الكساسبة على طاولة المفاوضات

23 يناير 2015
+ الخط -

لم يتوقع أحد من مؤيدي الدولة الاسلامية (داعش) أن يحافظوا على حياة الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، بعد أسره، فالجميع عندما سمعوا الخبر، تأكدوا جازمين أن الطيار سَيُقطع رأسه فوراً، ولن يسمح له بالدفاع عن نفسه، أو حتى التفاوض من أجله. لكن، كانت المفاجأة على عكس ذلك، وخصوصاً لمن يتغنون بالدولة الإسلامية وإنجازاتها، فهي لم تقطع رأس الطيار، ولم تعذبه كغيره ممن ألقت القبض عليهم وأسرتهم، بل هي اليوم، وعلى ما يبدو، تفاوض المملكة الأردنية الهاشمية سراً حوله.
إذن، لماذا التفاوض على حياة الطيار الأردني، ولم يجر التفاوض، مثلاً، على حياة الصحفيين الأجانب الذين وقعوا في أسر التنظيم، وكان نصيبهم قطع الرأس والنحر فوراً.
وعلى الرغم من أن داعش كانت تطلب مبالغ خيالية أحياناً، كحال الرهينتين اليابانيين اليوم، حيث طلبت داعش، أخيراً، 200 مليون دولار في 72 ساعة من الحكومة اليابانية، لإنقاذ حياتيهما، لكن مقارنتهما بالطيار الأردني الذي قصف داعش ستكون مختلفة.
لم يرتكب الصحفيون الأجانب مجازر بحق أي داعشي أو مدني، بل كل ما كانوا يفعلونه التغطية الصحفية في المناطق التي تسيطر عليها داعش، وإيصالها إلى العالم بكل صدق ومهنية، لكن داعش كانت ترفض ذلك، وخصوصاً من الصحفيين الأجانب الذين تعتبرهم يأتون ليتجسسوا عليها، وعلى أماكنها. وبذلك اعتبرتهم خطراً على وجودها، وعلى حياة عناصرها، وطبعاً كل ذلك الكلام فقط أمام مناصريها ومقاتليها، لجعل ثقتهم بتلك الدولة أكبر.
لكن، الحقيقة أن الغرب ضحّى بصحفييه، لإظهار قوة داعش وإرهابه أمام العالم، وأنه إرهاب خطير يجب محاربته ومواجهته، عن طريق فكرة التحالف الدولي، للتغطية على الأسد وإرهابه، بإلهاء الجميع عنه، وعن مجازره التي يمارسها منذ 4 سنوات ضد شعبه.
استغل التحالف الدولي حادثة إسقاط الطائرة لتضخيم قوة "الدولة الإسلامية"، وتشتيت انتباه العالم مجدداً عن الأسد، وأن الإرهاب الحقيقي هو داعش فقط، وعلى الجميع محاربته، وهي محاولة أخرى من العالم المتآمر على الشعب السوري الثائر لجعل الأسد ضحية الإرهاب، كما كان يدّعي، ولمحاولة طي صفحته الإرهابية، وإلهاء الجميع عنه بداعش.
حتى وإن علّق الأردن مشاركته في التحالف من أجل الطيار الكساسبة، فذلك ليس شيئاً مهماً للأميركيين والتحالف الدولي، فمصالحهم تعزيز وجود داعش، ولفت أنظار العالم له بشكل دائم ومستمر، بدلًا من نظام الأسد، فالتحالف اليوم على ما يبدو تشكل ليقوّي داعش، لا ليهزمه.
ثم ماهو الشيء الثمين الذي تريد داعش أن تفاوض عليه، لتحرير الطيار من قبضتها، فالجميع يرى أن التفاوض من أجل طيار حربي كهذا يستحق مثلاً إخراج مئات المساجين الذين يتبعون لداعش في سجون الأردن، أو احتمال طلب مبلغ مالي ضخم، لكن داعش، بشكل عام، لم تعلن، حتى الآن، عن مطالبها للإفراج عن الكساسبة، فمازالت السرية التامة قائمة حول مطالب داعش لتحرير الطيار، لإظهار مطالبهم علناً.
وبالنسبة للأردن، ذكرت تقارير أن الجماعة طلبت ثمناً باهظاً، مع عدم التوضيح. لكن، وفقاً لمحمد شلبي، زعيم التيار السلفي المتشدد في الأردن، والذي يرتبط بعلاقات قوية مع داعش، طالبت الجماعة بإطلاق سراح زياد الكربولي وساجدة الريشاوي، وهما عنصران في "الدولة الإسلامية"، ومن العقول المدبرة لتفجيرات عمان 2005. فهل من المعقول، بعد هذا كله، أن تطالب داعش الحكومة الأردنية بإخراج هذين الإرهابيين فقط بعد صيدها الثمين الطيار الأردني؟ أم أن هناك مطلباً ثميناً جداً للتفاوض على حياة الطيار؟ أم هي لعبة جديدة ومتفق عليها مسبقاً بين داعش والتحالف، ليكون الطيار هو الضحية؟

avata
avata
رائد الجندي (سورية)
رائد الجندي (سورية)