الفلسطيني محمد حمايل.. آخر العنقود شهيد الجبل

22 مارس 2020
أطلق عليه الاحتلال رصاصة اخترقت رأسه (من فيسبوك)
+ الخط -

قبل نحو أربعة أشهر، استيقظ محمد حمايل (15 عاماً)، من بلدة بيتا جنوب نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، على حلم لم يقوَ على تفسيره، وأخبر عدداً من أقرانه عنه. رأى نفسه ميتاً ويتفرّق الجميع من حوله باستثناء والدته التي كانت تذرف دماً بدلاً من الدموع. وقبل استشهاده بيوم، أي في الحادي عشر من مارس/ آذار الجاري، ذهب حمايل برفقة صديق له إلى مقبرة البلدة، وقرأ الفاتحة على قبر جدّه وأحد أعمامه.

يقول شقيقه يوسف حمايل لـ "العربي الجديد": "الحلم وغيره من الأحداث عرفنا عنهما بعد استشهاد أخي محمد، وكأنها إشارات إلى قرب رحيله من دون أن يدري هو أو نحن". وحمايل هو آخر العنقود، يكبره عشرة أشقاء، ذكوراً وإناثاً. وعلى الرغم من صغر سنّه، كان نشيطاً ومتفاعلاً مع محيطه، كما كان محبوباً وخدوماً، ما ساعده على بناء شبكة علاقات واسعة مع محيطه.

لم تكن القضايا السياسية ضمن أولوياته، لكنّه ما إن سمع النداء عبر مكبرات الصوت في مساجد البلدة لنجدة المرابطين في جبل العُرمة في البلدة المهدد بالاستيطان من هجوم قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين الذي اقتحموه في ساعة مبكرة من يوم الأربعاء (الحادي عشر من الشهر الحالي)، حتى هبّ للدفاع عنهم.

يقول شقيقه: "حاولت أمي أن تثنيه عن الذهاب، فأجابها: يمكن يمّا ما أرجع. قالها واختفى بعيداً. وبعد أقل من ساعة، وصلني اتصال أن محمد أصيب برصاصة في رأسه وهو في العناية المركزة في مستشفى حكومي في نابلس".

أبلغ يوسف المحيطين به بما جرى مع محمد، واتفقوا على تأخير إعلام أبويهما حتى تتضح الصورة. يضيف أن "والدي في السبعين من عمره، ويومها كان على موعد مع جلسة لغسل الكلى. كما أن والدتي كانت متعلقة جداً بمحمد الذي رزقت به وهي في الخامسة والأربعين من العمر".


كانت إصابة محمد خطرة جداً، فقد اخترقت الرصاصة التي أطلقها عليه جندي إسرائيلي من مسافة لا تزيد عن أربعة أمتار رأسه وخرجت من الخلف، وقد نزف كثيراً من الدماء. ويروي أحد شهود العيان الذي كان قريباً من مكان إصابة الشهيد، وفضّل عدم ذكر اسمه، لـ "العربي الجديد"، تفاصيل ما جرى قائلاً: "رأيته متقدماً جداً ومعه مجموعة قليلة من الشبان، واستطاعوا إجبار جنود الاحتلال المدججين بالسلاح على التراجع، ولم يكونوا آبهين بالرصاص المطاطي وقنابل الغاز التي تتناثر حولهم. فجأة، سقط محمد على الأرض".

يتابع: "حملنا محمد على الأكتاف وركضنا به وسط جنود الاحتلال الذين أعاقوا سيارات الإسعاف من التقدم. كان مشهد الوداع عفوياً، كما كان الغضب بادياً على الجميع الذين رأوا بأمّ أعينهم شجاعة هذا الفتى الصغير".

علم يوسف حمايل شقيق الشهيد محمد من أطباء في المستشفى أن أخاه فارق الحياة، فطلب منهم تأجيل الإعلان عن استشهاده. ويقول: "أحضرنا أبي بعدما أنهى جلسة غسيل الكلى وأخفينا عنه نبأ استشهاد محمد، وأبلغناه بأنه في وضع خطير، حتى يحظى برؤيته قبل نقله إلى ثلاجة الموتى، وما كاد الأب يقف فوق رأس طفله المضرج بدمائه حتى أومأ أحدهم إلى الطبيب الذي قال للوالد: ترحّم على ابنك يا حج".

أما الأم، فكانت حزينة جداً، وخاطبته وهو مسجى أمامها قائلة: "الله يرضى عليك يا محمد، أوفيت ما وعدت به".