الكويت تغادر مجلس الأمن: انحياز للقضايا العربية ومكاسب سياسية

27 ديسمبر 2019
العتيبي خلال جلسة لمجلس الأمن في يونيو الماضي(أتيلغان أوزديل/الأناضول)
+ الخط -
تغادر دولة الكويت نهاية العام الحالي مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن الدولي، بعدما شغلته لعامي 2018 و2019، بإنجازات كبيرة لصالح القضايا العربية والدولية الإنسانية. إذ ساهمت الكويت في دعم القضية الفلسطينية ومواجهة القرارات الأميركية الإسرائيلية التي تستهدف الفلسطينيين وقضيتهم، إضافة إلى محاولة إنهاء الهجمات الدموية للنظام على المدنيين في سورية.

وأتت فترة عضوية الكويت لمجلس الأمن، عقب انتخابها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بتوافق عربي ودولي حيث شغلت مقعد الدول العربية، بعد انتهاء فترة العضوية المصرية، التي اتسمت بالخذلان للمواقف العربية والإنسانية على حدّ سواء. في الأثناء، تستعدّ تونس لتسلّم مقعدها للعامين المقبلين في يناير/ كانون الثاني 2020.

وتمكّنت الكويت من خلال عضويتها المؤقتة في مجلس الأمن، وترؤسها له مرتين، من تحقيق مكاسب كبرى لنفسها على الصعيد الدبلوماسي، فضلاً عن كسب نفوذ سياسي كبير في المنطقة، وتفعيل سياسة الوساطات التي تحاول القيادة السياسية الكويتية انتهاجها لحلّ الأزمات.

وفور حصول الكويت على مقعد مجلس الأمن في يناير/ كانون الثاني 2017، وذلك للمرة الثانية بعد أن كانت آخر مشاركة لها في عامي 1978 و1979، أعلنت عن أربع أولويات لها، وهي: القضية الفلسطينية، القضايا الإنسانية في سورية واليمن، تعزيز سبل الوساطة وتفعيل أدوات منع النزاع، وتحسين عمل مجلس الأمن.

وساهمت الكويت مع السويد في فبراير/ شباط عام 2018، في إصدار القرار 2401 عن مجلس الأمن، الذي نصّ على وجوب وقف إطلاق النار في سورية لتمكين وصول المساعدات الإنسانية وإجلاء المصابين. كما أنها دانت أكثر من مرة الهجمات الدموية التي يقوم بها النظام السوري ضدّ المدنيين، وشددت على وجوب نزع الأسلحة الكيميائية منه ومحاسبته ومعاقبته دولياً، وهو ما أدى إلى حصول سجالات كبيرة بين مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري، والمندوب الكويتي منصور العتيبي. واتهم الجعفري الكويت أكثر من مرة بأنها دولة "تصمت عن عمل الإرهابيين في أراضيها"، كما اتهم حركات سياسية وقبائل داخل الكويت بـ"الإرهاب".

وفي ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، حولت الكويت مقعدها في مجلس الأمن إلى منبر دعائي لهذه القضية وحماية الشعب الفلسطيني، وفق ما يقول السفير منصور العتيبي. لكنّ استخدام حقّ النقض "الفيتو" من قبل الولايات المتحدة، أفشل كل القرارات التي تقدّمت بها الكويت لمجلس الأمن، ووافقت عليها كل الدول الأعضاء.

وكانت الكويت قد تقدّمت في مايو/ أيار 2018، بمشروع قرار في مجلس الأمن لحماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، إذ نصّ مشروع القرار على إدانة وحشية الجيش الإسرائيلي، وطالب بتشكيل بعثة دولية لحماية الفلسطينيين. غير أنّ الولايات المتحدة لم تكتف بمعارضة المشروع الكويتي، لا بل إنّ المندوبة الأميركية السابقة في مجلس الأمن، نيكي هيلي، هاجمته ووصفته بـ"المنحاز والمفلس أخلاقياً والمعرقل لعملية السلام"، كونه لم يتعرّض لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). كما دان المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة، داني دانون، المشروع الكويتي بشدة.

كذلك، قامت الكويت بإفشال مشروع قرار تقدّمت به الولايات المتحدة لمجلس الأمن، يتضمن إدانة إطلاق المقاومة الفلسطينية في غزة، ولا سيما حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، صواريخ على الأراضي المحتلة، في حين لم يشر مشروع القرار إلى إسرائيل وعدوانها على القطاع.

وفي القضية اليمنية، أكّدت الكويت معارضتها للحلول العسكرية، وطالبت الأطراف المتحاربة كافة بوقف إطلاق النار. كما أيدت مشاريع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بتسهيل سبل المفاوضات، ودعمت "مفاوضات استوكهولم" التي أجريت في ديسمبر من العام الماضي، بين الحكومة اليمنية الشرعية والحوثيين.

وأعلنت الكويت استعدادها، كونها دولة عضو في مجلس الأمن، لاستضافة جولة جديدة من المفاوضات بين الأفرقاء اليمنيين، بعد جولة المفاوضات الأولى التي استضافتها الكويت عام 2016، ولم تسفر عن أي حلول.

كما دعمت الكويت القضايا الإسلامية، وأبرزها قضية أقلية "الروهينغا" المسلمة واضطهادها في ميانمار، إذ وصفت الممارسات بحقها بأنها "أحداث ترقى للتطهير العرقي"، وقامت بتنظيم رحلة لأعضاء مجلس الأمن في إبريل/ نيسان 2018 إلى المخيمات في بنغلادش والتي لجأت إليها مجموعات من هذه الأقلية، وذلك لإطلاع المجتمع الدولي على معاناة مسلمي "الروهينغا" عن قرب، وأخذ شهاداتهم وأقوالهم. ووصفت وكالة الأنباء الكويتية "كونا" هذه الزيارة بأنها "تاريخية"، كونها تحدث للمرة الأولى بهذا الحجم.

ومثّل حصول الكويت على مقعد مجلس الأمن عودة البلاد لـ"سياسة الوساطات" التي كانت قد اشتهرت بها بعد استقلالها عن بريطانيا عام 1961. إذ ساهمت الكويت في حلّ الخلافات السعودية المصرية إبان عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والصراع الفلسطيني الأردني عقب أحداث "أيلول الأسود" عام 1970. كما حاولت تقريب وجهات النظر بين أفرقاء الحرب الأهلية اللبنانية، إلى جانب تزعّمها لحركة مقاطعة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، بعد توقيعه على اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978.

لكنّ الكويت توارت عن مسرح الأحداث الإقليمي بعد تعرضها للغزو العراقي عام 1990، إذ انتهجت سياسة العزلة، والتفرّغ للمشاكل الداخلية، التي تفاقمت بعد تحرير البلاد على يد قوات التحالف عام 1991.

وبعد نجاح الكويت في الحصول على عضوية مجلس الأمن للمرة الثانية، قال رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، في رسالة وجهها إلى أمير البلاد، الشيخ صباح الأحمد الصباح: "الحصول على عضوية مجلس الأمن يمثّل انتصاراً سياسياً لبلد لطالما آمن بالطريق الدبلوماسي". وأشارت هذه الرسالة إلى مدى رغبة القيادة السياسية في الكويت في العودة مرة أخرى إلى مسرح الأحداث العالمي.

المساهمون