وكان إعلان الكويت الذي صدر عقب القمة العام الماضي، قد تحدث عن ضرورة تنفيذ كافة القرارات الصادرة عن مجلس التعاون، وإجراء مراجعة شاملة للقرارات التي لم تنفذ، وإيجاد الآليات المناسبة لسرعة تنفيذها، والعمل على إيصال تلك القرارات إلى المواطن الخليجي بالطريقة المناسبة للاطلاع على مضامينها والعمل بموجبها، كأهمية مواصلة العمل لتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون، وتذليل العقبات في طريق السوق الخليجية المشتركة، واستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي سعياً لزيادة التبادل التجاري بين دوله، واستكمال خطوات الاتحاد النقدي وصولاً إلى العملة الخليجية، بما يحقق التطبيق الشامل لبنود الاتفاقية الاقتصادية، ووفق برامج زمنية محددة.
لكن المواطن الخليجي لم يلمس بعد أثر هذه التوجهات في حياته اليومية إلا ما ندر، وهو ما يدفع بعدد من المفكرين والنخب الخليجية دائماً إلى إعادة النظر في آليات عمل مجلس التعاون الخليجي، وطريقة اتخاذ القرارات وتنفيذها على أرض الواقع.
وكان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي السابق عبد الرحمن العطية، قد لفت في كلمة ألقاها في افتتاح المؤتمر الذي أقامه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" السبت الماضي، إلى سلسلة من التحديات تواجه دول مجلس التعاون الخليجي، أبرزها ظاهرة "الإرهاب"، مطالباً بتفعيل الدعم الرسمي والشعبي للمنظومة الأمنية الخليجية لتبقى أكثر تماسكاً وتكاملاً في مواجهته.
كما أشار العطية إلى أن من هذه التحديات أيضاً، تحدي الهوية، والبطالة في أوساط الشباب، وتطوير مجلس التعاون الخليجي، وإعادة النظر في آلية اتخاذ القرارات الصادرة عن القمم الخليجية، والالتفات إلى قضايا الإصلاح والتنمية السياسية، وضرورة أن تطرق دول الخليج أبواب الإصلاح الشامل وتطوير البناء المؤسسي لمجلس التعاون.
يُضاف إلى ما سبق، بحسب العطية، التحديات الإقليمية، وأبرزها مسار العلاقات الخليجية الإيرانية، ومواجهة التحديات الدولية، وازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع قضايا المنطقة، مشيراً إلى أن كل هذه التحديات تشكّل قضايا ملّحة أمام دول مجلس التعاون، يجب التعاطي معها وبسرعة.
التعامل مع الاختلافات
يرى مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، عبدالله باعبود، أن الأهم خليجياً في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة التي تمر بها المنطقة والتحديات الأمنية التي تحيط بدول الخليج في العراق واليمن وسورية، هو معضلة العلاقة مع إيران، فضلاً عن تهاوي أسعار النفط عالمياً، وما سينتج منه من تبعات تنموية كبيرة، تستدعي من قادة دول مجلس التعاون، التعامل مع الاختلافات بين هذه الدول في توجهاتها وسياستها الخارجية والأمنية، ورسم علاقاتها الدولية على أنها شيء طبيعي لا يستدعي النزاعات.
ويشدد باعبود في حديث لـ"العربي الجديد" على ضرورة تحييد هذه الخلافات وإيجاد أرضية مشتركة تسمح بتطوير مجلس التعاون الخليجي، وإلا فإن أزمات المجلس ستستمر.
ويستبعد أن تتخذ قمة الدوحة قراراً بتوسيع المنظومة الخليجية، بضم الأردن والمغرب إليها، معتبراً أن قرار ضم الدولتين إلى المجلس كان مُستعجلاً ومُستغرَباً في آن واحد، وهو ما دفع بدول الخليج إلى تأجيله فيما بعد، وتحويل البلدين إلى "حليفين استراتيجيين" لدول المجلس.
ويرى باعبود أن "دعوة الأردن قد تكون مستساغة ومقبولة لقرب المملكة الجغرافي واعتمادها اقتصادياً على دول التعاون الخليجي، وهي سبق أن طلبت بالفعل الانضمام إلى مجلس التعاون"، لافتاً في المقابل إلى أن "دعوة المغرب غريبة، وهي لم تطلب الانضمام لمجلس التعاون بل فوجئت بهذه الدعوة، فالمغرب يريد أن يكون جزءاً من أوروبا، وليس جزءاً من الخليج العربي"، معتبراً أن "دول الخليج في هذه الظروف ليست في وارد توسيع المنظومة الخليجية، بل السعي للمحافظة عليها".
ويعتقد باعبود أن قمة الدوحة "لن تبحث مقترح التحول من التعاون إلى الاتحاد، فهو موضوع حساس، وربما يؤدي إلى تفكيك المنظومة الخليجية، في حال الإصرار عليه، وهو ما هددت به سلطنة عمان، كما هو معروف".
ويلفت في هذا الصدد إلى أن العديد من المشاريع المشتركة والتكاملية بين دول المجلس، كالسوق المشتركة والاتحاد الجمركي، والمواطنة الخليجية، والوحدة النقدية، ما زالت تواجه العوائق والعراقيل لأسباب مختلفة، ولم يُنفّذ منها إلا القليل.
مفوضية للمجلس
من جهته، يطالب أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت محمد غانم الرميحي، قادة دول مجلس التعاون الخليجي، بالاتفاق تجاه القضايا الساخنة في المنطقة، "فالأمور وصلت إلى الرقبة".
ويرى الرميحي في حديث لـ"العربي الجديد" أن الخلافات الخليجية-الخليجية أضعفت المواقف العربية، مؤكداً ضرورة أن تحسم دول مجلس التعاون مواقفها، فيما يتعلق بقضايا سورية والعراق والملف النووي الإيراني والعلاقة مع إيران، والقضايا الأخرى الساخنة وبالتحديد تجاه ما يجري في مصر، والعلاقة مع "الإخوان المسلمين"، التي لا يستبعد أن تُبحث في الاجتماعات المغلقة للقمة الخليجية.
ويضيف أنه ليس بالضرورة أن تتوحّد مواقف الدول الخليجية تجاه ما يجري في مصر أو الموقف من الإسلام السياسي، فالتعددية مطلوبة في المواقف السياسية الخارجية، وهي عامل قوة لا خلاف، وتدل على ذلك مواقف دول الاتحاد الأوروبي، التي تختلف سياسات دولها في العديد من القضايا حسب مصالح هذه الدولة أو تلك، لكن المفوضية الأوروبية تمثّل مواقف الاتحاد الأوروبي في القضايا العامة والرئيسية.
من هنا يرى الرميحي "ضرورة إنشاء مفوضية سياسية مستقلة، تقوم بدور سياسي وتطبخ القرارات وترسلها لقادة مجلس التعاون الخليجي، لاتخاذ القرارات بصددها".