تتراجع أحوال المدرّسين الوافدين في الكويت، مع القرار الرسمي القاضي بتخفيض قيمة بدلات إيجار السكن التي يحصلون عليها. من شأن ذلك التأثير سلباً على العمليّة التعليميّة كلّها.
مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، أعلن مجلس الخدمة المدنية في الكويت قرار خفض قيمة بدل السكن الممنوحة للمدرّسين الوافدين من 150 ديناراً كويتياً (نحو 500 دولار أميركي) إلى 60 ديناراً (نحو 200 دولار). ما إن صدر ذلك الإعلان حتى تصاعد الجدال في المجالَين التعليمي والاجتماعي في البلاد. وراح المدرّسون الوافدون يشكون من هذا التمييز الذي يعانونه، في ظلّ صعوبات اقتصادية يعانونها نتيجة التضخّم وارتفاع أسعار السلع وقرار الحكومة الأخير برفع أسعار المحروقات، وذلك في محاولة للقضاء على العجز في الموازنة العامة للبلاد على خلفية انخفاض أسعار النفط.
برّرت وزارة التربية الأمر، موضحة أنّ هذا القرار الذي يطاول أكثر من 40 ألف مدرّس وافد، سوف يساهم في توفير أكثر من 42 مليون دينار (نحو 140 مليون دولار) سنوياً على الدولة. أمّا "جمعية المعلمين الكويتية" فأصدرت على الأثر بياناً دانت فيه القرار ووصفته بالمخجل. ورأت أنّ "القرار بني على نظرة ضيقة جداً وستكون له تبعاته المؤثرة سلباً في واقع العملية التعليمية بشكل عام، وفي تأمين الاستقرار الوظيفي والنفسي والمادي للعاملين فيها من جموع المعلمين والمعلمات والموجهين والموجهات، ويعكس حقيقة مؤسفة تؤكد أنّ مكانة المعلم وحقوقه ومكتسباته تأتي في آخر سلم أولويات مجلس الخدمة المدنية".
في هذا السياق، يقول أحمد الراشد وهو رئيس قسم مادة التربية الإسلامية في إحدى المدارس إنّ "القرار يمثّل إجحافاً لدور إخوتنا المدرسين الوافدين، وسوف يؤثّر بطريقة كبيرة جداً على معيشتهم ويدفعهم أكثر إلى القلق، الأمر الذي ينتج عنه عدم تركيز في الدروس. أمّا المحصّلة النهائية فليست في صالح التلميذ الكويتي". يضيف أنّ "ثمّة أشياء أولى بالخصم من رواتب المدرّسين الذين هم عماد هذه الأمّة ومحور تقدّمها وتطوّرها. لكنّ العقلية التي أصدرت هذا القرار لا تقدّر قيمة المدرّس ولا تعبه ولا جهده، وتتعامل بعنصرية مع المدرّسين وتحاول التفرقة بينهم".
وقد وقّع مئات المدرّسين الوافدين عرائض شكوى ورفعوها عبر قنصلياتهم في الكويت، مؤكّدين أنّ القرار الصادم سوف يتسبّب في ضرر كبير جداً لهم. وفي تصريح إعلامي، قالت القنصل المصري العام في الكويت هويدا عصام: "التقينا بمجموعة من المدرّسين المصريين الذين أكّدوا أنّ القرار مجحف وغير عادل، وطالبونا باتخاذ الخطوات اللازمة. لكنّنا أبلغناهم بأنّ هذا عمل سياديّ لأنّ التعاقد جرى بين وزارة التربية الكويتية وبين المدرّسين أنفسهم، بينما يقتصر دورنا على توجيه وإرشاد هؤلاء المدرّسين إلى الطرق الصحيحة للتظلّم عبر القضاء الكويتي النزيه".
من جهته، يقول أحمد عوض وهو مدرّس رياضيات في المرحلة الثانوية إنّ "قرارات وزارة التربية الأخيرة سوف تتسبّب في خراب بيوتنا، إذ إنّها تستهدف الدخل الذي نخصّصه لاستئجار الشقق السكنية هنا". يضيف: "في حالتي، زوجتي لا تعمل وأسكن في شقّة بدل إيجارها الشهري 200 دينار (660 دولاراً) أي أنّني أدفع من جيبي 50 ديناراً (نحو 170 دولاراً) إضافياً على بدل الإيجار الذي كانت تدفعه لنا الحكومة قبل تخفيضه. وكان ذلك يمثّل لي أزمة في السابق، فكيف اليوم؟ سوف أضطر إلى دفع 140 ديناراً (أكثر من 460 دولاراً) من جيبي، الأمر الذي من شأنه أن يسبّب لي كارثة، ولا يترك أمامي سوى خيار واحد هو إرسال زوجتي وأبنائي إلى البلاد والعمل هنا وحيداً".
وفي حين تفيد مصادر تربوية بأنّ مئات المدرّسين الوافدين يخططون لعدم تجديد عقودهم مع الوزارة والاتجاه إلى دول خليجية مجاورة للبحث عن فرص عمل أفضل، تشير وزارة التربية إلى أنّها قادرة على العثور على مدرّسين جدد في غضون أسابيع. يُذكر أنّ القرار لن يكون على الأرجح مقتصراً على المدرّسين العاملين مع وزارة التربية، بل قد يمتد إلى المدرّسين في الهيئة العامة للتدريب التطبيقي وكذلك إلى أساتذة جامعة الكويت. الأمر الذي يعني اتساع شريحة المتضررين بصورة كبيرة جداً.
إلى ذلك يقول أستاذ القانون في جامعة الكويت الدكتور سامي الدريعي: "أظنّ أنّ تخفيض بدلات الإيجار الخاصة بالمدرّسين الوافدين لا يتماشى مع الرغبة في تحقيق تنمية بشرية. كيف نقول للمدرّس إنّ ميزانية الدولة تتوقف على جزء من راتبه، في حين ينبغي أن نشعره بالأمان الوظيفي ليؤدّي عمله بكل أمانة وإتقان. نحن نسلّمهم عقول أبنائنا ومستقبل بلادنا ونبخل عليهم ببضع دنانير لا تساوي قيمة بخور مكاتب الوزراء أو البرلمان، وبعد ذلك نرغب في تكوين جيل متعلّم وواعٍ".
الكاتب والسياسي الكويتي فاضل الطالب ينتقد كذلك قرار تخفيض قيمة بدلات الإيجار للمدرّسين الوافدين، قائلاً إنّه "غير مدروس تماماً كما هو الحال مع القرارات الأخرى التي صدرت في الفترة الأخيرة. والتأثير، للأسف، لن يكون على المدرّس الوافد وحده بل على العمليّة التعليمية بأكملها". يضيف أنّ "الأمر المؤلم هو اقتطاع جزء من راتب معيشي، اعتمد المدرّس على أساسه طريقة معينة لإدارة دفّة حياته الخاصة، بطريقة تضمن له حياة ميسرة، فيعيش على نحو مريح ومطمئن. بالتالي يتمكّن من تأمين الاستقرار له ولأسرته. لكنه بالقرار الجديد، أصبح ملزماً بالبحث عن بدائل". ويلفت إلى أنّ "هذا المدرّس قد يضطرّ إلى إعطاء دروس خصوصية لتأمين مدخول إضافي. وهو أمر تمنعه الدولة".