تعدّ الكويت من الدول القليلة في المنطقة العربية التي تولي أهمية كبرى لذوي الاحتياجات الخاصة، حتى إنها أصدرت قانوناً خاصاً يكفل حقوقهم ويحمّل الدولة مسؤوليتهم. ومما تنصّه القوانين، مخصصات مالية للمعنيين بالإضافة إلى الالتزام بدعم جمعياتهم ومراكزهم والمساهمة في تطوير تعليمهم ومحاولة دمجهم في المجتمع. في هذا الإطار، تأتي التجربة الكويتية الخاصة بالذين يعانون من التوحّد مختلفة عن تجارب الدول المحيطة بها، بصورة واضحة.
في عام 1994، تأسست "جمعية التوحّد الكويتية" لتعنى بشؤون هؤلاء الأطفال، بدعم من الأمانة العامة للأوقاف ووزارة التربية ومجموعة من رجال الأعمال. وتتنوّع نشاطات المركز بين التعليم الصباحي المدرسي المنتظم ومتابعة المداخل العلاجية الجديدة، والنظر في إمكانية تطبيقها من عدمه، والإعداد لمرحلة البلوغ والشباب، وإيجاد مهن مستقبلية مناسبة تساعد المصابين بالتوحّد على الاهتمام بأنفسهم وبناء مستقبلهم.
في المركز، يقيّم المتخصصون حالة كلّ طفل مصاب بالتوحّد على حدة، لتحديد مستوى قدراته وإلحاقه بالصف المناسب لسنّه وقدراته تلك. من ثمّ تُوضع له خطة تعليمية متكاملة خاصة بحالته الفردية، من ضمن منظومة التعليم الجماعي التي ينتهجها المركز، لمناقشة تلك الخطة مع عائلة المصاب ومدى التقدّم الذي حققه في التعلم.
تبلغ تكلفة تعليم التلميذ الواحد في المركز 23 ألف دولار أميركي سنوياً، تتكفل المؤسسات الحكومية، في مقدمتها بيت الزكاة الكويتي، بدفعها كاملة. تجدر الإشارة إلى أنه لا يُشترط أن يكون المتقدّم كويتياً، لكن عليه أن يثبت إقامته الدائمة في الكويت، بالإضافة إلى فحص طبي يثبت خلوه من الأمراض المعدية.
وقد ساهم هذا المشروع الاحتوائي المتكامل الذي تقدمه الجمعية للمرضى، بالإضافة إلى المخصصات المالية التي تقدمها الحكومة الكويتية لهم ولذويهم، في تخفيف حدة الألم والمصاريف الدراسية والصحية عن عائلاتهم.
أم عبد العزيز هي والدة شاب مصاب بالتوحّد، تقول لـ "العربي الجديد": "ساهمت الفصول التعليمية في المركز في تحسّن حالة ابني بالمقارنة مع ما كان عليه عند دخول المركز. بعد السنة الدراسية الأولى لاحظت أنه بدأ يندمج في المجتمع ومع أقرانه ولو قليلاً". تضيف أنّ "المركز يوفّر أيضاً فعاليات خاصة لعائلات المصابين. نجتمع ونتشارك همومنا كأمهات ومربيات ومعنيّات في الأمر، فنستفيد من خبرات بعضنا بعضاً". عن نوع الرعاية التي يحظى بها ابنها في المنزل، تقول: "تتكفل الحكومة بدفع تكاليف المربية المتخصصة وكذلك سائقه الخاص. في السابق، لم يكن المبلغ كافياً، لكن القانون الجديد حسّن من نوع المساعدات ورفعها".
في هذا السياق، تقول رئيسة مجلس إدارة جمعية التوحّد الكويتية الدكتورة سميرة السعد لـ "العربي الجديد": "بدأنا هذا المشروع قبل عشرين عاماً تقريباً بخمسة تلاميذ فقط. وكان حلمنا بتشكيل برنامج كامل يضمن إنهاء معاناة المصابين، وقبل ذلك توعية أسرهم بسبب انتشار عيادات تستنزف العائلات ومدخّراتها عبر إيهامهم بتوفّر علاج نهائي للطفل المصاب بالتوحّد وتحويله إلى طفل سليم". وتؤكد على أن "التقدم الطبي لم يصل إلى هذا المستوى حتى الآن"، مضيفة أنه "حتى يتوصّل العلم إلى علاج تام للتوحّد، فإن دور المركز هو تعليم المصابين ومحاولة تدريبهم على الاندماج في الحياة".
وتوضح السعد أن "المركز يطبّق نظاماً تعليمياً خاصاً، وفق فلسفة عالمية تدمج الجانب التثقيفي بالجانبين الصحي والترفيهي، إلى جانب نشاطات أكاديمية أو مهنية أو ترفيهية مثل الموسيقى وأنواع مختلفة من الرياضة الخاصة مثل اليوغا والسباحة والبولينغ والفروسية". تتابع أن "من أهداف المركز زيادة وعي المجتمع وذوي المرضى حول التوحّد وطريقة التعامل معه"، مشيرة إلى أن الجمعية "نشرت ما يزيد عن 60 كتاباً مترجماً أو مؤلفاً للتوعية، بالإضافة إلى قصص تجارب أمهات مصابين من الولايات المتحدة الأميركية واليابان والسويد".
وعن تمويل الجمعية والمركز تقول السعد: "عندما سعينا إلى أن يكون المركز تحت مظلة الأمانة العامة للأوقاف، عرفنا أهمية الوقف وإنجازاته. ما تركه الآباء كوقف هو ما يستفيد منه الأبناء الآن. لكننا لم نكتف بدعم الأمانة العامة فقط، بل قمنا بتأسيس وقف خاص بنا اسمه وقف التوحّد، يُعدّ الأول من نوعه في العالم وذلك عام 2004. من ثمّ تبعتنا في ذلك المملكة العربية السعودية في عام 2012".
وتلفت إلى أنه "على الرغم مما وصلنا إليه في الكويت من مستوى متطور في الخدمات المقدمة للتوحّد، والتي تحاكي أفضل البرامج في العالم المتقدّم، إلا أننا ما زلنا نعاني نقصاً كبيراً في عدد المدارس المتميزة لجميع المتقدّمين، وما زال البعض على قوائم الانتظار حتى الآن، بسبب عدم قدرتنا على استقطاب عدد أكبر من الكوادر المهنية المتخصصة في التوحّد".