القطيعة بعد فشل المقاطعة

31 يوليو 2017
+ الخط -
بات واضحاً انتهاء الأزمة الخليجية من دون وصول الدول الأربع التي تقاطع قطر إلى مراميها. ولم يعد سراً أن مواقف القوى الكبرى صارت أكثر وضوحاً ومباشرة في انتقادها الإجراءات التي تم فرضها ضد قطر، وكذلك المطالب التي قدّمتها الدول الأربع، ووصفتها معظم العواصم الغربية بأنها "غير واقعية". ويبدو أن الدول الأربع، أدركت مآل الأزمة إلى لا شيء، فانعكس ذلك الإدراك إحباطاً جسّدته تصريحات رسمية، تحمل تسليماً بانتهاء الأزمة، ويأساً من ضيق (ومحدودية) الخيارات المتاحة أمامها. في هذا السياق، جاءت تغريدات وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، إن الوضع الراهن سيستمر فترة، وإن العلاقات بين دول الخليج ستصير مختلفة، أو حسب تعبيره نصاً "سوف تظهر وتتعزّز علاقات جديدة". ولا يحتاج الأمر إلى تفسير، فالوضع القائم مستمر حتى إشعار آخر، أي إلى أمد غير معلوم. ما يعني ليس فقط انعدام الخيارات أمام الدول الأربع، لكن أيضاً إقرار منها بذلك. وهو ما جسّده، عن غير قصد بالطبع، اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع أمس الأحد في المنامة. إذ لم يختلف كثيراً عن الأول الذي استضافته القاهرة قبل شهر، فجاء عاماً غير محدّد، وخطابياً إلى حد كبير.
ومن دلائل استشعار الدول الأربع حرج موقفها، بعد أن رفعت سقف مطالبها في بداية الأزمة، أن المواقف الجديدة التي يمكن وصفها تراجعية، عبّر عنها مسؤولون آخرون خلاف وزراء الخارجية الذين حملوا لواء التصعيد والتشدّد، ووضع مطالب "غير قابلة للرفض"، كما وصفها وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، وقتئذ. فتولى قرقاش التعبير عن التراجع الإماراتي، واضطلع مندوب السعودية في الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي، بعملية تخفيف المطالب، بعد أن كان وزير الخارجية، عادل الجبير، يدفع نحو التصعيد ضد قطر.
الجديد الذي يمكن انتظاره بعد التراجع أن تغير تكتيكها تجاه قطر. من تفجير الخلاف وإشعال الموقف وفرض حصار ومقاطعة، إلى مأسسة الضغوط والإجراءات السلبية وتحويل المقاطعة إلى قطيعةٍ دائمة. وبعد أن كانت المقاطعة شاملةً وعميقةً، ولم تراع نواحي إنسانية واعتبارات عملية، ستكون القطيعة جزئيةً ومركّزة، خصوصاً في الإطار الدبلوماسي والاقتصادي. حيث ستستمر الضغوط والمحاولات الدبلوماسية لعزل قطر، خصوصاً في الإطار العربي، مع مزيد من الترويج الإعلامي لصورة قطر دولة راعية للإرهاب. إجمالاً، بدأ العمل بالفعل على تحويل المقاطعة الشاملة التي بدت عقاباً قاسياً لكنه مؤقت، إلى قطيعةٍ دائمةٍ وقواعد ثابتة. تجعل العلاقة مع قطر أشبه بالعلاقات بين الأعداء والدول المتحاربة. وفي هذا الاتجاه، ستغيّر الدول الأربع أهدافها لدى الدول الأخرى، سواء العربية أو الأجنبية، من دعم موقفها والضغط على الدوحة لتلبية مطالبها وشروطها، إلى مشاركتها القطيعة وعزل قطر عملياً. ولتحقيق هذه الغاية، يحتاج الأمر أولاً إلى إقناع الدول الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. وثانياً إلى حشد موقف شعبي وإعلامي داعم لهذا التوجه.
وأقوى وسيلة لتحصيل هذا الدعم المطلوب هي إثارة مشاعر الخوف واللعب على وتر الهواجس الأمنية لدى الغرب، خصوصاً الأميركيين. سواء فيما يتعلق بالمستقبل، أو بالنسبة للمحطات المأساوية المهمة عندهم. وبدأ بالفعل العمل على فتح ملفات قديمة من منطلقٍ مختلف، يقوم على افتراض وجود علاقة أو دور قطري فيها. مثال ذلك، إحياء ملف تفجيرات "11 سبتمبر". والسعي، عبر بعض وسائل الإعلام، إلى اختلاق صِلةٍ ما لقطر بها. ومعلوم بالطبع ما لهذه الأحداث من وقع مأساوي على الذهنية الأميركية، وانعكاساتها الكارثية على الرؤية والسلوك الأميركيَيْن تجاه العالم الإسلامي. ولا يعني ذلك بالطبع أن الأميركيين سينساقون وراء تلك المحاولات. خصوصا أن الإدارة الأميركية تواجه مشكلات وضغوطا داخلية كثيرة، ولا تملك رفاهية الاستجابة إلى المساعي الخليجية. وبعد أن رفضت واشنطن منطق المقاطعة والحصار، لن تشارك في فرض عزلةٍ وقطيعة، وستترك الخطوة لأصحابها، يقومون بها ويتحملون تداعياتها.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.