القصائد التي أساءت لحبيبات الشعراء

19 أكتوبر 2015
عنترة بن شداد (Getty)
+ الخط -
تحكي الأسطورة أن حبيبات الشعراء قديماً، لم يكن جميلات، ويقول المروجون لهذه الأسطورة إن مقاييس الجمال كانت مختلفة عن مقاييس اليوم، مستشهدين ببيت شعر منسوب إلى قيس قاله في ليلى معشوقته:

"وقالوا عنك سوداء حبشيةٌ ولولا سواد المسك ما انباع غاليا"

ويبدو أن هذا البيت قد أساء إلى فاتنات الشعراء في ذلك الوقت، حيث يقول البعض إن مقاييس الجمال قديما كانت تختلف كليا عن مقاييس الجمال الآن، فـ"ليلى" محبوبة "قيس" كانت "حبشية"، كما يقول بيت الشعر، و"هريرة" حبيبة "الأعشى" كانت مليئة باللحوم والشحوم كما فسرها البعض في شعر حبيبها:

"غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل" 

لكن تلك التفسيرات التي نالت من جمال معشوقات العرب، أثارت حفيظة الدكتور عبد الحكيم راضي، أستاذ اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة القاهرة، عضو مجمع اللغة العربية، الذي دافع بضراوة عن الجمال قديماً، مؤكدا أنه لا يوجد جمال يوازي أو حتى يقترب من جمال النساء قديما كماً أورده الشعر العربي.

قائلا: "الشعر العربي ينضح حبا للمرأة، ووصفا في مفاتنها وجمالها الذي ليس له مثيل"، موضحا "الشعراء قديما لم يتركوا شيئا في المرأة إلا وصفوه بدءا من جبينها وأنفها وعينها وشعرها وصولا إلى تفاصيل جسدها"، ويشير الدكتور راضي إلى شعر عمرو بن ربيعة:

"بعيدة مهوى القرط إما لنوفل أو عبد شمس وهاشم" 

ويفسر البيت قائلا: "في ذلك البيت يصف القرط كيف كان يتدلى في تلك المسافة من الأذن إلى الحلق، ويقصد بها أن رقبتها كانت طويلة، وهذا من مفاتن الجمال، غير المرأة قصيرة الرقبة، فالقرط يضطرب ذهابا وإيابا متعلقا في الأذن من جمال وطول الرقبة".

ويشير الدكتور راضي إلى شعر ابن الرومي:

"أجنت لك الوجد أغصان وكثبان فيهن نوعان تفاح ورمان
وفوق ذيلك أعناب مهدلة سود لهن من الظلماء ألوان
غصون بان عليها الدهر فاكهة وما الفواكه مما يحمل البان" 

ويشرح راضي قائلا: "في هذا الشعر يصف جمال المرأة بأنها غصن البان، خصرها وقدها كما البان، ورغم أن البان شجر لا يطرح، إلا أن جسدها طرح فاكهة فخدها كالتفاح، وثديها كالرمان، وشعرها أسود كالعنب المهدل".

يؤكد الدكتور راضي أنه لا يوجد أبيات شعر أساءت لجمال المرأة قديما، موضحا "ربما التفسيرات وصلت خطأ للبعض نظرا لصعوبة الكلمات واللغة العربية، وهو ما أدى إلى هذا اللبس"، مسترشدا بشعر الأعشى لمحبوبته هريرة:

"غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل

كأن مشيتها من بيت جارتها مر السحابة لا ريث ولا عجل"

ويقول "وصفها بأنها بيضاء طويلة أو طويلة الشعر، منتظمة الأسنان، تمشي ببطء أو على مهل، وهنا اعتقد البعض أنها مليئة اللحم، أو ضخمة فلا تقدر على المشي، وهذا تفسير خاطئ، والصحيح أنها فعلا كانت تمشي على مهل كمشي السيدة الراقية وليست مسرعة أو متعجلة كمشي الخادمة"، متابعا" حتى جاء في البيت الذي تلاه، مر السحابة لا ريث ولا عجل، أي أنها تمشي بتأن وهدوء في انسيابية كالسحاب"، موضحا "هنا حتى وصف جمال أسنانها، فالشعراء لم يتركوا شيئا في جمال المرأة إلا وصفوه".

ويسترشد راضي بدقة خصر المرأة قديما في شعر أبي تمام، موضحا أن ما يقال عن زيادة وزن المرأة، في ذلك الوقت ما هو إلا تجن.
من الهيف لو أن الخلاخل صُيرت لها وُشُحًا جالت عليها الخلاخل

قائلا "وهنا يصف دقة خصرها، لو أن خلخال من الذي كانت ترتديه النساء قديما في أرجلها للزينة، لف حول خصرها يكون بمثابة وشاح كبير عليها، وهذه مبالغة في دقة الخصر".
وأيضا يذكر شعر عمرو بن مالك:

دقت وجلت واسبكرت وأُكملت فلو جن إنسان من الحسن جنت

وهنا يفسر الدكتور راضي قائلا "الشاعر يصف مفاتنها وحسنها، حيث إنها دقيقة في مواضع يفترض فيها الدقة كالخصر، ومتضخمة في مواضع يستحسن فيها الضخامة كالعجيزة والأرداف، فهي جميلة وكل شيء فيها كامل".

وبالعودة إلى شعر قيس في ليلى، يقول الدكتور راضي "قيس كان يتبع مدرسة الغزل العفيف، الذي يكتب عن السهد ولوعة الحب، ويبتعد عن وصف المفاتن، لكن يتحدث عن رؤية المحبوب، فهذا بيت واحد من قصائد كثيرة كتبت في ليلى، تحمل حبا جما لها، وقد يكون هذا البيت منسوبا إلى قيس وهو لم يكتبه"، موضحا "حتى النقاد، ما وجدوا شعرا غزلا جيدا في ليلى، أي ليلى، حبيبة أي أحد، نسبوه إلى قيس حتى لو لم يكتب لليلى محبوبة قيس"، مؤكدا أن الجمال قديما كان أفضل وأغنى بكثير من الجمال الحالي"، مختتما كلامه: "يا ريت الجمال حاليا كالجمال القديم في العرب".



اقرأ أيضاً: الموسيقى التي لا تهدأ طوال السنة
دلالات
المساهمون