16 نوفمبر 2024
القدس المحتلة.. المواجهة الأخيرة
هل من إنسان كان يعتقد أن الولايات المتحدة لن تنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة، معلنة أن الأخيرة "عاصمة لإسرائيل"، سوى "لاحقاً"، مع تجهيل توقيت هذا "اللاحق"؟ هل من أحدٍ كان يتصوّر أن الأميركيين انتظروا طوال هذه الفترة، منذ عام 1995 تاريخ اتخاذ قرار في الكونغرس يلزم واشنطن بنقل السفارة، فقط لاستمزاج الرأي بغية التراجع عن هذا الإعلان لاحقاً، أو لأنهم يعملون بدأبٍ على إجهاض أي مقاومةٍ محتملةٍ لهذا القرار، سياسياً وعسكرياً؟
في السياسة، كان ما فعله الأميركي "حتمياً"، وفقاً للمسار المعمول به، فجميع القادرين على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي باتوا أضعف مما قبل، في الداخل الفلسطيني وفي الخارج العربي. في البدء، لا يُمكن اعتبار أن ترامب جاء بشيء مفاجئ، فلو كانت هيلاري كلينتون أو بيرني ساندرز مكانه، لكانا أعلنا الأمر نفسه، مع اختلاف التوقيت والظروف ربما. كما أنه لا يُمكن اعتبار أن خطوة ترامب لم تكن متوقعةً، فأضعف الإيمان هو توقع كل شيء من رجلٍ لا يمكن التنبؤ بتصرّفاته كالرئيس الأميركي الراهن.
أمنياً، استعدّ ترامب جيداً لتداعيات كلمته. وهو ما بدا من عملية نقل عناصر من المارينز الأميركي إلى سفارات المنطقة، لحمايتها من أي مواجهة قد تحدث مع محتجين، خصوصاً في عمّان وبيروت والقاهرة وبغداد وأنقرة، كما أن التشابكات في الداخل الفلسطيني، بين حركتي حماس وفتح، سرّعت من عملية الإعلان. إضافة إلى ذلك، يستند ترامب على قاعدة دعم عربية غير مباشرة، ستسمح، وفقاً له، بإضعاف جبهة المعارضة لنقل السفارة. وقد شكلت هذه القاعدة كل ما كان يحتاجه الرئيس الأميركي للاتكال عليه، في ظلّ تسريبات متلاحقة من واشنطن وتل أبيب إن دولا عربية علمت بخبر نقل السفارة، "لكنها أبدت توجسها من التوقيت فقط".
بناء عليه، من المفترض أن تكون الخطوة التالية واحدةً من اثنتين. إما بدء شرارة انتفاضة قد تتحوّل إلى أعمال عسكرية تستنزف الاحتلال الإسرائيلي، بما قد يدفع إلى تغيير الوضعية السياسية في أي مفاوضاتٍ في شأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، انطلاقاً من القدس، أو انتهاء موجة الاعتراضات سريعاً، مهما كانت كلفتها، وبدء سلسلة من الإعلانات الغربية، بنقل السفارات من تل أبيب إلى القدس المحتلة، واعتبارها "عاصمة لإسرائيل".
في الخيار الأول، تُعتبر "حتمية" المواجهة أمراً طبيعياً، فيُفترض أن يكون "الحق" أقوى من الظلم. لكن تاريخ الشرق الأوسط دائماً ما كان ظالماً، ونادراً ما أنصف ناسه. والمواجهة، إن حصلت، قد تكون آخر مواجهة بين المحتل وأصحاب الأرض، حتى أنها قد تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل. الأمر لا يتعلق بالإعلان بحدّ ذاته، أو بمبدأ الاحتلال، فالإعلان كان مرتقباً في وقتٍ ما، والاحتلال مستمرّ منذ عام 1948، غير أن الأمر مرتبطٌ بمحورية القدس التي بسقوطها عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، تنتفي معها كل الحقوق، بدءاً من حق عودة اللاجئين وصولاً إلى تهجير من تبقّوا من الفلسطينيين في ديارهم.
في الخيار الثاني، سيؤدي سقوط الاعتراضات سريعاً إلى تسارع موجة الاعترافات لدى دول، منها من يبحث عن "أمن أميركي" في مواجهة روسيا، كدول البلطيق والشرق الأوروبي، ومنها من يريد ضمان الحماية الأميركية في مواجهة الصين، في بحر الصين الجنوبي وجواره. وإن لم تتمكن المواجهة الميدانية من عرقلة مسار الإعلان الأميركي، فإن تتالي الاعترافات بـ"القدس عاصمة لإسرائيل" سيكون متلاحقاً، وفي المدى المنظور. يشبه الأمر تماماً ما حصل مع الاعتراف بـ"دولة إسرائيل" في الأمم المتحدة عام 1948. ولن تكون المرحلة الحالية فاصلة للقدس فحسب، بل للقضية الفلسطينية برمّتها. فعلياً، إنه وقت الامتحان لقضيةٍ دارت حولها كل القضايا الشرق أوسطية.
في السياسة، كان ما فعله الأميركي "حتمياً"، وفقاً للمسار المعمول به، فجميع القادرين على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي باتوا أضعف مما قبل، في الداخل الفلسطيني وفي الخارج العربي. في البدء، لا يُمكن اعتبار أن ترامب جاء بشيء مفاجئ، فلو كانت هيلاري كلينتون أو بيرني ساندرز مكانه، لكانا أعلنا الأمر نفسه، مع اختلاف التوقيت والظروف ربما. كما أنه لا يُمكن اعتبار أن خطوة ترامب لم تكن متوقعةً، فأضعف الإيمان هو توقع كل شيء من رجلٍ لا يمكن التنبؤ بتصرّفاته كالرئيس الأميركي الراهن.
أمنياً، استعدّ ترامب جيداً لتداعيات كلمته. وهو ما بدا من عملية نقل عناصر من المارينز الأميركي إلى سفارات المنطقة، لحمايتها من أي مواجهة قد تحدث مع محتجين، خصوصاً في عمّان وبيروت والقاهرة وبغداد وأنقرة، كما أن التشابكات في الداخل الفلسطيني، بين حركتي حماس وفتح، سرّعت من عملية الإعلان. إضافة إلى ذلك، يستند ترامب على قاعدة دعم عربية غير مباشرة، ستسمح، وفقاً له، بإضعاف جبهة المعارضة لنقل السفارة. وقد شكلت هذه القاعدة كل ما كان يحتاجه الرئيس الأميركي للاتكال عليه، في ظلّ تسريبات متلاحقة من واشنطن وتل أبيب إن دولا عربية علمت بخبر نقل السفارة، "لكنها أبدت توجسها من التوقيت فقط".
بناء عليه، من المفترض أن تكون الخطوة التالية واحدةً من اثنتين. إما بدء شرارة انتفاضة قد تتحوّل إلى أعمال عسكرية تستنزف الاحتلال الإسرائيلي، بما قد يدفع إلى تغيير الوضعية السياسية في أي مفاوضاتٍ في شأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، انطلاقاً من القدس، أو انتهاء موجة الاعتراضات سريعاً، مهما كانت كلفتها، وبدء سلسلة من الإعلانات الغربية، بنقل السفارات من تل أبيب إلى القدس المحتلة، واعتبارها "عاصمة لإسرائيل".
في الخيار الأول، تُعتبر "حتمية" المواجهة أمراً طبيعياً، فيُفترض أن يكون "الحق" أقوى من الظلم. لكن تاريخ الشرق الأوسط دائماً ما كان ظالماً، ونادراً ما أنصف ناسه. والمواجهة، إن حصلت، قد تكون آخر مواجهة بين المحتل وأصحاب الأرض، حتى أنها قد تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل. الأمر لا يتعلق بالإعلان بحدّ ذاته، أو بمبدأ الاحتلال، فالإعلان كان مرتقباً في وقتٍ ما، والاحتلال مستمرّ منذ عام 1948، غير أن الأمر مرتبطٌ بمحورية القدس التي بسقوطها عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، تنتفي معها كل الحقوق، بدءاً من حق عودة اللاجئين وصولاً إلى تهجير من تبقّوا من الفلسطينيين في ديارهم.
في الخيار الثاني، سيؤدي سقوط الاعتراضات سريعاً إلى تسارع موجة الاعترافات لدى دول، منها من يبحث عن "أمن أميركي" في مواجهة روسيا، كدول البلطيق والشرق الأوروبي، ومنها من يريد ضمان الحماية الأميركية في مواجهة الصين، في بحر الصين الجنوبي وجواره. وإن لم تتمكن المواجهة الميدانية من عرقلة مسار الإعلان الأميركي، فإن تتالي الاعترافات بـ"القدس عاصمة لإسرائيل" سيكون متلاحقاً، وفي المدى المنظور. يشبه الأمر تماماً ما حصل مع الاعتراف بـ"دولة إسرائيل" في الأمم المتحدة عام 1948. ولن تكون المرحلة الحالية فاصلة للقدس فحسب، بل للقضية الفلسطينية برمّتها. فعلياً، إنه وقت الامتحان لقضيةٍ دارت حولها كل القضايا الشرق أوسطية.