دخلت قضية النزاع في منطقة الصحراء، مرحلة جديدة بعد التغييرات التي شهدتها قيادة جبهة البوليساريو، في أعقاب وفاة الأمين العام الراحل محمد عبد العزيز وانتخاب ابراهيم غالي خلفاً له. مع العلم أن ملف الصحراء يراوح مكانه منذ سنوات بين جبهة البوليساريو والمغرب، لكن التحوّلات الداخلية الأخيرة في جسم الجبهة بعد انتخاب غالي، قد تسهم في تحريك القضية، سواء في اتجاه تكريس الحل السلمي بشكل يرضي طرفي الصراع، أو بالعودة إلى حالة التشنج السياسي والعسكري، تحديداً مع بروز دعوات من قيادات في الجبهة بضرورة العودة إلى السلاح، مع وجود قوى إقليمية مؤثرة في الملف كالجزائر الداعمة لخيار انفصال الصحراء عن المغرب.
لكن ابراهيم غالي، وهو مفاوض سياسي وأحد أبرز القياديين التاريخيين لجبهة البوليساريو، لا يريد الاستمرار في خيارات التفاوض إلى ما لا نهاية، بحسب تصريحه في ختام أعمال المؤتمر الاستثنائي للجبهة، المنعقد في مخيم الداخلة قبل أيام. وكان غالي حريصاً في التلميح لإمكانية العودة إلى الحرب مع المغرب، في حال استدعت الظروف السياسية ذلك.
وعلى عكس عبد العزيز، الذي استند بشكل كامل إلى الدعم السياسي الذي توفّره الجزائر ودول أخرى يبدو ابراهيم غالي متجهاً نحو التركيز على الجهود الذاتية للانفصاليين من الصحراويين من أجل بلوغ الأهداف السياسية المرسومة. ويبرز ذلك من خلال حديثه عن "تحقيق التأطير الشامل والحضور الميداني الفاعل لكل مكونات الجسم الوطني الصحراوي، ويكون قادراً على استيعاب كل الطاقات والأجيال وجعلها في مستوى التحديات والتطورات، التي تشهدها القضية الوطنية الصحراوية على جميع الأصعدة والمجالات".
ليس التحدي الداخلي أقلّ أهمية من التحديات الإقليمية والمتغيرات الدولية، التي لا تصبّ في صالح الانفصاليين بالضرورة، لكن أكبر تحدّ ستواجهه القيادة الجديدة لجبهة البوليساريو، يكمن في التعاطي مع الوضع الداخلي في المخيمات، لا على الصعيد الإنساني والاجتماعي فحسب، ولكن أيضاً على صعيد بروز جيل جديد من الصحراويين الذين عاشوا في المخيمات.
كما أنه لم يتحقق المطلب الرئيسي المتعلق بتنفيذ مشروع تقرير المصير وفقاً للمقررات الأممية، ولم تصل الحرب الصامتة إلى نهايات مشرفة. ما يعني أن الطريق ما زال شاقاً بالنسبة لجيل جديد بدأ يتمرّد أيضاً بعد انفتاحه على العالم على مستويات قيادية يعتقد انها لا تحقق مطالبه الداخلية. وضع يبدو أن القيادة الجديدة للبوليساريو، بدت أكثر استيعاباً له، من خلال تصريح غالي الذي اعترف بهذا الواقع، حين قال: "نحن مطالبون بتحقيق تحول نوعي على مستوى تقوية البناء التنظيمي السياسي، ليحقق تأطيراً شاملاً وحضوراً ميدانياً فاعلاً لكل مكوّنات الجسم الوطني، ويكون قادراً على استيعاب كل الطاقات والأجيال، وجعلها في مستوى التحديات والتطورات التي تشهدها القضية الصحراوية على جميع الأصعدة والمجالات".
وتطالب البوليساريو كلاً من الأمم المتحدة ومجلس الأمن بممارسة الضغط على المغرب لحمله على ما تسميه "تصفية رواسب الاستعمار في الصحراء وإنهاء النزاع، بعد جمود دام 25 سنة، تحديداً منذ تمسك المغرب بطروحاته المتعلقة بمنح حكم ذاتي للمناطق الصحراوية".
وتدعم الجزائر جبهة البوليساريو، وترى في ابراهيم غالي أكثر الشخصيات السياسية التي يمكن أن تواصل مسار العمل في مسألة الصحراء، تحديداً في ظلّ وضع سياسي واقليمي متخم بالمشكلات السياسية والأمنية، وفي ظلّ تحوّل المواقف الدولية وتضارب المصالح بين مختلف الدول، ومماطلة المؤسسات الدولية في تحمّل مسؤولياتها لإنهاء المسألة، التي استولدت في الوقت نفسه أزمة مزمنة بين الجزائر والمغرب.
يُعدّ غالي ثالث أمين عام لجبهة البوليساريو بعد كل من الولي مصطفى والراحل محمد عبد العزيز. وهو أحد أبرز الكوادر المؤسسة للمنظمة الطليعية لـ"تحرير الصحراء" سنة 1969 وأمين سرها. المنظمة التي كانت الأساس الفكري والإطار السياسي الذي انبثقت منه الجبهة، وقبلها ناضل في إطار الحركة ضد الاستعمار الاسباني التي كان يتزعمها سيدي إبراهيم بصيري.
وفي عام 1975 شارك غالي ضمن الوفد المفاوض مع إسبانيا، كما شارك في عملية تبادل الأسرى مع المغرب وكان في استقبال مجموعة الأسرى الصحراويين الذين كانوا في السجون الإسبانية، قبل أن يُعيّن وزيراً للدفاع في أول حكومة لما يسمى "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" (غير المعترف بها دولياً) من مارس/آذار 1976 إلى عام 1989. كما انتُخب في اللجنة التنفيذية من المؤتمر الثالث في عام 1976 إلى المؤتمر الثامن في عام 1989، ثم عضواً في الأمانة الوطنية من المؤتمر التاسع في عام 1999 إلى المؤتمر الرابع عشر في عام 2015، وعُيّن قائداً عسكرياً من عام 1989 إلى عام 1993 ثم وزيراً للدفاع لهذه "الجمهورية" عام 1998.
وشارك غالي ضمن الوفد الصحراوي المفاوض مع المغرب عام 1989، ثم عُيّن وزيراً للمناطق المحتلة حتى عام 1999، ثم ممثلاً لجبهة البوليساريو حتى عام 2008 في إسبانيا، قبل أن يُعيّن في عام 2008 سفيراً مفوّضاً في الجزائر. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، عُيّن مسؤولاً لأمانة التنظيم السياسي للجبهة، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى انتخابه أميناً عاماً للجبهة ورئيساً لما يسمى "الجمهورية الصحراوية" في 9 يوليو/تموز الحالي.