تتعرض العملة الليبية لضغوط مكثفة مع تدهور الأوضاع الأمنية وانهيار إيرادات النفط بسبب إغلاق عدد من الموانئ، وهو ما أضر كثيرا بالوضع المالي للبلاد، واقتصادها الذي يئن بالفعل من تضخم فواتير أجور العاملين بالدولة والدعم الحكومي.
فعلى مدى الشهرين الأخيرين تراجع الدينار الليبي أكثر من 7 في المئة أمام الدولار، في السوق السوداء في أول هبوط له منذ سيطرة مسلحين يطالبون بالحكم الذاتي لمنطقة شرق ليبيا على منشآت لتصدير النفط قبل عشرة أشهر.
وحتى مستوردي القطاع الخاص يقولون الآن إن سعر الصرف الرسمي للدينار سيتعين خفضه مع نضوب إيرادات الخام تقريبا، رغم أن مصرف ليبيا المركزي يصر، على أن بمقدوره السيطرة على الموقف بفضل احتياطياته الكبيرة من النقد الأجنبي.
ومما زاد من حدة المشكلات المالية اندلاع موجة من سرقات البنوك، دفعت المصرف المركزي إلى العزوف عن إمداد البنوك التجارية بالعملة الصعبة وهو ما أدى إلى تفاقم نقص الدولار في بعض قطاعات الاقتصاد وزاد من ضعف الدينار.
ولأسباب أمنية أصبحت بعض شركات التأمين أيضا أقل استعدادا لتوفير غطاء تأميني للشحنات النقدية من الدولارات من حسابات المصرف المركزي في الخارج إلى ليبيا.
وفي الوقت الحالي يلجأ الليبيون ممن يسعون للحصول على العملة الصعبة إلى السوق الموازية التي صارت مقياسا غير رسمي لسعر الصرف. ويقول تجار إن سعر الدولار يبلغ 1.40 دينار مقارنة مع 1.35 دينار قبل أسبوعين و1.30 دينار في مطلع أبريل نيسان.
وقال رجل الأعمال الليبي، البارز حسني بي، إن المصرف المركزي ما زال يمد المستوردين بما يكفيهم من الدولارات رغم هبوط إنتاج النفط إلى 150 ألف برميل يوميا من 1.4 مليون برميل يوميا في يوليو/تموز، قبل بدء إغلاق المنشآت النفطية. وتحتاج المصافي المحلية جزءا من الكمية الضئيلة المتبقية من الإنتاج.
غير أن بي قال إن هناك مبالغة في السعر الرسمي، الذي يربطه البنك المركزي بسلة عملات رئيسية واستقر أثناء الأزمة عند حوالي 1.25 دينار مقابل الدولار، بصرف النظر عن إغلاق المنشآت النفطية.
وأجبرت الخسائر في إيرادات النفط المصرف المركزي على الاستعانة باحتياطياته لتمويل الميزانية.
ومن شأن أي خفض في الإنفاق ألا يلقى قبولا لدى الليبيين الذين اعتادوا على شراء الخبز بأقل من سنتين وملء خزانات سياراتهم بالوقود بأقل من خمسة دولارات فضلا عن الرعاية الصحية والتعليم المجانيين.
ويبلغ عدد سكان ليبيا ستة ملايين نسمة من بينهم 1.5 مليون شخص يعملون في القطاع الحكومي، وهو إرث من عهد الرئيس الراحل معمر القذافي الذي أطاحت به الثورة، وكان يدرج البالغين في كشوف الأجور الحكومية أملا في إضعاف المعارضة.
وتحتاج ليبيا أيضا إلى العملة الصعبة لسداد فاتورة الواردات السنوية التي تبلغ 30 مليار دولار، فحتى المنتجات الأساسية مثل الحليب والمياه المعدنية والخضروات يجري استيرادها من أوروبا وتونس وتركيا في ظل ضآلة الإنتاج الغذائي.
وحمل المصرف المركزي، المضاربين في العملة مسؤولية هبوط الدينار، مشددا على أن ليبيا يمكنها الصمود ثلاث سنوات ونصف بدون إيرادات النفط بفضل الاحتياطيات الأجنبية التي تتجاوز 100 مليار دولار والتي جمعتها على مدى سنوات من أسعار الخام المرتفعة.
وقال المتحدث باسم مصرف ليبيا المركزي، مصباح العكاري، ردا على سؤال بخصوص ما إذا كان البنك يدرس خفض قيمة الدينار "لا نخطط لخفض أو رفع قيمة الدينار."
وحذر محافظ البنك، الصديق عمر الكبير، الأسبوع الماضي من أن ليبيا حصلت على أربعة مليارات دينار فقط من صادرات الطاقة منذ بداية العام وحتى نهاية أبريل/ نيسان، وهو أقل من ربع المستوى المستهدف في الميزانية البالغ 18 مليار دينار.
وقال الكبير في بيان إن مبلغ الأربعة مليارات دينار لا يكفي حتى لدفع أجور العاملين في الدولة.
ومع وجود ربع الليبيين في كشوف الرواتب الحكومية أوضح نائبه علي محمد الحبري، أن هناك حاجة إلى التغيير قائلا إن البلاد أضافت 400 ألف موظف مدني منذ الحرب الأهلية.
وقال إنه بناء على المعايير الدولية فإن المعدل ينبغي أن يتراوح بين 8 إلى 10 بالمئة من إجمالي السكان.
ويحاول المصرف المركزي تفادي استنزاف احتياطياته من النقد الأجنبي التي انخفضت رغم ذلك إلى 110 مليارات دولار من 132 مليار دولار في الصيف الماضي.
ومنذ أن فشل المشرعون في الموافقة على ميزانية في غياب إيرادات جديدة للنفط فإن المصرف المركزي منح البرلمان 12 مليار دينار منذ يناير/ كانون الثاني للحفاظ على استمرارية اقتصاد البلاد بحسب لجنة الميزانية.
وبينما يتفق دبلوماسيون على أن المصرف المركزي يمكن أن يصمد لفترة من خلال استنزاف احتياطياته، فإن تصاعد السرقات يشكل تهديدا مباشرا للنظام المصرفي.
ويقوم مسلحون كل أسبوع تقريبا بسرقة مركبات لنقل الأموال أو مهاجمة فروع بنوك وإجبار الموظفين على فتح الخزائن. وقتل موظف في مصرف الجمهورية الحكومي بمدينة سبها الجنوبية في أبريل/ نيسان الماضي.
وهذا ما يجعل المصرف المركزي يعارض نقل الدولارات إلى البنوك التجارية وأبلغ عملاء عديدون رويترز بأنهم يمكنهم فقط سحب أموال من حساباتهم الدولارية بالدينار فقط وبسعر صرف غير مقبول.
وقال الكبير إن مشكلة نقص السيولة في البنوك التجارية ترجع إلى عدم الأمان في عمليات نقل الأموال وطلب المصرف المركزي من السلطة التشريعية تأمين نقل تلك الأموال إلى البنوك التجارية لكن بدون جدوى.