القدس.. التاريخ والراهن .. تفاوض مؤجل وطوق استيطاني

01 ديسمبر 2014

مشهد عام للبلدة القديمة في القدس (29أكتوبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

القدس من أهم المدن عند المسلمين، ففيها أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وهي تمثل المحور الأساسي للصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وإحدى أهم قضايا الحل النهائي، والتي تم إرجاء البحث بشأنها، بالنظر إلى تعقد حلها. تقع المدينة في وسط فلسطين، وتعتبر أكبر المدن من حيث المساحة فيها. تبعد عن عمّان 88 كم، وعن دمشق 290 كم، وعن بيروت 388 كم، وعن القاهرة 528 كم.
عمرها نحو خمسين قرناً. بناها العرب الكنعانيون قبل ظهور بني إسرائيل. تعاقبت أمم كثيرة عليها منذ تأسيسها، وشهدت حروباً كثيرة، وتمت إعادة بنائها وهدمها نحو 18 مرة خلال تاريخها. وقد بنى السلطان العثماني، سليمان القانوني، عام 1542 سوراً يحيط بالقدس القديمة، يبلغ محيطه نحو 4 كم، وله سبعة أبواب هي: الخليل، الباب الحديد أو عبد الحميد، العمود أو باب النصر، الساهرة، ستنا مريم (باب الأسود)، المغاربة، النبي داود. وتشتهر بحاراتها القديمة، وهي المغاربة، الشرف، العلم، الحيادرة، الصلتين، الريشة، بني الحارث، الضوية. وفي القدس ما يقارب 36 مسجدا، من أهمها الأقصى، قبة الصخرة، الطور، والعمري. وفيها عدة كنائس، منها كنيسة القيامة، ودير المسكوبية، وكنيسة الرسل الإثني عشر. وفيها أيضًا ضريح النبي داود.
أقدم اسم للمدينة أورشليم، نسبة إلى الإله "شالم"، أي إله السلام لدى الكنعانيين. وقد وردت باسم "روشاليموم" في الكتابات المصرية المعروفة بنصوص اللعنة، التي يرجع تاريخها إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد، وتذكر أسماء ملوك كنعانيين وعموريين من خصوم المصريين، كانوا يحكمون دولة - المدينة (أورشليم)، وهذا قبل ان يسكنها اليهود.
وفي عام 1948 احتلت إسرائيل الجزء الغربي لمدينة القدس، وتم تقسيم المدينة إلى قسمين، شرقيه وغربية. وفي 1967 احتلت القدس الشرقية، وبذلك باتت المدينة كلها خاضعة للاحتلال الاسرائيلي.
في المفاوضات
عُقد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط في الفترة (30/10 – 2/11/1991)، رفضت إسرائيل بداية مشاركة أي مواطن من القدس الشرقية في الوفد الأردني الفلسطيني المشترك، للتأكيد على فصل القدس ومواطنيها كُلياً عن إطار المفاوضات، إلا أنها تراجعت فيما بعد عن موقفها، وسمحت للقيادي المقدسي الراحل، فيصل الحسيني، بالمشاركة. وأرسلت الولايات المتحدة للفلسطينيين رسالة ضمانات حول الموقف الأميركي بشأن القدس، جاء فيها إنها:"لا تعترف بضم إسرائيل القدس الشرقية، أو توسيع حدودها، وترى أن يتقرر وضعها في المفاوضات".

- اتفاق إعلان المبادئ
تم التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل (اتفاق أوسلو) في واشنطن عام 1993، برعاية الولايات المتحدة. وبموجبه تمَّ تأجيل البت في مسألة القدس للمرحلة الأخيرة من مفاوضات الحل النهائي، واعتبر تأجيل الحكومة الإسرائيلية التفاوض حول القدس أول اعتراف إسرائيلي رسمي بأن هذه القضية باتت مطروحة وقابلة للمفاوضات.

- اتفاق طابا
تم التوصّل إلى هذا الاتفاق في مدينة طابا المصرية، وجرى توقيعه في واشنطن في 1995. وذكر البند (5) من المادة (31) أنَّ القدس إحدى القضايا المنوي التفاوض حولها.

- وثيقة موراتينوس
أظهرت وثيقة وضعها ميجيل آنخيل موراتينوس، المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط عام 2001، وجود تباينات كبيرة بين مواقف كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي نحو قضايا الحل النهائي، خصوصاً القدس. وجاء في المادة (2) من الوثيقة: الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي وافقا، من حيث المبدأ، على الاقتراح الخاص بمسألة سيادة فلسطينية على الأحياء العربية، وسيادة إسرائيلية على الأحياء اليهودية في مدينة القدس، كما وافق الطرفان على مبدأ الإبقاء على المدينة مفتوحة.
وأبدى الجانب الفلسطيني استعداده لبحث مسألة السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في القدس الشرقية، ولم يعارض فكرة المدينة المفتوحة. أما الجانب الإسرائيلي فقد وافق على أن تكون القدس عاصمة لدولتين، هما: (أورشليم) عاصمة إسرائيل، و(القدس) عاصمة دولة فلسطين، إلا أن الجانب الفلسطيني أصرَّ على أن تكون القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين.
وبخصوص الأماكن المقدّسة في نطاق حائط البراق، اتفق الجانبان على الإشراف المتبادل. أما بخصوص الحرم الشريف (يطلق عليه اليهود جبل الهيكل)، فلم يتم حل الإشكالية في مفاوضات طابا.

- مؤتمر أنابوليس
عقد مؤتمر أنابوليس في 27/11/2007 بدعوة من الرئيس الأميركي، جورج بوش. وبعده اتفق الجانبان، الفلسطيني والإسرائيلي، على تقسيم مدينة القدس على أساس عرقي، على غرار اقتراح الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، عام 2000، مع وضع أكثر المناطق حساسية دينياً في القدس (البلدة القديمة) تحت سيطرة تحالف من خمس دول.

-جهود أوباما وكيري
وبعد انقطاع دام نحو ثلاث سنوات، استأنفت المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، برعاية الولايات المتحدة، ضمن اتفاق مكتوب، تمَّ التوقيع عليه في أبريل/نيسان من العام الماضي، ونصَّ على تجميد ملف القدس حتى إشعار آخر، إلى جانب تجميد ملفات القضايا النهائية الأخرى، في مقابل إطلاق سراح 150 أسيراً فلسطينياً من قُدامى الأسرى. وبسبب سياسة الاستيطان توقفت المفاوضات.
مستوطنات وانتهاكات
منذ قيام دولة "إسرائيل" وحكومات الاحتلال المتعاقبة تسير وفق مخطط ممنهج لتهويد مدينة القدس المحتلة، يرتكز على مصادرة الأراضي والمنازل العربية، ومنحها للمستوطنين، وزيادة أعداد المستوطنين والمتطرفين في المدينة المقدسة.
ومن أجل تحقيق هدفها بالسيطرة الكاملة على مدينة القدس المحتلة، عملت على توسيع ما تسمى حدود القدس، شرقاً وشمالاً، بضم مستوطنة "معاليه أدوميم" مستوطنة رئيسية من الشرق، إضافة إلى المستوطنات العسكرية الصغيرة، مثل "عنتوت، ميشور، أدوميم، كدار، كفعات بنيامين" من الجهة الشرقية، "والنبي يعقوب، كفعات زئييف، والتلة الفرنسية، كفعات حدشا، كفعات هاردار" من الشمال. وأدت هذه السياسة إلى مضاعفة عدد المستوطنين، وقللت نسبة السكان الفلسطينيين، وبلغت نسبة المستوطنين في القدس الشرقية المحتلة حوالى 300 ألف مستوطن.
وحسب إحصائيات مركز أبحاث الأراضي، فإن 29 مستوطنة تقع في منطقة القدس، 16 منها في الجزء المضموم من القدس، أي ما يسمى حدود القدس الشرقية، وتنتشر هذه المستوطنات في محافظة القدس بشكل تجمعات استيطانية مكثفة، تتخذ الشكل الدائري حول المدينة وضواحيها، ممثلة بمراكز استيطانية كبيرة المساحة.
ورصدت الهيئة الإسلامية المسيحية في القدس الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدينة المقدسة. وأفادت بأن الاحتلال اعتقل 700 شخص من سكان المدينة، توجه لهم لوائح اتهام، وهجّر ألف عائلة منذ مطلع عام 2014، ومنع أهالي المدينة من تأدية صلاة الجمعة في القدس.
وسجلت الهيئة 150 انتهاكًا إسرائيليًا بحق المسجد الأقصى، وتدمير الاحتلال نحو 500 قبر إسلامي أثري، وأغلق، للمرة الثانية، جميع أبواب المسجد الأقصى منذ احتلاله عام 1967. وأرسل الاحتلال ما يزيد عن 550 إخطارًا لهدم منازل مقدسيين في أحياء شعفاط والشيخ جراح والعيسوية، بينما نصب 34 حاجزًا جديدًا بين أحياء المدينة، منذ مطلع العام الحالي. ووصلت جرائم الاحتلال إلى حد التصفية الجسدية لمقدسيين، وكشفت تقارير إعلامية عن وجود جماعات دينية متخصصة لاختطاف الأطفال بالمدينة.
إعادة الدور الأردني

وقع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، اتفاقية الدفاع عن القدس والمقدسات في نهاية مارس/ آذار الماضي، بعد توقف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي. وتعيد الاتفاقية دور الأردن في الرعاية والحفاظ على الأماكن المقدسة في القدس، وخصوصاً الحرم القدسي الشريف. وحسب الاتفاقية، آلت الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس إلى ملك الأردن، بما في ذلك بطريركية الروم الأورثوذكس المقدسية التي تخضع للقانون الأردني رقم 27 لسنة 1958.
وكان للعائلة الهاشمية دور في القدس منذ عام 1924، حيث أوكل للشريف الحسين بن علي حماية الأماكن المقدسة في القدس ورعايتها وإعمارها، انطلاقا من مبايعة أهل القدس وفلسطين له على الأماكن المقدسة في 11 مارس/ آذار سنة 1924. كما كان للأردن وصاية على الضفة الغربية منذ 1951، وجاء فك الارتباط في 31 يوليو/تموز من عام 1988 الذي استثنى الأماكن المقدسة في القدس.
وعلى الرغم من أن توقيع الاتفاقية تم بشكل مفاجئ، ولم توضح الأطراف الرسمية سبب التوقيع وتوقيته، إلا أن بعض الفلسطينيين اعتبروها اتفاقية مهمة، للرد على الحجج الإسرائيلية بأن هناك فراغاً سيادياً على الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية في القدس، وأن الأراضي الفلسطينية المحتلة متنازع عليها. ومنحت الاتفاقية الأردن سلطة الإشراف المباشر على القدس وحماية مقدساتها وأوقافها في فترة الاحتلال الإسرائيلي، وبزوال الاحتلال تعود السيادة المطلقة إلى دولة فلسطين.
فتاوى يهودية تحرم دخول الأقصى

على الرغم من الحجج الواهية لإسرائيل بشأن القدس، وزعمها بأنها العاصمة الأبدية لها من مطلق ديني ووجود الهيكل فيها، ومحاولات المستوطنين وقيادات إسرائيلية يمينية متطرفة دخول ساحات الأقصى، ولكن، لحاخاماتهم فتاوى عديدة، تستند إلى توراتهم، تحرم على اليهود دخول الحرم الشريف وساحات الأقصى. فمثلاً، صدر، أخيراً، بعد تصاعد الأحداث في المدينة، بسبب اقتحام المستوطنين المسجد الاقصى، عن الحاخام الأكبر لإسرائيل، يتسحاك يوسيف، إن توجه الإسرائيليين إلى الصلاة في المسجد الأقصى، في مثل هذه الأيام، مخالفة خطيرة لتعاليم الدين اليهودي، عقوبتها الموت بيد السماء.
كما أصدر حاخامات يهود فتوى تحرم على اليهود دخول الحرم القدسي، في أعقاب نشر مجموعات يهودية متطرفة والمستوطنين بيانات لاقتحام المسجد الأقصى والحرم القدسي. وأصدرها كل من الحاخام شلومو عمار، والحاخامات إليهاو دورون والحاخام رفي شلوم كوهن والحاخام أفيغدور نفنتسيل وحاخام حائط المبكي (حائط البراق) شمؤويل رفنوفتش. وجاء في الفتاوى: "من الواجب المقدس أن توقظوا قلوبكم، فمحرم، وبشكل كامل، وفقا للشريعة اليهودية، اقتحام الحرم القدسي، فهذا الأمر واضح منذ القدم".
وتعيش المدينة المقدسة، في هذه الأيام، أوقاتأً عصيبة، بسبب الممارسات الإسرائيلية وتنكيلها بأهلها المرابطين، والذين يتوعدون بالدفاع عنها، ليعلنوا عن انتفاضتهم في وجه الاحتلال حتى إزالته.

4412F2FC-6F1B-433A-8247-F5C993F0BEED
تغريد سعادة

صحافية وكاتبة فلسطينية ومخرجة أفلام تسجيلية ووثائقية، مقيمة في رام الله