وسط توجّه محموم إلى كتابة الرواية، فضّل بعض الكتّاب الجزائريين كتابة القصّة القصيرة في وقت بات هذا الجنس الأدبي يعيش تراجعاً ملحوظاً، خصوصاً في السنوات الأخيرة التي لم تشهد صدور مجموعة قصصية لافتة.
"مغلق أو خارج نطاق التغطية" (دار الكلمة)، المجموعة القصصية الثالثة للكاتب الخيّر شوّار، بعد "زمن المكاء" (2000) و"مات العشق بعده" (2006)، وفيها يواصل الاشتغال ضمن حقلٍ يبدو الأقرب إليه، مقارنةً بالرواية التي أصدر فيها عملين هما "حروف الضباب" (2008) و"ثقوب زرقاء" (2013)، ثم لم يلبث أن عاد إلى "بيته" الأوّل.
يظهر النفَس التجريبي واضحاً في القصص، كما تظهر المحلّية وجنون الطفولة، والقراءات المختلفة، حيث "الكتابة عن الكتابة" التي انتهجها القاص لاستحضار بعض التجارب العالمية وإعطائها صبغة ذاتية ومحلّية، ضمن أسلوب قريب من التأريخ، ومن لغة الصحافة التي تُوهم القارئ أنه بصدد وقائع حدثت بالفعل.
وتُصدر القاصّة فايزة مصطفى عملها القصصي الثاني بعد "أزرق جارح" (2009). مجموعتها، التي تصدر عن "دار الفيروز" بعنوان "البرّاني" (الغريب بالعامية الجزائرية)، تدور حول ثيمة الاغتراب/ الاغتراب داخل الوطن وخارجه، وترصد حالة الانغلاق التي تخيّم على البلاد، لتقارب التغيّرات التي طرأت على مفهوم المكان من خلال نفسيات شخصّياتها؛ سواءً تلك المتخيّلة مثل "الحرّاقة" المهاجرين السرّيين، أو تلك المستحضَرة من التاريخ المعاصر؛ مثل الأب فوكو والرحّالة إيزابيل إبيرهارت اللذين عاشا في الجزائر.
نقرأ في العمل عدداً من القصص؛ من بينها: "ديار الشمس"، التي جاءت في شكل حوارية بين البطل، وهو "حركي" وبين الرسام إيتيان دينيه الذي عاش في الجزائر. أمّا "البرّاني"، فتتحدث عن العشرية السوداء التي راح ضحيتها أيضاً أفراد من الجاليات الأجنبية في الجزائر.
وإذا كانت العادة قد درجت على أن تكون القصّة القصيرة هي المحطّة الأولى قبل الانتقال إلى الرواية، فإن عبد الوهاب عيساوي قرّر المضيّ خارج هذا التوجّه؛ حيث يُصدر مجموعة قصصية بعد روايتيه "سينما جاكوب" (2013)، و"سييرا دي مويرتي: جبل الموت" (2015). تضمّ "مجاز السرو" (منشورات بغدادي) ثماني قصص قصيرة؛ من بينها واحدة بالعنوان نفسه، وهي سيرة ذهنية للفنان فان غوغ ومحاولة لإعادة قراءة لوحاته كتناص في السرد.
كما تصدر للكتاب علاوة كوسة مجموعة بعنوان "المقعد الحجري"، عن "جميرا للنشر والتوزيع" في الإمارات، تتضمّن قرابة مئتي قصّة قصيرة جدّاً. في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول صاحب "بلقيس" إن النصوص كُتبت "بشكل مكثّف وامض وولغة إشارية حادّة، جمعت بين موضوعات عديدة بين يومي معيش وهامشي بكل مقولاته ومسكوتاته".
أمّا كريمة عيطوش، فتُصدر باكورتها الأدبية عن "دار ميم" بعنوان "الوجهُ الثالث للموناليزا"، متضمّنةً ثماني قصص تتطرّق إلى قضايا إنسانية واجتماعية عديدة، على رأسها وضع المرأة في مجتمع ذكوري.