الفلسطينيون و"آراب آيدول"
حالف الحظ الفلسطيني الشاب محمد عساف الذي فاز، في العام الماضي، بلقب "محبوب العرب" في مسابقات برنامج "آراب آيدول" للمواهب الغنائية، وفي حملات مناصرته شعبياً ورسمياً التي لم يحظ بها منافسوه من الجنسيات الأخرى. وكانت حكومة سلام فياض ورئاسة محمود عباس قد دعمتا عساف، وقدمت شركة الاتصالات الفلسطينية تسهيلات للتصويت له، من غير تجاهل الأرباح التي حصلت عليها.
قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، في فلسطين والشتات سهرت الليالي، وصرفت أموالاً لشركات الهاتف الجوال، لكي تصوت لذلك الشاب الذي صارت حكايته تنتمي إلى حكايات المطربين الرومانسيين الفقراء الذين حققوا الحلم الكبير بالشهرة والنجومية. وكتب شعراء قصائد عنه، وصاغ كتاب حكايات أقرب إلى الخيال، وأقام فنانون معارض عنه. كما أن أصحاب مال وأعمال ممن كانت تمنعهم رزانتهم من تعاطي النشاطات الثقافية والفنية سابقاً، انخرطوا في قلب المشهد "العسافي"، وبرز منيب المصري، من أقطاب هذه الطبقة، راعياً للحملة الرسمية والشعبية التي أوصلت محمد عساف إلى النجاح. ليس هذا وحسب، بل صار المغني الشاب سفيراً للنيات الحسنة لدى الأمم المتحدة، وعينه الرئيس محمود عباس سفير فلسطين الثقافي، ومنحه مزايا دبلوماسية.
ركزت الحملات على أصول محمد عساف الفقيرة، وعلى مغامرته الشقية للوصول إلى القاهرة للمشاركة في مسابقات البرنامج، وهو الفتى ابن قطاع غزة المحاصر، الذي وإن وصل متأخراً، إلا أنه قفز من فوق سور المبنى، حيث تجرى الاختبارات الأولية، بطريقة قدمها الخيال الشعبي المتعاطف ضمن مغامرة الأبطال الذين يدفعهم طموحهم المتوقد إلى ركوب المخاطر المشوقة.
هل كان هذا المشهد المكثف والغني بتفاصيله المستدعية للعواطف والأحلام عفوياً، وما الدوافع الفلسطينية، الرسمية خصوصاً، التي حرَّكت "الجماهير" الفلسطينية في كل مكان، للوقوف وراء هذا الشاب؟
في وسعنا أن نرى أن الانقسام الفلسطيني بين السلطة في رام الله وحماس في غزة لعب دوراً في هذا المشهد، فالسلطة رأت في عساف حكايةً، لها جاذبية شعبية، تستقطب تعاطف الجماهير، وبالتالي، تضيف إلى رصيدها بعضاً من تأييد مضمحل. وكأن دعم السلطة عساف كان جزءاً من الصراع على كسب الصورة المقبولة لدى الشعب.
اليوم، نحن أمام مشهد يقترب في إطاره الخارجي من مشهد عساف، وإن اختلفت التفاصيل.
في مسابقات "آراب آيدول" الجديدة، يخوض شاب وشابة فلسطينيان من داخل الخط الأخضر تنافساً على لقب "محبوب العرب"، هما منال موسى وهيثم خلايلة. لماذا غاب التضامن الرسمي الفلسطيني مع هذين الشابين، باستثناء منح الرئيس محمود عباس جوازي سفر فلسطينيين للشابين، يمكنهما من دخول بيروت، كونهما يحملان الجنسية الإسرائيلية.
قد يكون من سوء حظ الشابين أنهما كفلسطينيين من الداخل خارج دائرة الصراعات الفلسطينية، فلا السلطة رسمياً تستطيع أن تعلن تبنيهما مواطنين فلسطينيين من الناحية القانونية، ولا حركة حماس، أصلاً، معنية بالغناء، فما بالك حين تكون المغنية امرأة شابة حاسرة؟
أما الرأسماليون الذين دعموا عساف، فتراهم في غياب كامل عن المشهد الحالي، وقد يكون السبب أن حملة كهذه لن تكون مثمرة في سياق الأعمال المربحة سياسياً، أو اقتصادياً، لأنها خارج ساحة البزنس العلني.
لم تشهد صفحات التواصل الاجتماعي ذلك الزخم الفلسطيني لتأييد الشابين من دير الأسد ومجد الكروم، على الرغم من بعض التأييد الضعيف، وقد زاد من إرباكات الوضع للشابين أن، أيوب قرا، وهو سياسي فلسطيني من الليكود، استغل عرقلة إسرائيل مسعى الشابين للسفر إلى لبنان ودعم الشابين، ما أثار نفوراً ضد الشابين، في الداخل والخارج.
أثارت حكاية منال موسى وهيثم خلايلة أسئلة شائكة ومعقدة، بشأن معاني الهوية الفلسطينية والوحدة الوطنية، ليس على مستوى التمثيل السياسي وحسب، بل على مستوى الشعب الفلسطيني نفسه داخل الخط الأخضر والضفة وغزة والشتات.