غالباً ما نصف الكلامَ بعدم الفعالية والسلبية، وكأنّ ما يدخل في عداد الأفعال الحقيقية لا صلة له مطلقاً مع الكلام، وعلى هذا النحو يكون الكلام جزءاً من عدم الفعل، بل إنه ربما يقف على الضد منه، على مثل قولٍ سائرٍ عن وجوب اقتران الكلام بالفعل.
على وجه التحديد والدقة، لا يُعرف مصدرُ العنف إن كان بيولوجياً أم ثقافياً، سببُهُ كامنٌ في الشخص عينه بما هو عليه، أم أنه مكتسبٌ ودخيلٌ جراء وضع اجتماعي – ثقافي خاص. في كلا الحالتين ثمة ما هو مَرَضيّ وغير سويّ، غير أن المسؤولية مختلفة، فإذا كان مصدر العنف قائماً في سلوك الشخص العنيف نفسه من دون سبب خارجي، تكون المسؤولية خاصة ومحصورة به، أما إذا كان السبب عائداً إلى ظرف خارجي تكون المسؤولية عامة وأصابع الاتهام حينها تُوجَّه إلى المجتمع ككل، من طريقة تربية ومناهج تدريس إلى المستوى الاقتصادي، ناهيك عن الأوضاع السياسية.
لكن ماذا إذا افترضنا أن مصدر العنف عائدٌ إلى منشأ آخر غير ملاحظ، هو الكلام، هذا الوسيط الحيّ على الدوام. فالصلة الأولى للفرد مع نفسه ومحيطه هي الكلام، وما يتم عبره من تفاعل وتواصل، فهم أو سوء فهم، نفور أم لهفة، قرب أم بعد، ألفة أم جفاء.
عندما نتكلم نضيف شيئاً إلى حياتنا، فالكلامُ فعلٌ عكس ما يُشاع عنه من مقولات تقلل من قيمته وتجعله أمراً نافلاً وبلا جدوى. الحقيقة ربما أن الكلام هو القرب الحميمي لكل فعل مادي مباشر، إنه الاستعداد للفعل، البذرة التي تحول الطاقة الكامنة إلى مظهر ملموس.
ثم إن داخل الكلام فكراً ونقداً، بل إنّ الكلام محرض أساسي على الفكر والنقد والملاحظة والتنبيه. عندما ينتفي حيز الكلام، يبدأ حيز العنف، فالطاقة التي لا تجد ما يحررها عبر الكلام ترتد إلى نفسها، تتوارى، غير أنها لا تخبو ولا تنطفئ. إعادة القيمة الهامة للكلام تجعلنا نعيد النظر في كيفية التعامل معه وبه، فالكلام صلة جوهرية بين النفس ومحيطها وبينها وبين ذاتها، وهذه الصلة هي التي تبني، غير أن فقدانها وذبولها قد يجرها إلى أن تتحول إلى صلة هدامة. فغياب الكلام غيابٌ للنفس، ونقلٌ لها من حيز المعرفة إلى عتمة الجهل ومن نور الاعتراف إلى هاوية النكران. عندما لا نتكلم نكون كمن لم ير ولا يريد أن يرى. من خلال إنكارنا الكلام عن أنفسنا ولمن حولنا، إنما نلغي وجودنا بينهم ووجودهم حولنا. من يدري ربما تكون في طيات كلمة صغيرة شعلة محبة غامرة، من دون القول مرة أخرى إن الكلام هو شيء غير الفعل، من دون تبخيس هذه القيمة الإنسانية الرفيعة.
اقــرأ أيضاً
على وجه التحديد والدقة، لا يُعرف مصدرُ العنف إن كان بيولوجياً أم ثقافياً، سببُهُ كامنٌ في الشخص عينه بما هو عليه، أم أنه مكتسبٌ ودخيلٌ جراء وضع اجتماعي – ثقافي خاص. في كلا الحالتين ثمة ما هو مَرَضيّ وغير سويّ، غير أن المسؤولية مختلفة، فإذا كان مصدر العنف قائماً في سلوك الشخص العنيف نفسه من دون سبب خارجي، تكون المسؤولية خاصة ومحصورة به، أما إذا كان السبب عائداً إلى ظرف خارجي تكون المسؤولية عامة وأصابع الاتهام حينها تُوجَّه إلى المجتمع ككل، من طريقة تربية ومناهج تدريس إلى المستوى الاقتصادي، ناهيك عن الأوضاع السياسية.
لكن ماذا إذا افترضنا أن مصدر العنف عائدٌ إلى منشأ آخر غير ملاحظ، هو الكلام، هذا الوسيط الحيّ على الدوام. فالصلة الأولى للفرد مع نفسه ومحيطه هي الكلام، وما يتم عبره من تفاعل وتواصل، فهم أو سوء فهم، نفور أم لهفة، قرب أم بعد، ألفة أم جفاء.
عندما نتكلم نضيف شيئاً إلى حياتنا، فالكلامُ فعلٌ عكس ما يُشاع عنه من مقولات تقلل من قيمته وتجعله أمراً نافلاً وبلا جدوى. الحقيقة ربما أن الكلام هو القرب الحميمي لكل فعل مادي مباشر، إنه الاستعداد للفعل، البذرة التي تحول الطاقة الكامنة إلى مظهر ملموس.
ثم إن داخل الكلام فكراً ونقداً، بل إنّ الكلام محرض أساسي على الفكر والنقد والملاحظة والتنبيه. عندما ينتفي حيز الكلام، يبدأ حيز العنف، فالطاقة التي لا تجد ما يحررها عبر الكلام ترتد إلى نفسها، تتوارى، غير أنها لا تخبو ولا تنطفئ. إعادة القيمة الهامة للكلام تجعلنا نعيد النظر في كيفية التعامل معه وبه، فالكلام صلة جوهرية بين النفس ومحيطها وبينها وبين ذاتها، وهذه الصلة هي التي تبني، غير أن فقدانها وذبولها قد يجرها إلى أن تتحول إلى صلة هدامة. فغياب الكلام غيابٌ للنفس، ونقلٌ لها من حيز المعرفة إلى عتمة الجهل ومن نور الاعتراف إلى هاوية النكران. عندما لا نتكلم نكون كمن لم ير ولا يريد أن يرى. من خلال إنكارنا الكلام عن أنفسنا ولمن حولنا، إنما نلغي وجودنا بينهم ووجودهم حولنا. من يدري ربما تكون في طيات كلمة صغيرة شعلة محبة غامرة، من دون القول مرة أخرى إن الكلام هو شيء غير الفعل، من دون تبخيس هذه القيمة الإنسانية الرفيعة.