الفنّ بين الاستقلاليّة والتسخير

03 اغسطس 2017
+ الخط -



السياسة والفن، كوكبان من المفترض أن يكونا بعيدين تمامًا عن بعضهم البعض، فالأول يسيطر عليه التخمين واتخاذ التدابير الاستعجالية، والعمل على خطط مستقبلية لتحقيق الأهداف المسطرة والمراد تحقيقها، ويدخل هنا تحقيق المصالح الشخصية بقوة، والثاني هو كوكب خُلق للإبداع الذي لا حدود ولا قيود له.

لو بحثنا عن العلاقة التي تجمع هذين الكوكبين لوجدناها علاقة واسعة وغامضة في آن واحد، ولو عدنا للوراء قليلاً لوجدنا أن هذه العلاقة شهدت جدالاً وسجالاً واسعاً وصل لحد السجن والقتل. ولو بحثنا في التاريخ، فسنجدُ كثيراً من الأدلّة المصوّرة لفنانين أُعدِموا أو تم سجنهم بسبب محاربتهم للنظام ولرجال السياسة، فكان الأديب والشاعر الإسباني، لوركا، من أشهر الأمثلة التي تم إعدامها من قبل الثوريين في بدايات الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936 وهو يقوم بإلقاء آخر قصائده.

ولنتفق على أن الفن لم يكن سيفاً حاداً في وجه السياسة، بل على العكس تماماً كان للفن دور مهم في عملية الحروب الفكرية، والتي كانت تخدم السياسة ورجالها، وتؤثّر على المجتمع من أجل خدمة صانعي السياسة، فيما تعاملت السياسة مع الفن عكس ذلك تماماً، بحيث عملت على تقييده من أجل السيطرة عليه، ثم تطور الأمر إلى قمع الفن وأهله تحت مسمى "الرقابة الفنية".

اختلفت الآراء حول الفن، فهناك من يرى أن الفن للفن بمعزل عن أي موضوعات يتناولها كالأخلاق أو الدين أو التاريخ والسياسة. وعدم الخلط بين القيمة الجمالية للفن والمجالات والاهتمامات الحياتية الأخرى. وتمتدُّ جذور هذه الفكرة إلى أزمنة بعيدة، لكن ظهرت بشكل لافت في بدايات القرن التاسع عشر في فرنسا تعبيراً عن رغبة الأدباء الرومانسيين في فصل الفن عن العقلانية التي اتّسم بها العصر.

فيما ذهب آخرون إلى إدراج الفن ضمن السياسة، لأنّ الإبداع الذي لا يوظف لخدمة أهداف واقعية ومادية لا طائل من ورائه حسب رأيهم.

يتحدث الفيلسوف الألماني، هوركهايمر، عن ذاتية الفن قائلاً بأن الشعور الجمالي يتطلب حالة من الاستقلال المنفصلة من الخوف، المهانة، الكرامة لكن في نفس الوقت ذاتية الفن أو الفن للفن تجرد الفن من السياق التاريخي، وهذا ما يعني استحالة أن يقدم العمل الفني شيئاً ذا قيمة معنوية. وهذا ما كتبه الفيلسوف، أدورنو، قائلاً: "نحن مُطالبون بفهم دور الفن في المجتمع وعلاقته بالدولة".

نخلص إلى أن الفن بطبيعته من أساليب الحياة، وأساليب الحياة عبارة عن انعكاس للواقع، وهذا الأخير يتشكّل من عدة مجالات لعلّ أبرزها السياسة، والتي عمدت إلى خلق بيئة ناعمة بينها وبين الفن، وعقدت عقوداً معنوية مع من يمارس الفن ما خلق التفاعل الحيوي والتعاون بين السياسة والفن في كل أشكاله، لتشكل بهذا قوة كبيرة تحقق أهداف رجال السياسة ومصالحهم.

دلالات
477069B6-5F90-4C26-B23E-4F020A34283E
إسلام مأمون

صحافي خريج كليّة الإعلام والاتصال

مدونات أخرى