، يلفت بعضهم النظر إلى أن نتائج التعداد لم تكن دقيقة، بحيث لم تعمد إلى الوصول إلى معلوماتٍ تتعلق باللاجئين الموجودين في الخارج مؤقتاً، يعملون في الدول العربية، ولا يعني أن هؤلاء لم يعودوا لاجئين مقيمين في لبنان. كما أن البحث الميداني لم يكن دقيقا للاستفسار، وجمع معلوماتٍ عن المتزوجين من أبناء الأسر التي أجريت مقابلات معها. وفي المقابل، هنالك تخوفات من استخدام نتائج التعداد باستهداف مستوى تقديم خدمات "أونروا" من الولايات المتحدة، لأن هذه الوكالة الأممية تعمد عادة إلى رفع توصياتها لتوفير حاجات اللاجئين، استنادا إلى عدد المسجلين لديها، وليس إلى عدد الموجودين في لحظة معينة.
على أي حال، بيّنت المعطيات المتعلقة بالتعداد أيضا أن 18% من الفئة الشبابية بين 15 و19 عاما يعيشون حالة بطالة، والنسبة الأكبر كانت لدى الفئة العمرية ما بين 20 و29 عاما التي وصلت إلى 28.5% ، ما أظهر ضرورة معالجة الصعوبات التي ما زالت تواجه الفلسطينيين الشباب في ميادين العمل المختلفة.
لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني
والحقيقة أن التعداد جاء بعد وقت طويل من تأسيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني والقيام بدورها، فقد أصدر مجلس الوزراء اللبناني، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2005، القرار رقم 41/2005 الذي ينص على تفويض رئيس مجلس الوزراء، فؤاد السنيورة، تأليف "فريق عمل لمعالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين"، التسمية الأصلية للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني. والمعروف أن هذه اللجنة تسمى كذلك، لكنها هيئة لبنانية بالكامل، تتبع رئاسة الحكومة. وقد صدر القرار رقم 89/2005 في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، الذي حدّد المهام المنوطة بلجنة الحوار، بالقضايا التالية: معالجة المسائل الحياتية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والأمنية داخل المخيمات وللفلسطينيين المقيمين في لبنان، بالتعاون مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وضع آلية لإنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. إطلاق الحوار حول معالجة قضية السلاح داخل المخيمات لجهة تنظيمه وضبطه. درس إمكانية إقامة علاقات تمثيلية بين لبنان وفلسطين.
ومن المؤسف أن هذه اللجنة لم تتمكّن من القيام بعد خمس سنوات من تأسيسها على معالجة البند الأول من مهامها، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2010، عقدت جمعيات أهلية لبنانية وفلسطينية، برعاية رئيسة لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، المحامية مايا مجذوب، مؤتمراً في الجامعة الأميركية لإيجاد حل شامل للفلسطينيين فاقدي الأوراق الثبوتية. وحينها ذكرت مجذوب أن الحكومة اللبنانية آلت على نفسها، منذ عام 2005، تغيير مضمون العلاقة اللبنانية - الفلسطينية التي سادت أعواما طويلة، واعتماد مقاربة جديدة نوعية لهذه العلاقة، تقوم على ضمان احترام سيادة لبنان على أراضيه، والعمل على تحسين ظروف العيش الكريم للاجئ الفلسطيني في لبنان، بالتعاون مع المجتمع الدولي. وبعد 12عاما من تأسيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وسبع سنوات من تصريح مايا مجذوب، أطلق الرئيس الحالي للجنة الحوار، الوزير السابق حسن منيمنة، في يوليو/ تموز 2017، ومن مبنى السراي الحكومية، وبرعاية رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، وبحضور وزراء ونواب وشخصيات لبنانية وثيقة رؤية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان، أنجزتها لجنة عمل، تمثل في أغلبها التنوع الطائفي والمذهبي لتكوينات لبنان، السياسية والاجتماعية الموجودة في المجلس النيابي، والرؤية تعبير عن التوافق السياسي على آليات التعامل مع الوجود الفلسطيني في لبنان. وتكونت هذه اللجنة التي تشكلت في يناير/ كانون الثاني 2015، من ممثلين لحزب الله وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر وللقوات اللبنانية ولحركة أمل ولحزب التقدمي الاشتراكي ولحزب الكتائب وقد عرض حسن منيمنة، مضامين الرؤية التي أجمعت عليها الأطراف المشاركة، مع تحفظ جزئي لحزب الكتائب، حال دون توقيع ممثله عليها.
وركزت مجموعة العمل على التوصل إلى صوغ نص لبناني مشترك بشأن قضايا اللجوء الفلسطيني، يشكل أساساً يمكن البناء عليه، من أجل تحقيق استراتيجية وطنية في التعامل مع قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مع التركيز على رفض توطينهم، والتأكيد على حق عودتهم، باعتبارهما يمثلان الموقف اللبناني والفلسطيني الثابتين تجاه مسارات التسوية، وإنهاء السلاح خارج المخيمات ومعالجته داخلها، وأنسنة الإجراءات الأمنية حول المخيمات وعلى مداخلها، وتوفير الحقوق الإنسانية والمعيشية لهم، وتحسين أوضاع الحياة والبيئة في المخيمات، ومعالجة موضوع حق اللاجئين في العمل. وكذلك تبيان دور الدولة في إدارة المخيمات، على ألا يقتصر ذلك على البعد الأمني، بل يشمل الأبعاد، السياسي والخدماتي والحقوقي، على أن تتم هذه الإدارة بالتفاعل مع "أونروا"، باعتبارها الشاهد الدولي المسؤول عن اللاجئين، وتأمين موازناتها الملحّة والتعاون معها وتنظيم علاقتها مع الدولة اللبنانية، ما يحقق الانسجام والتخطيط المشترك، وينعكس إيجابا على حياة اللاجئين واللجان التمثيلية، وتقويم عمل اللجان الشعبية في المخيمات، وتوحيد المرجعتين، اللبنانية والفلسطينية، وتنظيم العلاقة بينـهما على أسـس سليمة. وأولت مجموعة العمل أهمية قصوى لمشروع التعداد الشامل اللاجئين الفلسطينيين الذي ستعمد إلى إجرائه، تنفيذاً لتوصيات مجموعة العمل.
على أي حال، على الرغم من النيات الحسنة للرؤساء المتتالين للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني منذ تأسيسها، فالحقيقة أن تعداد السكان كان الإجراء الميداني الوحيد الذي بدأ تنفيذه انسجاماً مع الرؤية الموحدة لقضايا اللجوء حتى الآن، وبدعم مالي وصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين دولار هبة من النرويج وسويسرا واليابان، وقدم للجنة عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان. والغاية من الهبة دعم تنفيذ الخطة الاستراتيجية 2015-2020 المتفق عليها بين اللجنة، ممثلة الحكومة اللبنانية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والهادفة إلى تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ومن ضمن الخطة مشروع التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية.
العمالة وأوضاع المخيمات
ومن المفيد لفت النظر إلى أهمية معالجة سريعة لعمالة الفلسطيني اللاجئ في لبنان، فلم تعالجها الأطراف المسؤولة عن متابعة الشأن الفلسطيني، وتأتي بالتساوق مع ازدياد الصعوبات التي يواجهها اللاجئ الفلسطيني في السكن داخل المخيمات، إثر إعادة تأكيد القرار الحكومي بمنع إدخال مواد الإعمار إلى المخيمات، حيث لا تزال الدولة اللبنانية تضع قيوداً مشدّدةً على إدخال مواد البناء إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث أُخضعت هذه العملية لتصاريح تُمنح من وزارة الدفاع، كما أن هذه التصاريح فرضتها على "أونروا" عند قيامها بصيانة البنية التحتية، أو تأهيل منازل اللاجئين، فضلا عن تأهيل مرافقها ومؤسساتها داخل المخيمات. كما أن العيش الصعب للفلسطينيين يتوافق مع استمرار حرمانهم من حق التملك. وربما هذا ما دفع حوالى 26 عائلة في مخيم الرشيدية، أخيرا، إلى الإعلان عن استعدادهم لبيع المنازل المقيمين فيها بهدف السفر إلى الخارج.
وقد لا تكون حصيلة التعداد عاملا مساعدا لشخصيات لبنانية ما زالت تشير إلى عبء وجود الفلسطينيين في لبنان، فالفلسطيني بات يهاجر من لبنان، لكي يتخلص من ضغوط كثيرة ومتنوعة، تواجه سكان المخيمات خصوصا، فاستمرار الهجرة الفلسطينية قد يؤدي إلى ضمور
الوجود الفلسطيني في لبنان، ومن ثم تلاشي مغزاه ومؤداه في الديموغرافيا اللبنانية.
ولا تستند معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان فقط إلى أهمية نتائج التعداد، المعلنة أخيرا، لأنهم يعانون مختلف الظروف المعيشية القاسية، كما وأن المتمنّى ألا تكون آليات تحسين أوضاع الفلسطينيين موضع نزاع بين الأطراف السياسية اللبنانية، على الرغم من التوافق النظري بينها. ومن الأمثلة على ذلك أن النزاعات الداخلية المتعلقة بآليات إجراء الانتخابات، أو بكيفية معالجة موضوع النفايات، أو موضوع انتخاب رئيس، أو موضوع سلسلة الرتب والرواتب، وغير ذلك من شؤونٍ داخليةٍ، لا تجد حلولاً لها إلا بعد فترات مديدة من النزاعات. إضافة إلى التخوف من تهميش دور "أونروا" في تقديم خدماتها للاجئين. وبالتالي، فإن الفلسطينيين الذين يعيشون حالة تتراوح بين صعوبة العيش وحلم العودة سيعانون من نتائج التعداد من جانب، والإبعاد إلى الخارج من جانب آخر، لأن الباقين في لبنان، على الأغلب، لن ينالوا حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية في المدى القريب، فيما المهاجرون إلى الدول الأوروبية في المرحلة الراهنة لا توفر لهم الخدمات والتسهيلات، على الرغم من الادّعاءات الكاذبة التي نشرت في لبنان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وومنها أن دول الاتحاد الأوروبي تسهل استقبال الفلسطينيين، ومنحهم حق اللجوء.
وقد تمنت رئيسة لجنة الإحصاء الفلسطيني، علا عوض، في كلمتها، أن تشكل نتائج التعداد فرصةً حقيقيةً لتغيير الواقع الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان على كل الأصعدة والمجالات، ولوضع المجتمع الدولي في صورة معاناتهم المستندة إلى الحقائق والأرقام التي نتجت عن هذا التعداد. أما رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، حسن منيمنة، فقد لفت إلى أن من أهم الدلالات التي بيّنها التعداد هي تبيان إمكانية كسر محرماتٍ كثيرة لطالما سادت في لبنان، وهي عملية ممكنة من خلال الحوار الحقيقي والمسؤول بين الأطراف اللبنانية – اللبنانية واللبنانية الفلسطينية. وأفاد بأن قاعدة البيانات ستسمح للباحثين وللمؤسسات والمنظمات الدولية الاستفادة من الأرقام والخلاصات فيها، لاعتماد برامج تساعد في معالجة ملائمة لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين.
وفي تبيان أهمية نتائج التعداد، يتمثل أبرزها في سقوط مبدأ استخدام أطراف سياسية لبنانية عدد الفلسطينيين المقيمين في لبنان وتضخيمه، ومخاطر ذلك على بنية لبنان تحت حجة مشاريع التوطين. كما أن حرمان المرأة اللبنانية من إعطاء الجنسية لأبنائها إذا ما كانت متزوجة من لاجئ، لا يتناسب مع العدد الضئيل للبنانيات المتزوجات من فلسطينيين، والذي بلغ 3700 امرأة لبنانية فقط. ومن جانب آخر، يلفت بعضهم النظر إلى أن نتائج التعداد لم تكن دقيقة، بحيث لم تعمد إلى الوصول إلى معلوماتٍ تتعلق باللاجئين الموجودين في الخارج مؤقتاً، يعملون في الدول العربية، ولا يعني أن هؤلاء لم يعودوا لاجئين مقيمين في لبنان. كما أن البحث الميداني لم يكن دقيقا للاستفسار، وجمع معلوماتٍ عن المتزوجين من أبناء الأسر التي أجريت مقابلات معها. وفي المقابل، هنالك تخوفات من استخدام نتائج التعداد باستهداف مستوى تقديم خدمات "أونروا" من الولايات المتحدة، لأن هذه الوكالة الأممية تعمد عادة إلى رفع توصياتها لتوفير حاجات اللاجئين، استنادا إلى عدد المسجلين لديها، وليس إلى عدد الموجودين في لحظة معينة.
على أي حال، بيّنت المعطيات المتعلقة بالتعداد أيضا أن 18% من الفئة الشبابية بين 15 و19 عاما يعيشون حالة بطالة، والنسبة الأكبر كانت لدى الفئة العمرية ما بين 20 و29 عاما التي وصلت إلى 28.5% ، ما أظهر ضرورة معالجة الصعوبات التي ما زالت تواجه الفلسطينيين الشباب في ميادين العمل المختلفة.
لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني
والحقيقة أن التعداد جاء بعد وقت طويل من تأسيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني والقيام بدورها، فقد أصدر مجلس الوزراء اللبناني، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2005، القرار رقم 41/2005 الذي ينص على تفويض رئيس مجلس الوزراء، فؤاد السنيورة، تأليف "فريق عمل لمعالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين"، التسمية الأصلية للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني. والمعروف أن هذه اللجنة تسمى كذلك، لكنها هيئة لبنانية بالكامل، تتبع رئاسة الحكومة. وقد صدر القرار رقم 89/2005 في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، الذي حدّد المهام المنوطة بلجنة الحوار، بالقضايا التالية: معالجة المسائل الحياتية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والأمنية داخل المخيمات وللفلسطينيين المقيمين في لبنان، بالتعاون مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وضع آلية لإنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. إطلاق الحوار حول معالجة قضية السلاح داخل المخيمات لجهة تنظيمه وضبطه. درس إمكانية إقامة علاقات تمثيلية بين لبنان وفلسطين.
ومن المؤسف أن هذه اللجنة لم تتمكّن من القيام بعد خمس سنوات من تأسيسها على معالجة البند الأول من مهامها، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2010، عقدت جمعيات أهلية لبنانية وفلسطينية، برعاية رئيسة لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، المحامية مايا مجذوب، مؤتمراً في الجامعة الأميركية لإيجاد حل شامل للفلسطينيين فاقدي الأوراق الثبوتية. وحينها ذكرت مجذوب أن الحكومة اللبنانية آلت على نفسها، منذ عام 2005، تغيير مضمون العلاقة اللبنانية - الفلسطينية التي سادت أعواما طويلة، واعتماد مقاربة جديدة نوعية لهذه العلاقة، تقوم على ضمان احترام سيادة لبنان على أراضيه، والعمل على تحسين ظروف العيش الكريم للاجئ الفلسطيني في لبنان، بالتعاون مع المجتمع الدولي. وبعد 12عاما من تأسيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وسبع سنوات من تصريح مايا مجذوب، أطلق الرئيس الحالي للجنة الحوار، الوزير السابق حسن منيمنة، في يوليو/ تموز 2017، ومن مبنى السراي الحكومية، وبرعاية رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، وبحضور وزراء ونواب وشخصيات لبنانية وثيقة رؤية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان، أنجزتها لجنة عمل، تمثل في أغلبها التنوع الطائفي والمذهبي لتكوينات لبنان، السياسية والاجتماعية الموجودة في المجلس النيابي، والرؤية تعبير عن التوافق السياسي على آليات التعامل مع الوجود الفلسطيني في لبنان. وتكونت هذه اللجنة التي تشكلت في يناير/ كانون الثاني 2015، من ممثلين لحزب الله وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر وللقوات اللبنانية ولحركة أمل ولحزب التقدمي الاشتراكي ولحزب الكتائب وقد عرض حسن منيمنة، مضامين الرؤية التي أجمعت عليها الأطراف المشاركة، مع تحفظ جزئي لحزب الكتائب، حال دون توقيع ممثله عليها.
وركزت مجموعة العمل على التوصل إلى صوغ نص لبناني مشترك بشأن قضايا اللجوء الفلسطيني، يشكل أساساً يمكن البناء عليه، من أجل تحقيق استراتيجية وطنية في التعامل مع قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مع التركيز على رفض توطينهم، والتأكيد على حق عودتهم، باعتبارهما يمثلان الموقف اللبناني والفلسطيني الثابتين تجاه مسارات التسوية، وإنهاء السلاح خارج المخيمات ومعالجته داخلها، وأنسنة الإجراءات الأمنية حول المخيمات وعلى مداخلها، وتوفير الحقوق الإنسانية والمعيشية لهم، وتحسين أوضاع الحياة والبيئة في المخيمات، ومعالجة موضوع حق اللاجئين في العمل. وكذلك تبيان دور الدولة في إدارة المخيمات، على ألا يقتصر ذلك على البعد الأمني، بل يشمل الأبعاد، السياسي والخدماتي والحقوقي، على أن تتم هذه الإدارة بالتفاعل مع "أونروا"، باعتبارها الشاهد الدولي المسؤول عن اللاجئين، وتأمين موازناتها الملحّة والتعاون معها وتنظيم علاقتها مع الدولة اللبنانية، ما يحقق الانسجام والتخطيط المشترك، وينعكس إيجابا على حياة اللاجئين واللجان التمثيلية، وتقويم عمل اللجان الشعبية في المخيمات، وتوحيد المرجعتين، اللبنانية والفلسطينية، وتنظيم العلاقة بينـهما على أسـس سليمة. وأولت مجموعة العمل أهمية قصوى لمشروع التعداد الشامل اللاجئين الفلسطينيين الذي ستعمد إلى إجرائه، تنفيذاً لتوصيات مجموعة العمل.
على أي حال، على الرغم من النيات الحسنة للرؤساء المتتالين للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني منذ تأسيسها، فالحقيقة أن تعداد السكان كان الإجراء الميداني الوحيد الذي بدأ تنفيذه انسجاماً مع الرؤية الموحدة لقضايا اللجوء حتى الآن، وبدعم مالي وصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين دولار هبة من النرويج وسويسرا واليابان، وقدم للجنة عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان. والغاية من الهبة دعم تنفيذ الخطة الاستراتيجية 2015-2020 المتفق عليها بين اللجنة، ممثلة الحكومة اللبنانية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والهادفة إلى تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ومن ضمن الخطة مشروع التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية.
العمالة وأوضاع المخيمات
ومن المفيد لفت النظر إلى أهمية معالجة سريعة لعمالة الفلسطيني اللاجئ في لبنان، فلم تعالجها الأطراف المسؤولة عن متابعة الشأن الفلسطيني، وتأتي بالتساوق مع ازدياد الصعوبات التي يواجهها اللاجئ الفلسطيني في السكن داخل المخيمات، إثر إعادة تأكيد القرار الحكومي بمنع إدخال مواد الإعمار إلى المخيمات، حيث لا تزال الدولة اللبنانية تضع قيوداً مشدّدةً على إدخال مواد البناء إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث أُخضعت هذه العملية لتصاريح تُمنح من وزارة الدفاع، كما أن هذه التصاريح فرضتها على "أونروا" عند قيامها بصيانة البنية التحتية، أو تأهيل منازل اللاجئين، فضلا عن تأهيل مرافقها ومؤسساتها داخل المخيمات. كما أن العيش الصعب للفلسطينيين يتوافق مع استمرار حرمانهم من حق التملك. وربما هذا ما دفع حوالى 26 عائلة في مخيم الرشيدية، أخيرا، إلى الإعلان عن استعدادهم لبيع المنازل المقيمين فيها بهدف السفر إلى الخارج.
وقد لا تكون حصيلة التعداد عاملا مساعدا لشخصيات لبنانية ما زالت تشير إلى عبء وجود الفلسطينيين في لبنان، فالفلسطيني بات يهاجر من لبنان، لكي يتخلص من ضغوط كثيرة ومتنوعة، تواجه سكان المخيمات خصوصا، فاستمرار الهجرة الفلسطينية قد يؤدي إلى ضمور
ولا تستند معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان فقط إلى أهمية نتائج التعداد، المعلنة أخيرا، لأنهم يعانون مختلف الظروف المعيشية القاسية، كما وأن المتمنّى ألا تكون آليات تحسين أوضاع الفلسطينيين موضع نزاع بين الأطراف السياسية اللبنانية، على الرغم من التوافق النظري بينها. ومن الأمثلة على ذلك أن النزاعات الداخلية المتعلقة بآليات إجراء الانتخابات، أو بكيفية معالجة موضوع النفايات، أو موضوع انتخاب رئيس، أو موضوع سلسلة الرتب والرواتب، وغير ذلك من شؤونٍ داخليةٍ، لا تجد حلولاً لها إلا بعد فترات مديدة من النزاعات. إضافة إلى التخوف من تهميش دور "أونروا" في تقديم خدماتها للاجئين. وبالتالي، فإن الفلسطينيين الذين يعيشون حالة تتراوح بين صعوبة العيش وحلم العودة سيعانون من نتائج التعداد من جانب، والإبعاد إلى الخارج من جانب آخر، لأن الباقين في لبنان، على الأغلب، لن ينالوا حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية في المدى القريب، فيما المهاجرون إلى الدول الأوروبية في المرحلة الراهنة لا توفر لهم الخدمات والتسهيلات، على الرغم من الادّعاءات الكاذبة التي نشرت في لبنان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وومنها أن دول الاتحاد الأوروبي تسهل استقبال الفلسطينيين، ومنحهم حق اللجوء.
دلالات
محمود العلي
باحث فلسطيني، دكتوراه في علم الاجتماع. عمل استاذاً مساعداً في معهد العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية، وفي عدّة وظائف في "الأونروا"، باحث ومنسق مركز حقوق اللاجئين – عائدون.
محمود العلي
مقالات أخرى
03 يونيو 2019
01 مايو 2019
01 فبراير 2019