"في إنكلترا يجب الاهتمام بالكرة الثانية والثالثة وحتى الرابعة"، تصريحات قالها بيب غوارديولا في مقابلته الأخيرة مع تييري هنري، ليضيف بعد الفوز على آرسنال بأن فريقه تدرب على كيفية الفوز بالكرة الثانية لمدة ساعتين يوميا بعد الخسارة الثقيلة أمام ليستر بالأربعة، ليتحول هذا التكتيك إلى علامة فارقة في البريميرليغ هذا الموسم.
البوندسليغا
يتحدث خوانما ليَو، مساعد سامباولي وأستاذ غوارديولا السابق عن الفروقات الفنية بين الكرة في ألمانيا ونظيرتها في إنكلترا، ويؤكد بأن الكرة الإنكليزية مختلفة كثيرا عن نظيرتها في ألمانيا. البوندسليغا كرة سريعة للغاية، ركض مستمر نحو الكرة وأسلوب مباشر للغاية، ركض ثم ركض ثم ركض من دون توقف.
الكرة الألمانية لعبة ذات سرعة عالية، الكثير من الجري نحو الكرة ومزيج من اللعب المباشر. عندما يلمح لاعب ما فراغاً أمامه فإنه يجري ويستمر بالركض، عادة هذا اللاعب يكون فطناً بما فيه الكفاية لاختيار أي فراغ بين الظهيرين والمدافعين، حتى يستطيع الإبقاء على الهجوم المرتد، كما في كرة السلة.
لذلك لعب بيب في ألمانيا بفكرة الأظهرة الداخلية، عن طريق وضع الظهيرين في قلب الارتكاز من أجل الوقوف أمام التحولات وغلق القنوات الشاغرة أثناء هجوم الفريق الآخر. في إنكلترا الأمر مختلف كثيرا، سيجد بيب تشكيلات هجومية متنوعة وفوضوية إلى حد كبير بناء على رأي خوانما ليو.
البريميرليغ
في إنكلترا، كرة القدم ليست عبارة عن استحواذ أو حتى هجمات مرتدة عند الحاجة، ولكن في أغلب الأحيان كل الفرق تقوم بعمل هجمات مرتدة ضد بعضها البعض في كل وقت، إلى ما لا نهاية. إنها ثقافة المرتدات حيث لا تميل الفرق إلى استعمال سلسلة التمريرات للحيال دون ذلك، وبالتالي هو أسلوب لعب مختلف عن الكرة الألمانية.
كرة طولية سريعة، تمر من رأس أحدهم إلى لاعب زميل، الذي يمررها بطريقته إلى اللاعب الثالث الحر على الطرف، وفي أغلب المناسبات هناك لاعب آخر ينطلق في العمق لاستلام الكرة في النهاية. لذلك يحتاج السيتي إلى استراتيجيات مختلفة لمواجهة خصومه، إما بالضغط المبكر في نصف الملعب الآخر، لكن هذا وحده ليس كافيا لأن الكرة تظل في الهواء لفترات طويلة.
بالإضافة إلى إمكانية لعب تمريرات متبادلة نحو المهاجم المتقدم في الملعب، الذي سيمررها قصيرة نحو الجناح ومن ثم الدوران والجري، لذلك يجب أن يقترن الضغط بالوقوف في طريق التمرير نحو المهاجمين المتراجعين إلى الخلف، من أجل المساعدة لإيصال الكرة الى الجناح، أو كما قالها بيب صريحة في حديثه مع هنري، "التحكم في الكرة الثانية".
الكرة الثانية
يجب أن تتحكم جيدا في الكرة الثانية، هكذا كانت نصيحة تشابي ألونسو لبيب غوارديولا قبل قدومه إلى إنكلترا. وبالعودة إلى سيناريو الموسم الماضي، وصل ليستر سيتي إلى اللقب بسبب قوة دفاعه ومهارة هجومه بقيادة الثنائي محرز وفاردي، هذه هي الإجابة السهلة على الورق، لكن من الناحية الخططية، فإن فريق رانييري كان أكثر ممثلي البريميرليغ فوزا بالكرة الثانية مقارنة بكل المنافسين.
يغلق ليستر مناطقه جيدا، ويُبعد أي هجمة سريعا تجاه خط هجومه بالثلث الأخير، وبرع كانتي بشدة في هذا النموذج ليضغط باستمرار ويحصل على الكرة الثانية سريعا قبل أن تتحول إلى هجمة مضادة بالقرب من مرماه. وحقق الفريق الصغير المعجزة في النهاية رغم تمريرات لاعبيه السلبية، لدرجة أن معظمها تبدو دون فائدة، مجرد كرات عالية شاردة في نصف ملعب الخصم، لكنها عن قصد حيث يتجه معظم اللاعبين بعدها إلى اتجاه اللعبة، من أجل الحصول على التمريرة الثانية، وتحقيق المرتدة القاتلة.
وتعرف الكرة الثانية أو الـ Second Ball في إنكلترا بأنها التمريرة التي تأتي بعد التمريرة الأولى هجوميا، وفي أغلب الأحيان تكون هي اللعبة التالية للكرة الطولية في نصف ملعب الخصم، وتحتاج هذه اللعبة إلى لياقة قوية من أجل مواصلة الركض باستمرار، ومحاولة الحصول على التمريرات بعد سقوطها من الهواء إلى أرض الملعب، وهذا هو السر الحقيقي وراء فوز ليستر بالدوري، وتحقيقه نتيجة عريضة أمام السيتي هذا الموسم بنتيجة 4-2 في أقوى سقطات غوارديولا منذ قدومه إلى مدينة مانشستر.
تجربة السيتي
يقول مارسيلو بييلسا عن الضغط الإعلامي "إذا كان هناك شيء واحد دمر علاقة الكرة بالمتابعين فإنه جزء صناعة الصحافة بلا شك". وما يقصده اللوكو ليس صحافياً بعينه أو وسيلة إعلامية معينة، بل يتحدث بشمولية عن الصناعة ككل. ومع قدوم غوارديولا إلى إنكلترا، يعرف المدرب جيدا ماذا ينتظره، نظرا لتضاعف الاهتمام الإعلامي والجماهيري بالبريميرليغ مقارنة بالبوندسليغا.
البطولة فقط هي معيار النجاح، أي شيء آخر غير مهم. والبراغماتية تعني لغة الأرقام فقط ولا أمر سواه، هكذا هي مفاهيم صناعة الإعلام الرياضي مؤخرا كما يقول غوارديولا، وعلى هذا الأساس يجب أن يتعامل الجميع وفق هذه المعايير المنقوصة من وجهة نظره، رغم أنه ناجح جدا بحساباتها، لكنه يحتاج إلى الوقت حتى يستطيع التكيف مع الأجواء الإنكليزية، والطريقة التي تلعب بها معظم فرق الدوري هناك.
وفي مقابلة سابقة لكيفين دي بروين، أكد البلجيكي بأن الجهاز الفني لمانشستر سيتي أصبح يهتم أكثر بمواجهة تكتيك الكرات الطولية، خصوصا بعد آخر خسارتين أمام تشلسي وليستر سيتي، فالفريق اللندني وصل إلى مرمى برافو أولا بكرة سيسك الطولية، بينما حطم رانييري طريقة لعبهم معتمدا على خطف الكرة الثانية، ومن ثم قلب الهجوم إلى مناطق منافسه.
الخطوة الأولى
يقضي بيب وقتا طويلا في معرفة أين توجد المساحات أمام الخصم، ولكن يُفاجأ بأن الفريق الآخر ينسف كل ذلك ويلعب كرات طويلة، وبالتالي فإنه يحتاج إلى تعديل بعض خطواته، والتكيف مع أبجديات التكتيك هناك، خصوصا أن فريق مان سيتي هو الأضعف من الناحية البدنية، بسبب قصر طول لاعبيه وضآلة حجم نجومه كستيرلينغ وسيلفا وأغويرو ودي بروين، وحتى مدافعيه مثل كليشي وزباليتا وربما ستونز.
لعب السيتي بأسلوب متنوع في مباراة آرسنال، وبدأ لاعبوه يتعاملون بشكل أفضل مع الكرة الثانية بعد التمريرة الأولى الطولية في الهواء، وسجل الفريق هدف التعادل عن طريق نفس الاستراتيجية، بالحصول على هذه التمريرة الصعبة بعد كرة تشيك الطولية إلى وسط آرسنال، لينجح سيلفا في صناعة "أسيست" رائع إلى ساني المنطلق دون رقابة.
يضغط الفريق على حامل الكرة في مناطقه بمجرد وصول الكرة إليه، هذا على مستوى الهجوم لكن دفاعيا الأمر يحتاج إلى عمل أكبر، بضرورة إغلاق كافة زوايا التمرير أمام لاعب الخصم العائد قليلا للخلف، من أجل الاستلام واللعب السريع إلى الأطراف أو عمق الهجوم، لكن الشيء الإيجابي في الموضوع أن كل طاقم السيتي الآن يعرف جيدا أهمية ما يعرف بـ "الكرة الثانية".