الكرد: لا لداعش
"كركوك في حضن كردستان"، ليست مجرد دعابة، بل هي أقرب إلى توصيف واقعي، المقولة رائجة حقاً هذه الأيام في كردستان العراق، في الشارع والإعلام الكرديين، وتم تداول صور لكتابات على الجدران، تحيل إلى استعارةٍ مفادها بأن داعش طبقت المادة 140 من الدستور العراقي، على خلفية محاولاتها احتلال المناطق الكردستانية خارج الإقليم، مما دفع لتحرك قوات البشمركة نحو تلك المناطق، لحمايتها من غزو قطعان دولة داعش القاعدية.
باتت هذه المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم، تحت السيطرة الكردية، حيث ثمة، الآن، في جنوب كردستان تعبئة قومية داعمة للبشمركة في تصديها لتلك العصابات، وحمايتها حدود جنوب كردستان، من شنكال إلى جلولاء، بل ثمة تبلور متصاعد لموقف كردستاني عام، يشدد على مقاومة داعش والتصدي لها، إن في كردستان سورية، أو في كردستان العراق.
قوات الـ(كريلا) والـ(بيشمركة) ووحدات حماية الشعب، وعلى رأسها أيضاً، موقف منظومة المجتمع الكردستاني (KCK)، التي أبدت استعداد قوات الكريلا للدفاع عن تجربة الجنوب الكردستاني الديموقراطية من كركوك إلى شنكال. وفي الإطار نفسه، مواقف الإدارة الذاتية الديموقراطية في كردستان سورية، ووحدات حماية الشعب (YPG) التي اتخذت موقفاً سيسجله التاريخ الكردستاني، كأحد المحطات الناصعة والفارقة، حيث قرنت تلك الوحدات القول بالفعل، وسارعت إلى رفد قوات البيشمركة ومؤازرتها، في وجه داعش وحلفائها، إن في مناطق شنكال أو في معبر تل كوجر – الربيعة، حيث سارعت الوحدات إلى تأمين المعبر من الجانبين، وبالتعاون والتنسيق مع البشمركة، فالبنادق الكردية توحدت هنا، وكان واضحاً تشديد القيادة العامة لوحدات حماية الشعب على وقوفها في خندق واحد مع كردستان العراق، تلك الوحدات التي تخوض مقاومة ضارية ضد إرهاب داعش، وحروبها التكفيرية، منذ نحو عامين، على امتداد جغرافية المنطقة بمجملها.
والحق أن المطلوب، الآن، يتلخص في الحاجة إلى ترجمة هذه الوقائع الميدانية إلى واقع سياسي، راسخ ومتين، يفرز استراتيجية عمل وتكامل كردستانية، من شأنها أن تشكل شرطاً لمواجهة الأكراد للتحديات الجسام، والمؤامرات الشرسة التي تستهدف مكتسباتهم وتجاربهم الديموقراطية، في جميع مناطق كردستان، من دون إغفال تركيا أيضاً، حيث يدير الكرد الآن عشرات البلديات.
مما لا شك فيه أن الغزو الداعشي، والتلاحم الكردي في وجهه، يشكل مدماكاً قوياً للبناء عليه، وتطوير مساحات وفضاءات للتعاون والتنسيق بين القوى الكردستانية الرئيسية، على امتداد "الوطن الكردستاني الممزق".
داعش تشكل خطراً داهماً ومباشراً على المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم، ولا سيما كركوك الغنية بالنفط، كونها الآن على تخوم كردستان، وثمة تصادم بين البيشمركة وداعش في تلك المناطق، فالفرصة غدت سانحة للكرد، لكي يفرضوا أمراً واقعاً، يستند إلى حقائق التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، ويستند، علاوة على ذلك، إلى قوة الحق الدستوري، عبر المادة 140، خصوصاً وأن المكونات الأخرى في تلك المناطق الكردستانية، كالعرب والتركمان، ترحب، في مجملها، بتطبيق المادة، وهذا يقتضي من الكرد العمل على طمأنة هذه المكونات المجتمعية أكثر فاكثر، وإشراكها في إدارات هذه المناطق، وقطع الطريق أمام إثارة النعرات بين هذه المكونات، وعليه، فالمهم هنا الثقة بالنفس.
تغيرت الظروف موضوعياً وذاتياً بشأن الكرد، فهم يمثلون، الآن، قوة مهمة على صعيد الإقليم الشرق أوسطي، يستحيل تهميشها وشطبها من المعادلات الإقليمية والدولية، فبعد أكثر من عقد في انتظار تطبيق المادة 140، بات من حق الكرد استرجاع أراضيهم وحقوقهم المغتصبة. وهنا، فإن المواقف الدولية والإقليمية ستتأثر إلى حد بعيد بمدى حزم الكرد وتشبثهم بحقهم، وعدم المساومة عليه، أما انتظار أن يقدم الآخرون لنا حقوقنا على طبق من ذهب، فهذا مجرد عبث، في ألطف توصيف.
لعل الخطوة الأهم، الآن، بعد إحكام البيشمركة سيطرتها على هذه المناطق، مدعومة بالالتفاف الشعبي العارم حولها، وبوجود حاضنة اجتماعية لها لا تقتصر على الكرد فقط، بل تشمل، وإلى حد ملحوظ، مختلف المكونات، هي العمل على إجراء استفتاء حر وشفاف، تحت رقابة أممية في تلك المناطق، وأن تحتكم لخيار المجتمع أولاً وآخراً.