هكذا ببساطة لحق طارق يتيم بجورج الريف من جنوب بيروت إلى شرقها، في مطاردة بالسيارة، وحين "ألقى القبض" عليه ظلّ يطعنه في الشارع أمام المارّة المتفرّجين إلى أن تأكّد من أنّه شارف على الموت. تركه في الشارع وانصرف إلى حياته. ببساطة القتل العادي واليومي العميم، من المحيط إلى الخليج.
قبل ساعات كان هناك انتحاريّ في السعودية يفجّر نفسه، وقبل أيّام قتل رجل في تونس عشرات السيّاح على الشاطئ. في الوقت نفسه كانت قوّات بشّار الأسد و"حزب الله" تقتل أهالي مدينة الزبداني وتهدم المباني فوق رؤوسهم. وليس بعيداً عن الجمّيزة، كيلومترات قليلة في عايشة بكّار وأبعد قليلاً في السعديات، كان هناك اشتباكات مسلّحة بين محسوبين على "المستقبل" ومحسوبين على "حزب الله".
وما الفارق بين جريمة طارق يتيم الذي قتل جورج الريف في وضح النهار وبين جرائم مماثلة على مستويات متعدّدة في دول عربية مختلفة؟ لمن استغربوا الجريمة، فإنّ استغرابهم يثير الاستغراب. قبلها بأيّام وأسابيع هناك من قتل والدته في بيروت، ومن قتل زوجته في عرمون، ومن قتل قريبة في الجبل، ومن قتل جاره في شقرا بالجنوب ومن قتلت زوجها في الضاحية.
القتل لنا عادة إذاً ليس فقط في لبنان بل في "المنطقة"، على ما يقال للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج. وكلّها جرائم على "أفضلية المرور". المتأسلمون بين سورية ولبنان يتقاتلون على "أفضلية المرور" أيضاً، كما تقاتل جورج وطارق في الجمّيزة ببيروت. لكن "أفضلية المرور" إلى الجنّة.
في لبنان هناك من يعطّل البلاد على "أفضلية مرور" شخص من هنا إلى قيادة الجيش وشخص من هناك إلى رئاسة الجمهورية. تتعطّل التعيينات على "أفضلية مرور" موظّف إلى مديرية ما، وتتعطّل مؤسسات دستورية على "أفضلية مرور" محسوب على منصب هنا أو هناك.
#الاعدام_ليتيم_الصحناوي هيك كانت العالم عم تعمل وقت الجريمة pic.twitter.com/wL7yyyXuan
— محمد خليل (@Mhamdkhalil) July 17, 2015
وفي دول عربية كثيرة انجرفت البلاد نحو "أفضلية المرور" إلى السلطة، بعد ثورات كانت تطالب بالحرية. كما يحصل في ليبيا مثلا، أو في بعض سورية. البعض يتحدّث عن المرور صوب القدس، وآخرون يريدون "العبور إلى الدولة"... فلماذا نعيب على طارق يتيم ما يعيش فيه "صبحاً ومسا"؟
ليست دعوة إلى الإفراج عن طارق الذي، ولسخرية كلّ شيء، تحوّل النقاش إلى سؤال عمّا إذا كان مسلماً أو مسيحياً. ومعلومات "العربي الجديد" أنّه مسلم شيعيّ لكنّه تربّى مع والدته المسيحية في الأشرفية. ليست دعوة إلى الإفراج عنه، لكنّ العيب في زمانه وليس فيه فقط.
اقرأ أيضاً: كلّنا "عشرة عبيد زغار".. ولا نعرف هويّة شوقي شاهين
هو "ابن زمانه". الزمان الذي نعيشه هو زمان القتل على "أفضلية المرور". لا يوجد قوانين. أو الأحرى أنّ هناك الكثير من القوانين لكن ما يجري "على الأرض" هو القتل بدم بارد على "أفضلية المرور"، والقوانين مركونة على الرفّ بانتظار التسويات.
طارق ليس استثناءً بالتأكيد، على ما ذهب كثيرون وما كتب كثيرون بين الفيسبوك وتويتر. يكاد يكون هو القاعدة. وكثيرون أيضاً لا يقلّون عنفاً عن طارق. فهم طالبوا بإعدامه عبر هاشتاغ #الاعدام_ليتيم_الصحناوي. هكذا بلا محاكمة. حاكمه لبنانيون وعرب على تويتر وفيسبوك وصدر الحكم: إعدام. في حين كان العابرون قرب "الجريمة" يتفرّجون ويصوّرون، عاجزين وخائفين.
الميديا هنا باتت وسيلة أخرى لـ"القتل الجماعي". إجماع على "قتل" طارق يتيم بلا محاكمة. يكفيهم ما رأوا هنا وهناك. وهذه مزاحمة على "أفضلية المرور" إلى "أجمل تعليق على السوشال ميديا.
هو زمان "أفضلية المرور" بلا رادع. كما في الأفلام المصرية، تأتي الشرطة بعدما يموت الجميع، إما طعناً أو مللا من انتظارها.
اقرأ أيضاً: في عامه الـ94... السجن لأحد آخر المشاركين في الهولوكست