02 نوفمبر 2024
الفضيحة .. إسرائيل تُحارب الاستعمار
باتت إسرائيل عاملة على خطّ إنهاء الاستعمار. الخبر ليس نكتة الموسم، بل فعل أممي، وجد طريقه في أروقة الأمم المتحدة. إذ يبدو كأنه أضحى سهلاً أن تقتل شعباً، وتُشرّد من تبقّوا منه، وتمنعهم من العودة إلى ديارهم، وتهدّم بيوت هذا الشعب، وتعتقل أبناءه وبناته، ثم تعتلي المنابر الدولية، لتطالب بـ"حق الشعوب في تقرير مصيرها".
ليس انتخاب الإسرائيلي، موردخاي أميهاي، واحداً من ثلاثة نواب، لرئيس "لجنة إنهاء الاستعمار" الأممية، للدورة الـ69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تبدأ منتصف شهر سبتمبر/أيلول المقبل، ليس فعلاً ديمقراطياً اعتيادياً، يسمح لها بمتابعة رسالة "عادلة"، بل كرّس مبدأ "غياب العدالة" في المجتمع الدولي.
ما جرى شكّل فضيحة بكل ما للكلمة من معنى، كون اللجنة معنية بملفات مثل: قضايا إنهاء الاستعمار، معالجة قضايا حسّاسة متعلقة باللاجئين الفلسطينيين، حفظ السلام، حقوق الإنسان، والتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمسّ حقوق الإنسان الفلسطيني.
يُمكن، بكل بساطة، تخيّل الردّ الإسرائيلي، ومن دون تفكير، إزّاء أي مساءلة في كل بند من تلك البنود، فتصرّفات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، خير جواب على كل تساؤل. فهل يُمكن لأميهاي، القبول بما يُمكن إدانة إسرائيل، خصوصاً وأن كل الملفات في هذا الصدد تدينها؟ أكيد لا. وأكثر من ذلك، لن يتمّ حتى "النظر بشكل عادل إلى مختلف القضايا"، ولن يُنفّذ أي قرار، إذا صدر، فالقرارات الدولية، المفترض أن تحمي حقوق الشعب الفلسطيني، والمناوئة لإسرائيل، لم تُنفّذ منذ نكبة فلسطين 1948، ما يجعلها "مثالاً أعلى"، لأعمال تلك اللجنة، وما يُمكن أن تفعله.
وهل يُمكن لأميهاي، مثلاً، القبول بواقع أن التصرّفات الإسرائيلية في حقّ البشر والحجر في فلسطين المحتلّة، تحديداً في الأسبوع الأخير من عمر البشرية، اعتداءً؟ أكيد لا، بل سينقل الموقف الرسمي الإسرائيلي، واعتبار ما تفعله قوات الاحتلال حقاً من حقوق دفاعها عن وجودها.
أما السؤال الأهم، فيتجلّى في كيفية السماح لممثل "دولة"، لا تعترف بها نصف الكرة الأرضية، على الأقلّ، وتُعتبر حكومته مسؤولة عن اعتداءاتٍ يومية على شعبٍ بأسره، بأن يكون نائباً للجنة، مفترض أن تعمل على إزالة كل صنوف الاستعمار، من أجل أن تحقق الشعوب مصيرها الخاص؟
وإذا كانت المواثيق الدولية تُتيح حماية اللاجئين في كل أصقاع الأرض، إلا أن ذلك لا ينطبق على الشعب الفلسطيني، على ما يبدو، فهل سيسمح أميهاي، في مناقشة تقرير متعلّق بالعراقيل الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ومنها، منع الشتات الفلسطيني من لقاء أحبّائه، والتضييق على كل مغادر، ولو فترة مؤقتة، منطقة سكنه، كي تدفعه إلى المغادرة في صورة نهائية، لتسهيل عملية قضم الأراضي وتوسيع المستوطنات؟
هل سيرفع أميهاي رايات السلام، ويُعلن أن ما تقوم به حكومته مناقض لكل مفاهيم اللجنة ومبادئها، وبالتالي الأمم المتحدة؟ أكيد لن يفعل، بل سيرسّخ التغلغل الإسرائيلي الديبلوماسي في لجان الأمم المتحدة، حتى تُصبح الأمور "عادية" من جهة، ويتآكل رصيد الأمم المتحدة ولجانها أكثر فأكثر، حتى تفقد مصداقيتها المهزوزة أصلاً.
والأسوأ من ذلك كله أن خبراً كخبر مقتل فتى فلسطيني، صباح الجمعة، برصاص جيش إسرائيلي "يدافع عن نفسه في الضفة" لن يتذكّره أحد. وربما حتى أن فلسطين المحتلّة بأكملها لا تدري عنها "لجنة إنهاء الاستعمار" شيئاً، أو لا تريد.