رغم خفض سعر الفائدة من قبل مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" مساء الأربعاء بنسبة ربع في المائة، والذي كان متوقعاً بصورة كبيرة في الأسواق، وضخ 150 مليار دولار يومي الثلاثاء والأربعاء، إلا أن الرئيس دونالد ترامب لم يكن سعيداً، إذ كان يتمنى خفضاً أكبر يساعد على دفع الاقتصاد لمزيد من النمو، ومقاومة التباطؤ الذي يزحف على العالم، حتى يتمكن من استخدام قوة الاقتصاد كورقة مهمة في انتخابات العام المقبل 2020.
وبعد الإعلان عن خفض الفائدة، غرّد ترامب على تويتر منتقداً رئيس البنك جيرومي باول، وقال "جاي باول والبنك الفيدرالي يخفقان من جديد. لا شجاعة، ولا إحساس بالسوق، ولا رؤية! رسالة سيئة جداً".
ولم يكن قرار البنك الأربعاء هو أهم ما حدث هذا الأسبوع، إذ بدا أنه قد خطا أولى خطواته في التعامل مع ما يبدو أنه أزمة مالية تقترب، بعد أن تدخل ليومين على التوالي، قبل اتخاذ قرار التخفيض، من أجل تهدئة الأمور في سوق الأموال قصيرة الأجل.
ويوم الثلاثاء، ضخّ الفيدرالي 53 مليار دولار، عن طريق اتفاقيات إعادة شراء أوراق مالية Repo، لمدة ليلة واحدة، بعد أن تجاوزت تكلفة الاقتراض قصير الأجل يوم الاثنين 4%، فيما اعتبر التدخل الأول من نوعه للبنك الفيدرالي منذ الأزمة المالية العالمية، التي انتهت قبل أكثر من عقد من الزمان.
ورغم أن تدخل الفيدرالي بضخ الأموال في السوق، ثم بخفض الفائدة على أمواله، لا يمثل حتى الآن دليلاً على أزمة مالية، على غرار ما حدث عام 2008، إلا أن ارتفاع تكلفة الاقتراض ليومين على التوالي، في أسواق المال الأميركية، يبرز تراجع قدرة البنك الأكثر تأثيراً في العالم على كبح جماحها على المدى القصير، وهو ما قد يعني فقدان البنك واحدة من أهم أدوات تنفيذ السياسة النقدية لديه.
وخلال تعاملات الاثنين والثلاثاء، كان واضحاً أن معدل الفائدة على عمليات الإقراض قصير الأجل قد فك ارتباطه بمعدل الفائدة على أموال البنك، وانطلق إلى مستويات لم يقترب منها منذ سنوات. ويعد الارتباط بين عمليات الإقراض من خلال اتفاقيات إعادة الشراء ومعدل الفائدة على أموال البنك هو الطريق الرئيسي لتأثير السياسة النقدية في الاقتصاد.
وفي 2007، أي قبل احتدام الأزمة المالية العالمية بأقل من عام، ارتفعت معدلات الفائدة على عمليات الاقتراض قصير الأجل، من خلال اتفاقيات إعادة الشراء، بعد أن بدأت الشكوك تظهر في جودة الأصول الضامنة لقروض الرهن العقاري، فيما اعتبر (بعد فوات الأوان) أول جرس إنذار، لم يُلتفت إليه، قبل الأزمة.
وأرجع محللون ارتفاع تكلفة الاقتراض قصير الأجل يوم الاثنين إلى حلول موعد سداد الضرائب ربع السنوية للشركات، وتسوية عمليات شراء سندات الخزانة التي تمت الأسبوع الماضي. لكن جاءت القفزة الكبرى الثلاثاء لتثبت أن تلك العوامل لم تكن وحدها المؤثرة في الأسواق،
وهو ما قد يستدعي استحداث الفيدرالي لأداة مالية جديدة، تسمح بتوفير السيولة للمؤسسات المالية بصفة يومية، دون الحاجة للإعلان عن طرح اتفاقيات إعادة شراء اضطرارية، كما حدث هذا الأسبوع.
وتعرف اتفاقيات إعادة الشراء بأنها أداة تحصل بها البنوك الأميركية، أو أي جهة ترغب في الاقتراض، على سيولة مؤقتة من البنك الفيدرالي، مقابل رهن (بيع مؤقت) لأوراق مالية، تكون في أغلب الأحوال عبارة عن سندات خزانة أميركية، يتعهد الطرف المقترض بإعادة شرائها، وسداد ما تم اقتراضه، في تاريخ محدد.
وتلجأ البنوك المركزية عادةً إلى تلك الأداة عند استشعار نقص في السيولة، ضماناً لعدم ارتفاع تكلفة اقتراض البنوك، والتي تؤثر بدورها على تكلفة اقتراض الشركات والأفراد والمؤسسات المالية الأخرى.
وفي أعقاب الأزمة المالية، استحدث الفيدرالي عمليات التيسير الكمي، التي اشترى بمقتضاها سندات خزانة من السوق الثانوية، الأمر الذي ساهم في توفير كميات ضخمة من الأموال المتاحة للبنوك.
لكن بعد قرار البنك بعدم إعادة شراء مقابل ما يستحق من سندات في حوزته، اعتباراً من العام قبل الماضي، انخفضت ميزانيته من 4.5 تريليونات دولار في 2017 إلى 3.8 تريليونات دولار في انتصاف العام الحالي.
ومع تضخم عجز الموازنة الأميركي، ليصل إلى تريليون دولار في الأحد عشر شهراً المنتهية في آخر أغسطس / آب، توسعت وزارة الخزانة في إصدار أوراقها المالية، ليصل المتوسط الشهري للإصدارات الإضافية من الأذون والسندات، أي بعد استبعاد المُصدر محل المُستحق، خلال هذا العام، إلى 63.9 مليارات، بعد أن كان أقل من 20 ملياراً خلال نفس الفترة في 2017.
وعلى نحوٍ متصل، أشار حساب زيرو هيدج على تويتر، الذي يقدم تحليلات عالية القيمة لأسواق المال، إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض في السوق الأميركية، وذكر متابعيه بأزمة السوق الصينية، حين أوشكت البنوك هناك على الانهيار، وبلغ سعر الاقتراض قصير الأجل 25%، وقال إن "السوق الأميركية قطعت نصف الطريق نحو تلك النقطة".