القنوات المصرية في أزمة مالية: إقفال وطرد موظفين وأكثر

09 ابريل 2015
القنوات من السياسة إلى الترفيه (Getty)
+ الخط -
ثلاثة أشهر مرّت وأزمة القنوات المصريّة الماليّة تستفحل. طرد موظّفين، تخفيض في الرواتب، إلغاء برامج، واختصار من أخرى... كُلّ هذا، تحيله القنوات لوجود "أزمة في الإعلانات".

ويقول خبراء الإعلام إن الراسم الحقيقي لسياسات الإعلام والفضائيات والصحف ليست الأحزاب أو الدول بقدر وجود قلة تحتكر سوق الإعلان والإعلام وتتحكّم في مرئياته وفق حاجة السوق، ومن ثم تنضوي المادة الإعلانية أو الإعلامية على السواء تحت السياسات الإعلانية المرسومة والتي بدورها تحدد السياسات الإعلامية، فالغاية هي المنافسة والتربّح وتحقيق مزيد من الملايين.


الإعلان يحتكر الإعلام

والحال أنّ شركات الإعلان تُسيطر على القنوات المصريّة تقريباً. وبات من الأكيد أنّ شركةً أو اثنتين لهما معظم التأثير على سوق الإعلان والإعلام في مصر. واتّضح ذلك بشكلٍ أكبر بعد الاتفاق الذي أُبرم العام الماضي بين شركة "برومو ميديا" وقنوات "الحياة"، لتُعيد المنافسة في السوق الإعلانيّة بصورة كبيرة. وحصلت الشركة نفسها على حقوق إعلانات قناة "التحرير" وقنوات "أون تي في"، بينما ما زالت الشراكة الإعلانية بين قنوات "النهار" وقنوات "سي بي سي" قائمة على الرغم من أن هذه الشراكة كانت قد أعلنت عقب مشروع التعاون بين قنوات
"إم بي سي" والتلفزيون المصري الذي لم يكتمل.

وقد شكلت "النهار" و"سي بي سي" و"الحياة" تحالفاً إعلانياً مشتركاً قبل عام، ولكن هذا التحالف انفرط أخيراً بعد خروج قنوات "الحياة" منه وانضمامها لتحالف "برومو ميديا".

من جهتها، تحرّكت مجموعة من القنوات الفضائية التي تحظى بحصة محدودة من سوق الإعلانات في مصر، وهي قنوات "المحور" و"دريم" و"صدى البلد" و"الفراعين"، للانضمام إلى "آد لاين"، لتُشكّل كياناً موازياً للكيانات الكبرى الأخرى. ويبقى حصول وكالة "شويري" على الحقوق الإعلانية لقنوات "إم بي سي مصر"، كجزء من حقوق إعلانات مجموعة "إم بي سي" في العالم العربي، جزءاً مهماً من المنافسة في السوق المصرية.

وكان من المُفترض أن تحصل الوكالة على جزء من حقوق إعلانات التلفزيون المصري بعد بروتوكول التعاون الذي تم توقيعه منذ فترة بين التلفزيون المصري ومجموعة إم بي سي، ولكن بعض الفضائيات تدخّلت بالضغط على الحكومة لتجميد الاتفاق على الرغم من الخسائر الكبيرة التي سببها هذا التجميد للتلفزيون المصري الذي بدأ يبحث لنفسه عن آليات إعلانية مختلفة بسبب مشاكل التسويق التي يعاني منها، حيث لجأ التلفزيون أخيراً لبيع الحقوق الإعلانية لقناة "النيل" للرياضة لشركة "بريزنتيشن". كما أنّ هناك اتجاه لبيع الحقوق الإعلانية لبعض القنوات المهمة، مثل الفضائية والأولى ونايل سينما ونايل دراما، لمحاولة توفير جزء كبير من نفقات التلفزيون والدخول في دائرة المنافسة الإعلانية.

إقرأ أيضاً: يوسف الحسيني وجمال خاشقجي: تبادل اتهامات بالتبعيّة

تخفيض عدد الموظفين والرواتب

ومرّت قناة ONTV بالأزمة الماليّة، حيث إن بعض موظفي القناة لم يقبضوا مرتّباتهم منذ ثلاثة أشهر. وتتفاوت الأزمة بين الموظفين حسب قيمة مرتّباتهم، فمَن مرتّبه أكثر من 5 آلاف جنيه مصري، يتأخر راتبه حوالى ثلاثة أشهر، بينما من مرتّبه أقل يقبض كُلّ شهرين، وطالت هذه الأزمة مقدّمي برامج حواريّة معروفين في القناة، وتعتمد عليهم لجذب المشاهدين. ويوضح مصدر مُطلّع على الأوضاع في القنوات المصرية، لـ"العربي الجديد"، أنّ أزمة "أون تي في" تمثّلت في انقطاع الانترنت عن القناة، بين ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ويناير/ كانون الثاني من العام الحالي. كما يُشير المصدر إلى أنّ القناة صرفت موظفين.

شبكة CBC كانت الأكثر تأثّراً بالأزمة الماليّة. وعمدت القناة، بحسب مصادر "العربي الجديد"، إلى تعيين سمير يوسف، وهو زوج الإعلامية منى الشاذلي، كمدير لقنوات "سي بي
سي إكسترا" لحلّ الأزمة فيها، وجرى صرف موظفين عاملين في القناة. ليُصبح يوسف بعدها مديراً لقنوات الشبكة، ثّم تُقفل الشبكة قناة CBC 2، على أن تفتتح قناة modern sport مكانها، لكنّ المشروع لم ير النور، دون أن تُلغي القناة كلمة "موديرن سبورت قريباً" عن شاشتها تلك. ويقول المصدر، لـ"العربي الجديد"، إنّ القناة خفّضت مرتبات بعض الموظفين، وصرفت ما يصل إلى 140 موظفاً لديها، كما اعتمدت سياسة "أقل عدد موظفين بأقل كلفة، فأصبح كُل موظف يعمل لمدة 10 ساعات أو 12 بدل ثمان".





وتأثّرت قنوات "إم بي سي" بالأزمة أيضاً، فتمّ إقفال قناة MBC EGYPT 2، بحجّة إلغاء الدوري الرياضي في مصر، لكنّ الدوري عاد والقناة لم تعُد. كما تداولت وسائل إعلام مصريّة أنباءً عن وجود أزمة في قناة "الحياة" تمثّلت بتخفيض عدد الموظفين أو مرتّباتهم.

أما قناة "النهار"، فاعتمدت صيغة "تقليل البرامج السياسيّة"، لتحلّ مكانها برامج الترفيه، من المسلسلات إلى الطهو والرقص وغيرها. وبحسب مصادر "العربي الجديد"، تتأخّر رواتب الموظفين شهرياً، ليقبضوها آخر الشهر بدل أوّله. وعن إمكانّية أن يكون تبدّل سياسة "النهار" متعلقاً بالإعلانات، تقول المصادر إنّ "برنامج الإعلامي محمود سعد خُفّضت مدته من ساعتين ونصف إلى ساعة ونصف، وهو برنامج يجلب إعلانات كثيرة للقناة، ما يُبعد هذا الاحتمال".

إقرأ أيضاً: هل يواجه إبراهيم عيسى مصير أماني الخياط؟


الإعلان يتحكّم في سياسة القنوات

يقول أكاديمي في مجال الإعلام، إنّ تسلط شركات إعلان محدودة على مجال الإعلام يجعلها تحدد سياسات الصحف وبرامج الفضائيات أولاً وتنقل مذيعين وتختار غيرهم وفق ما تراه من دراسات ترويجية تعتمد في الأساس على سبل تحقيق الربح دون مضمون المادة الإعلامية أو
الإعلانية. ويوضح أن الخطر الأكبر يعود إلى أن الفضائيات تخضع لتأثير المعلنين عابري الحدود، ومن ثم لا يمكن الحديث عن دور وطني بعيداً عن مصالح أصحاب النفوذ والشركات المنتجة للبرامج الإعلامية والإعلانية. ويقول الخبير الإعلامي إن سطوة الدولة لم تعد كما في السابق بل تدخل الدولة في صفقة مع الشركات التي تحتكر الإعلان للترويج لمنتجها السياسي في مقابل إعطاء فرص أكبر لهذه الشركات للاستثمار في البلاد، ويرى أن البرامج الترفيهية وبرامج التوك شو والمسابقات أصبح لها نصيب الأسد على حساب البرامج الجادة والموضوعية.

ويرى أن اللغز في فض الإشكالية الجدلية بين سبب ورفض المشاهد أو القارئ للمنتج الإعلامي وبين قبوله التعايش معه أن هذا هو الممكن المتاح وهو ما يجعل القارئ يرى ويشاهد وهو في حالة رفض داخلي لكل ما يقدم.

ويعتبر الخبير الإعلامي أن الإعلان كان سبباً في تقليص دور المادة الإعلامية وتشويه دورها واختزاله في كل الوسائل بحيث تحولت المعركة حول الإعلانات إلى مرض خطير أصاب جميع أجهزة الإعلام المصرية وأصبح يمثل تهديداً حقيقياً لدور الإعلام ورسالته.


إقرأ أيضاً: النظام المصري لا يأبه لانتهاكات حقوق الإنسان