وليد الزيدي شاب تونسي اختبرته الحياة منذ كان عمره سنتين فقط، حين فقد نظره. على الرغم من ذلك، كافح وتفوّق وحصل على شهادة الدكتوراه
بثقة كبيرة في النفس وعبارات لا تخلو من بلاغة وفصاحة يتحدّث الشاب التونسي الكفيف، وليد الزيدي، الذي نال شهادة الدكتوراه لـ "العربي الجديد" عن مسيرته والصعوبات التي عاشها خلال ست سنوات في مدرسة ومبيت المكفوفين في العاصمة تونس، وتحديداً في بئر القصعة بعيداً عن العائلة، وفي ظل ظروف قاسية ومعاملة مهينة لأطفال لا يبصرون. كثيرة هي ذكريات الطفولة والتفوق الدراسي والهوايات والأحلام. وليد لقّب بـ "طه حسين تونس" وهو أول كفيف يحصل على دكتوراه موضوعها وظائف التقديم والتأخير في القول من كلية الآداب بمنوبة (تونس العاصمة)، وأول كفيف من تونس يعمل أستاذاً جامعياً.
وليد من مواليد 30 أبريل/ نيسان عام 1986. يتحدّر من محافظة الكاف، وتحديداً من منطقة تاجروين شمال غرب تونس. فقد بصره حين كان عمره سنتين بعد إصابته بسرطان العين، وهو من السرطانات النادرة جداً، واضطر الأطباء إلى استئصال عينيه حتى لا ينتشر المرض.
تحدّى وليد الإعاقة وقرّر أن يكون قدوة لغيره من المكفوفين والشباب عامة. تميّزه في اللغة والأدب لم يمنعه من أن يكون منتج برامج إذاعية. كما أنه يهوى الشعر والموسيقى. يقول إن طفولته لم تكن سهلة. درس في معهد المكفوفين في بئر القصعة في العاصمة تونس، ما اضطره إلى الابتعاد عن عائلته في عمر مبكر. يضيف أن ظروف الإقامة لم تكن مريحة، إذ كان الأطفال يتعرضون للضرب وسوء المعاملة والعنف اللفظي والاستغلال.
يتحدث عن "المكتبة التي لم تكن مجهزة بالمواد التي من شأنها تنمية قدرات المكفوفين"، مشيراً إلى أن المدرسين لم يكونوا في ذلك الوقت قادرين على التعامل مع فاقدي البصر. وكانوا لا يتوانون عن تعنيف الأطفال أو حرمانهم من الطعام الذي يرسله لهم أهلهم. على الرغم من ذلك، وجدوا من يدافع عنهم ويحاول حمايتهم قدر المستطاع، وهو الناظر الذي تآمر عليه المدرسون.
اقــرأ أيضاً
حتمت الظروف المادية الصعبة على وليد وغيره من الأطفال البقاء لأشهر في المبيت، وعدم الذهاب إلى بيوتهم إلا في العطل. كان والده يأتي من الكاف متحدياً مشقة الطريق ليعود به إلى البيت. وعلى الرغم من أنه كان سريع المرض، إلا أنه كان يتألم في صمت ويدرس لينجح. وكثيراً ما كان يلجأ إلى الإذاعات لسماع برامج لم يكن يفهمها بحكم صغر سنه، لكنها كانت سلواه ومنها تعلم الكثير. وفي وقت لاحق، بدأ غرامه باللغة العربية. كان يطالع نصوص القراءة ويعيد قراءتها مراراً وتكراراً.
ولم يصدق أحد أن هذا الطفل قد يتفوق. كان نابغة ومن أصحاب المعدلات المتميزة، ومتمكناً من اللغات، وناشطاً. أكثر من ذلك، كان يلعب كرة القدم ويكتب الشعر. وكانت نصوصه النثرية تقرأ في الحصص أمام التلاميذ.
يؤكد وليد أن المرحلة الثانوية كانت مختلفة. أصبح أكثر اعتماداً على نفسه بعدما دخل معترك الحياة. صار يغسل ملابسه ويذهب إلى المعهد بسيارة تاكسي حتى لا يبقى عالة على زملائه. يضيف أن هامش الحرية من الابتدائي إلى الثانوي لم يغيره مثل عدد من زملائه الذين كانوا يخرجون للهو والسهر. هو كان مثالاً للتلميذ المجتهد الذي ينجز لهم واجباتهم المدرسية بطيب خاطر لكسب قلوبهم. وفي الوقت نفسه، تمكن وليد من السيطرة عليهم، على حد قوله.
يلفت الشاب الثلاثيني إلى أنه في تلك الفترة كان لديه صديق كفيف سمعه خفيف أيضاً. وقرّر مساعدته في دروسه التي يعجز عن كتابتها لحمايته من التهكم والسخرية من قبل الآخرين. وفي عام 2006، نجح في البكالوريا وانتقل إلى المعهد التحضيري في الدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية في محافظة سوسة، وهو معهد النخبة من الناجحين من طلاب الآداب. وتساءل البعض كيف لمكفوف أن ينجح ويدرس مع الطلاب الآخرين، إذ أن الإدارة ترددت في قبوله، واضطر وليد إلى الانتظار بعض الشيء.
لم يكن التعلّم أمراً سهلاً في ظل نظام لا يوفر للمكفوفين أية امتيازات. كان يجلس مع عدد من الزملاء لمساعدته في الدروس، وتزويده بالمصادر والمراجع. ونجح وكان متفوقاً.
اقــرأ أيضاً
درس في دار المعلمين، وكان ثاني مكفوف يدرس هناك. أقام في المبيت وتميز وتدرّب لاحقاً في فرنسا في إطار توأمة بين تونس وفرنسا، وأصبح أستاذاً في اللغة العربية، ويدرس البلاغة والتنشيط، ويجيد العمل على الحاسوب بعدما حفظ حروفه. يرى وليد أن كل خطوة نجاح يخطوها كانت تثير حسد المحيطين به وحيرة المشرفين، وتساءل البعض كيف لكفيف أن يدرس الطلبة؟ وكيف سيتعامل مع الطلبة؟ ألن يتمردوا في الصف ويستغلوا إعاقته لإثارة الشغب؟ وسرعان ما تبددت الأسئلة ليتمكن عام 2011 من التدريس. ونجح في هذه المهمة التي وصفها البعض بـ"المستحيلة".
يعشق هذا الشاب المليء بالطموح والتحدي والعطاء الذي لا ينضب طه حسين، ويعتبره قدوته. هو رمز العبقرية الفكرية والتحدي بالنسبة إليه. كما يعشق الموسيقار عمار الشريعي الذي ارتقى بالموسيقى على الرغم من دراسته الأدب الانكليزي. ويختم أنه آثر البقاء في بلده تونس بدل الهجرة كما هو حال العديد من الكفاءات لممارسة واجبه في التدريس، ودعم حقوق المكفوفين بالفكر والكلمة الهادفة، مردداً: "لن أهجر وطني".
وليد من مواليد 30 أبريل/ نيسان عام 1986. يتحدّر من محافظة الكاف، وتحديداً من منطقة تاجروين شمال غرب تونس. فقد بصره حين كان عمره سنتين بعد إصابته بسرطان العين، وهو من السرطانات النادرة جداً، واضطر الأطباء إلى استئصال عينيه حتى لا ينتشر المرض.
تحدّى وليد الإعاقة وقرّر أن يكون قدوة لغيره من المكفوفين والشباب عامة. تميّزه في اللغة والأدب لم يمنعه من أن يكون منتج برامج إذاعية. كما أنه يهوى الشعر والموسيقى. يقول إن طفولته لم تكن سهلة. درس في معهد المكفوفين في بئر القصعة في العاصمة تونس، ما اضطره إلى الابتعاد عن عائلته في عمر مبكر. يضيف أن ظروف الإقامة لم تكن مريحة، إذ كان الأطفال يتعرضون للضرب وسوء المعاملة والعنف اللفظي والاستغلال.
يتحدث عن "المكتبة التي لم تكن مجهزة بالمواد التي من شأنها تنمية قدرات المكفوفين"، مشيراً إلى أن المدرسين لم يكونوا في ذلك الوقت قادرين على التعامل مع فاقدي البصر. وكانوا لا يتوانون عن تعنيف الأطفال أو حرمانهم من الطعام الذي يرسله لهم أهلهم. على الرغم من ذلك، وجدوا من يدافع عنهم ويحاول حمايتهم قدر المستطاع، وهو الناظر الذي تآمر عليه المدرسون.
حتمت الظروف المادية الصعبة على وليد وغيره من الأطفال البقاء لأشهر في المبيت، وعدم الذهاب إلى بيوتهم إلا في العطل. كان والده يأتي من الكاف متحدياً مشقة الطريق ليعود به إلى البيت. وعلى الرغم من أنه كان سريع المرض، إلا أنه كان يتألم في صمت ويدرس لينجح. وكثيراً ما كان يلجأ إلى الإذاعات لسماع برامج لم يكن يفهمها بحكم صغر سنه، لكنها كانت سلواه ومنها تعلم الكثير. وفي وقت لاحق، بدأ غرامه باللغة العربية. كان يطالع نصوص القراءة ويعيد قراءتها مراراً وتكراراً.
ولم يصدق أحد أن هذا الطفل قد يتفوق. كان نابغة ومن أصحاب المعدلات المتميزة، ومتمكناً من اللغات، وناشطاً. أكثر من ذلك، كان يلعب كرة القدم ويكتب الشعر. وكانت نصوصه النثرية تقرأ في الحصص أمام التلاميذ.
يؤكد وليد أن المرحلة الثانوية كانت مختلفة. أصبح أكثر اعتماداً على نفسه بعدما دخل معترك الحياة. صار يغسل ملابسه ويذهب إلى المعهد بسيارة تاكسي حتى لا يبقى عالة على زملائه. يضيف أن هامش الحرية من الابتدائي إلى الثانوي لم يغيره مثل عدد من زملائه الذين كانوا يخرجون للهو والسهر. هو كان مثالاً للتلميذ المجتهد الذي ينجز لهم واجباتهم المدرسية بطيب خاطر لكسب قلوبهم. وفي الوقت نفسه، تمكن وليد من السيطرة عليهم، على حد قوله.
يلفت الشاب الثلاثيني إلى أنه في تلك الفترة كان لديه صديق كفيف سمعه خفيف أيضاً. وقرّر مساعدته في دروسه التي يعجز عن كتابتها لحمايته من التهكم والسخرية من قبل الآخرين. وفي عام 2006، نجح في البكالوريا وانتقل إلى المعهد التحضيري في الدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية في محافظة سوسة، وهو معهد النخبة من الناجحين من طلاب الآداب. وتساءل البعض كيف لمكفوف أن ينجح ويدرس مع الطلاب الآخرين، إذ أن الإدارة ترددت في قبوله، واضطر وليد إلى الانتظار بعض الشيء.
لم يكن التعلّم أمراً سهلاً في ظل نظام لا يوفر للمكفوفين أية امتيازات. كان يجلس مع عدد من الزملاء لمساعدته في الدروس، وتزويده بالمصادر والمراجع. ونجح وكان متفوقاً.
درس في دار المعلمين، وكان ثاني مكفوف يدرس هناك. أقام في المبيت وتميز وتدرّب لاحقاً في فرنسا في إطار توأمة بين تونس وفرنسا، وأصبح أستاذاً في اللغة العربية، ويدرس البلاغة والتنشيط، ويجيد العمل على الحاسوب بعدما حفظ حروفه. يرى وليد أن كل خطوة نجاح يخطوها كانت تثير حسد المحيطين به وحيرة المشرفين، وتساءل البعض كيف لكفيف أن يدرس الطلبة؟ وكيف سيتعامل مع الطلبة؟ ألن يتمردوا في الصف ويستغلوا إعاقته لإثارة الشغب؟ وسرعان ما تبددت الأسئلة ليتمكن عام 2011 من التدريس. ونجح في هذه المهمة التي وصفها البعض بـ"المستحيلة".
يعشق هذا الشاب المليء بالطموح والتحدي والعطاء الذي لا ينضب طه حسين، ويعتبره قدوته. هو رمز العبقرية الفكرية والتحدي بالنسبة إليه. كما يعشق الموسيقار عمار الشريعي الذي ارتقى بالموسيقى على الرغم من دراسته الأدب الانكليزي. ويختم أنه آثر البقاء في بلده تونس بدل الهجرة كما هو حال العديد من الكفاءات لممارسة واجبه في التدريس، ودعم حقوق المكفوفين بالفكر والكلمة الهادفة، مردداً: "لن أهجر وطني".