القصة الكاملة لاستقالة الحريري وإقامته في السعودية والمقابلة التلفزيونية

12 نوفمبر 2017
كلما استعجل اللبنانيون عودة الحريري تأخّرت (حسين بيضون)
+ الخط -
تُظهر الحيثيات التي رافقت استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، من الرياض، في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني، كأن هناك رغبة سعودية في إبقاء اللغز موجوداً في ما يتعلّق بالوضعية التي يعيشها الرجل حالياً، ومصيره الشخصي والسياسي.

وأمام الكمّ الهائل من التسريبات الإعلامية التي تتعلّق بحالة الحريري اليوم، بين روايات الاحتجاز والإقامة الجبرية أو المكوث الحرّ في منزله بالرياض، ينقل "العربي الجديد" عن مصدر مقرب من الحريري معلومات حول الاستقالة وما رافقها وما سبقها والحالة القانونية ــ السياسية التي يعيشها الحريري اليوم. فهل استقال الحريري من تلقاء نفسه؟ أو تم دفعه من قبل القيادة السعودية إلى الاستقالة؟ أو أنه أُرغم على فعل ذلك؟ هل هو اليوم يعيش في ما يُشبه الإقامة الجبرية في المملكة؟ أو أنه فعلاً يقيم هناك في منزله بناءً على قراره؟ وكيف يمكن فهم النفي السعودي البارد لمسألة الاحتجاز، على لسان القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان بالإنابة، وليد البخاري؟ ولماذا لم يخرج حتى الآن الحريري بتكذيب لروايات الإقامة الجبرية ويخاطب اللبنانيين من خارج السعودية مثلاً أو عبر قناة تلفزيونية غير تابعة للمملكة؟

لا احتجاز بل مصادرة قرار

يقول المصدر المقرّب من رئيس الحكومة اللبنانية، المستقيل شفهياً حتى الآن، إنه لا يوجد احتجاز بالمعنى القانوني للحريري حالياً في السعودية، وأنه "نظرياً يمكنه السفر"، بدليل زيارته الأسبوع الماضي إلى أبوظبي، وظهوره مرتين: الأولى خلال استقباله الملك سلمان عائداً من المدينة إلى الرياض، وقبلها خلال زيارته الملك في الرياض، يوم الأحد الماضي.

لكن المصدر نفسه يعترف بأنه "يمكن الحديث عن مصادرة قرار الحريري بالمعنى السياسي". ويجزم المصدر بألا علاقة من قريب أو من بعيد للتعاطي السعودي الحالي مع الحريري، بما يحصل من توقيفات بالجملة لرجال أعمال ومسؤولين سعوديين تحت عنوان "محاربة الفساد". ويشرح المصدر أنه قبل تقديم استقالته، في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، من على شاشة قناة "العربية"، خاطبت القيادة السعودية الحريري، بشكل شبه حرفي، لتسأله: "هل أنت معنا أم ضدنا؟ فإن كنت معنا (في المواجهة ضد إيران وحلفائها في المنطقة)، فعليك أن تستقيل وأن تعلن الحرب الكلامية على حزب الله وعلى إيران". بناءً على هذه الرسالة، فهم الحريري أن عليه الاستقالة لعلمه باستحالة بقائه على رأس حكومة يشارك فيها حزب الله وحلفاؤه بقوة، في بلد رئيس جمهوريته حليف لصيق بحزب الله.


الخطوة التالية
ويكشف المصدر المقرب من الحريري، لـ"العربي الجديد"، أن الأخير "لا يزال ينتظر القرار السعودي حول الخطوة التالية التي لم يبلّغ بها بعد (حتى مساء السبت)". وبحسب المصدر، فإن هذا هو السبب الذي يمنع الحريري حتى الآن من التحرّك والخروج من السعودية "قبل أن يفهم ما الذي يريدونه منه". وهذا هو أيضاً السبب الذي حال دون خروجه بحوارات إعلامية ينفي فيها مثلاً شائعات احتجازه أو فرض الإقامة الجبرية عليه، قبل اتضاح الصورة لديه بخصوص خريطة الطريق السياسية التي تتصوّرها السعودية حيال الملف اللبناني، وما تقول إنه مشروع مواجهة إيران ومليشياتها في لبنان، ممثلة في حزب الله والقوى السياسية التي تؤمن للحزب شرعية سياسية.

وعلى ذمّة المصدر المقرّب من الحريري، فإن العناوين العريضة للخطة السعودية اليوم، حيال لبنان، تقوم على الضغط بهدف جعل اللبنانيين، أو غالبية معتبرة منهم، يثورون على حزب الله، فإن نجحوا يكون المشروع سائراً وفق ما هو مرسوم له لضرب حزب الله من الداخل والخارج، أما إن فشل، "فلا أسف على لبنان من بعد ذلك، فليخرب"، على حد تعبير المصدر المقرّب من الحريري ومن القيادة السعودية.

ووفق الرواية نفسها، تحاول السعودية بالفعل الدفع باتجاه ضربة عسكرية لحزب الله، بما أن القيادة في الرياض مقتنعة بأن إسرائيل و/ أو الولايات المتحدة ستقومان بالفعل بشنّ حرب على حزب الله، انطلاقاً من سورية وصولاً إلى لبنان، أو في لبنان فقط، وبالتالي فإن حكام الرياض يصعّدون تجاه الملف اللبناني، استناداً إلى هذا المعطى.

قصة المقابلة التلفزيونية
كذلك يكشف المصدر المقرّب من الحريري، لـ"العربي الجديد"، كواليس حول المقابلة التلفزيونية المقرّر بثها اليوم مع الحريري، مع الإعلامية اللبنانية بولا يعقوبيان. يقول المصدر إن السعوديين "طلبوا إجراء المقابلة عبر شاشة العربية ومن خلال الإعلامي تركي الدخيل تحديداً". لكن الحريري، والكلام للمصدر المقرّب منه، "كان رأيه، مع مساعديه، أن تتم المقابلة في فرنسا، لكن القيادة السعودية رفضت ذلك"، وهو ما يمكن فهمه على أنه إشارة إلى أن مغادرة الحريري الرياض "لن تكون قريبة، مع أن الحريري وفريقه يلحّون على ذلك".

وأمام الإصرار المتبادل، السعودي لناحية أن تكون المقابلة مع "العربية" وتركي الدخيل تحديداً، في مقابل تفضيل الحريري أن تحصل خارج السعودية لأنه سيكون محرجاً للغاية بإجرائها من قناة سعودية، بعد تقديم استقالته بالشكل الذي حصل، "وافق السعوديون على أن تتم مع قناة لبنانية"، وربما تنقل المقابلة، حين تُبثّ، جميع القنوات اللبنانية مثلما أوحت مصادر إعلامية في لبنان.

بن سلمان: الأمر لي
ويلخّص المصدر المقرّب من الحريري طريقة التعاطي السعودي مع الحريري، منذ تقديم استقالته حتى اليوم، قائلاً إن القيادة السعودية، تحديداً ولي العهد، محمد بن سلمان، كأنه يريد القول "الأمر لي في ما يتعلق بسنّة لبنان"، وهو ما يمكن أن يشرح وضعية الحريري اليوم، كونه ليس محتجزاً أمنياً أو قانونياً، لكن قراره السياسي مصادر بالفعل. وحول مصير الحريري، لناحية مغادرة السعودية من عدمها، أو العودة إلى لبنان من عدمها، يجيب المصدر قائلاً إن المسؤولين السعوديين "يحاولون أن يكون القرار بذلك بناء على أجندة سعودية، لا بناءً على رغبة الحريري أو اللبنانيين أو الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أو رئيس الجمهورية ميشال عون". بكلام آخر، فإنه "كلما طالب اللبنانيون بعودة الحريري واستعجلوا الأمر تأخر صدور الموافقة السعودية على العودة كي لا تظهر الرياض كأنها استجابت للضغوط".

المساهمون