القنطار وعلوش وناجي الجرف

31 ديسمبر 2015

زهران علوش وناجي الجرف وسمير القنطار

+ الخط -
أنهت السنة المنصرمة أيامها الأخيرة بحوادث اغتيال ثلاثة أشخاص، ارتبط موتهم بما يجري في سورية، سمير القنطار وزهران علوش وناجي الجرف. اختلف السوريون واللبنانيون والفلسطينيون في مشاعرهم المعلنة إزاء مقتل هؤلاء. لم يكن الاختلاف في المشاعر المتضاربة أخلاقياً في نسبته إلى الموقف من الموت نفسه، فجميع الذين كتبوا، وأظهروا مواقفهم "القابلة" مقتل القنطار أو علوش أو الجرف يؤكدون أنهم لا يشمتون، فالموت حق على الناس جميعاً، وإن كانوا لا يخفون قبولهم الفاضح لموت من يعتبرونه خصماً في الصراع في سورية، وتعدد المواقف وفوضى الأطراف المشاركة فيه، فسمير القنطار، مثلاً، شغل حيزاً هائلاً من مشهد الانقسام بين الآراء والمشاعر، فهذا "المناضل" القديم في صفوف المقاومة الفلسطينية، والأسير ثلاثين عاماً في السجون الإسرائيلية، بقيت صورته لدى كثيرين، وخصوصاً الفلسطينيين، هي نفسها التي بدأ فيها حياته، منذ كان في السادسة عشرة من عمره، عندما شارك بعملية فدائية في فلسطين المحتلة وتم أسره. وقد نسجت حوله حكاياتٌ من البطولة، من غير أن تتم مناقشة العملية الفدائية التي شارك فيها، وقتل طفلة إسرائيلية في الرابعة من عمرها، كونها تنتمي إلى معسكر العدو، بطريقةٍ لا يقبلها الضمير الإنساني، لا في السبعينيات ولا الآن. بقيت عقول (وضمائر) الذين أسفوا لاغتيال سمير القنطار في سورية بغارة إسرائيلية، نفذت بالتنسيق مع موسكو، حليفتهم، ثابتةً في السبعينيات، حين كان الفلسطينيون لا يجادلون في جدوى تلك العمليات، وكان العرب يهللون لها، كونها تعبر عن رغبة مكبوتة لديهم في إلحاق الأذى بالعدو المحتل بأي شكل. وهكذا رأينا فصائل فلسطينية تنتمي إلى اليسار تقيم بيوت عزاء لسمير القنطار، ولا يلتفت أحدٌ منهم إلى النهج الذي اختاره القنطار، بعد خروجه من الأسر، والتحاقه بحزب الله مقاتلاً وقائداً في مخططاته لدعم النظام السوري الذي لم يعرف التاريخ وحشية كالتي ارتكبها بحق شعبه. بقي هؤلاء أسيري حلمهم المكسور، وإحباطهم الراهن في مواجهة العدو الإسرائيلي، وكان القنطار يمثل لهم انتصاراً للعجز في نفوسهم. ولذا، تراهم يغفرون له دوره في سورية، خصوصاً أن قاتله هو عدوهم التاريخي، وكان حزنهم عليه حزناً على أحلامهم المنكسرة.
ولم يكن زهران علوش أحسن حظاً في ردود الفعل على موته من القنطار، باستثناء أن قاتله الروسي هو حليف النظام الواضح والعلني، في لحظة تصاعد غضب السوريين المناهضين للنظام وحلفائهم ضد روسيا التي تلعب دوراً مهماً لإنقاذ النظام، بعد خمس سنوات من القتل والإنهاك. لم يمثل زهران علوش، على الرغم من انتمائه الملتبس إلى صفوف المعارضة السورية نموذجاً للمعارض الذي يتماثل مع أحلام السوريين الأولى في الثورة، ولا هو أبدى ما يخالف ذلك، فقد كان نموذجاً للإسلامي المتطرف في رؤيته وممارساته، أساء للمختلفين معه في الفكر والسياسة، واعتقل نشطاء مدنيين وديمقراطيين وأخفاهم، وسجن من يعترض على إدارته المناطق تحت سيطرته، واستعرض أمام الكاميرات رهائن من النساء والرجال في أقفاص، في مشاهد لا تذكّر إلا بداعش وغيرها.
باستثناء بعض الأصوات الطائفية في صفوف المعارضين ومؤيدي النظام، كان مقتل ناجي الجرف الأكثر مدعاة للحزن، وإظهاراً للشعور بالخسارة. حزن الجميع بكثافة يدل على حجم ما فقدوه باغتيال هذا الناشط المدني والإعلامي الديمقراطي. كان ناجي نموذجاً شارف على الانقراض في ميدان الصراع في سورية والجوار، بعد الاكتظاظ بالقوى الإسلامية والقوى المرتبطة بأجندات الأطراف العربية والدولية. كانت خسارة ناجي الجرف تذكيراً بالأمل الفتيّ وبالخسارات الأولى للنشطاء في بداية الثورة، مثل باسل شحادة وإبراهيم القاشوش وغيرهما من السوريين، وربما تذكيراً بالحلم الذي أضحى يقترب من المستحيل في المدى المنظور، وخصوصاً للذين امتلكوا حلماً آتياً من حلم شعبهم بالعدل والمساوة والحرية.
8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.