فهذا الإجراء الاستثنائي لا يتم اللجوء إليه إلا بعد استنفاد كافة محاولات التسوية، ليأخذ مجراه في ساحتي المجلس والقضاء. في الساحة الأولى، يتمتع خصوم الرئيس بموقع القوة، وفي الثانية قد ترجح كفة وزارة العدل، في ضوء ما توفره تعقيدات نظام المحاكمات من فرص لصالح البيت الأبيض، كما في ضوء السوابق، الأمر الذي يجعل "من الصعب على أي كان أن يتكهن بالنتيجة"، بحسب أستاذ القانون فيليب هاكني.
قريباً، يصوت المجلس بكامل أعضائه على الإجراء، وتضمن الأكثرية الديمقراطية تمريره. بعد ذلك، تحيل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، القرار إلى المدعي العام الفدرالي في واشنطن، لإجراء اللازم، وطرح القضية أمام هيئة محلفين، لتبدأ خطوات المحاكمة.
وبحسب القانون، من يرفض الإدلاء بإفادته أمام لجان الكونغرس أو يمتنع عن تزويدها بالوثائق والمستندات التي طلبتها منه، يتعرض لـ"غرامة مالية قدرها ألف دولار مع السجن لمدة سنة". لكن ما على الورق لا يترجم بالضرورة إلى فعل في مثل هذه الحالة. فالمدعى عليه الآن هو وزير العدل، الذي يعمل المدعي العام الفدرالي تحت إشرافه. الأمر الذي يستبعد معه، بحسب السوابق، أن يقوم هذا الأخير بمحاكمة رئيسه.
ووفق هذا السيناريو المرجح، لا يبقى أمام رئيسة مجلس النواب إلا اللجوء إلى القاضي المنفرد (والقاضي خلافاً للمدعي العام غير تابع لوزارة العدل)، لاستصدار حكم مدني لا جزائي، ضد وزير العدل.
وقد يستغرق استكمال هذه الإجراءت وصدور الحكم شهوراً عدة، أو ما يزيد عن السنة، إذا استؤنف الحكم، وبالنهاية رُفع إلى المحكمة العليا. وبذلك تفقد العملية جدواها إذا تعذر التسريع، ويصبح خيار محاكمة (Impeachment) الرئيس في مجلس النواب للتوصية بعزله، مسألة تحصيل حاصل، حتى إذا كان قرار العزل شبه مستحيل صدوره عن مجلس الشيوخ، المنوط به أمر الفصل النهائي في هذا الإجراء الذي لم يسبق أن وافق عليه المجلسان في آن. في هذه الحالة، قد يتكرر ما جرى للرئيس آندرو جونسون في العام 1868، حين أوصى النواب بعزله، لكن مجلس الشيوخ أسقط التوصية.
وتترتب على تهمة "الازدراء" تداعيات قانونية وسياسية وانتخابية، قد تكون مكلفة، إذا توفرت لها شروط تحويلها إلى قرار قضائي. البيت الأبيض قرر التصدي لها عن طريق تمديد المواجهة عبر القضاء لكسب الوقت، كما عن طريق توظيفه لامتيازاته التنفيذية، لمنع حصول خصومه في مجلس النواب على تقرير مولر بكامله، كما على أي وثائق أو إفادات لمسؤولين سابقين، من شأنها تزويدهم بالذخيرة اللازمة لكسب الجولة.
المفارقة أن خصوم ترامب الواقفين على أرضية قانونية صلبة، غير قادرين على حسم الموقف. قيادتهم في مجلس النواب لا تزال مترددة بشأن خيار العزل، خشية أن ترتد عليهم بصورة سلبية في الانتخابات، إذا بقي الوضع الاقتصادي على ازدهاره الذي ارتبط باسم الرئيس دونالد ترامب، الذي يعمل على تجييره إلى ورقة انتخابية رئيسية.
ثمة فريق آخر في صفوفهم يدعو إلى تغليب مصلحة الدستور وموجباته (المحاكمة ــ العزل) على الاعتبارات السياسية. ويبدو من الردود التي رافقت جلسة أمس ضد وزير العدل، أن الكفة بدأت ترجح لصالح الفريق الثاني، بحسب الإشارات التي صدرت عن بيلوسي، التي كانت متحفظة على خيار العزل.