تمتزج أصوات الترانيم المسيحية برائحة ماء الورد عند مدخل بناية آل حداد في المنصورية شرقي العاصمة اللبنانية بيروت. أنهت العائلة قداس الساعة السادسة صباحاً قبل يومين من انتهاء أسبوع "الجمعة العظيمة"، الذي تحتفل به الطوائف المسيحية في لبنان بتوقيته الشرقي والغربي.
توزعت الأسرة لبدء النهار الحافل، فوصلت الابنة مع الحفيد، وغادر الزوج إلى العمل، أما ربّة المنزل، غرادزيلا، عادت من الكنيسة إلى المطبخ العابق برائحة ماء الورد والزهر المنبعث من عجينة المعمول التي وضعتها ليلاً في وعاء كبير تمهيداً لتحضيرها. تنضم إليها جارتها على طاولة المطبخ وتجهزان معاً الحشوات بعد فرك العجينة بماء الورد والزهر مجدداً. "تستغرق عملية إعداد ثلاث كيلوغرامات من المعمول حوالى الساعتين، ثم فرم الجوز والفستق والتمر، وإضافة السكر وماء الورد والزهر"، كما تشير غرادزيلا.
ترافق الأحاديث العائلية ساعتي العمل المُتعِبتين بين تقريص العجينة وحشوها، ثم فردها على الصواني المتعددة. وهو الجهد الذي يمنع أولاد غرادزيلا من المشاركة في إعداد المعمول، وإن سارعوا لالتهام القطع الساخنة فور خروجها من الفرن. تحضر القهوة خلال حديث الجارتين عن اختلاف العادات بين الأجيال، "كنا أربع جارات، نقدم العون لبعضنا في إعداد المعمول بشكل جماعي.
ننتقل من بيت إلى آخر في البناية، ونتعاون في فترة العيد. وبعد وفاة جارتين، تقلصت المجموعة لكن روح العيد باقية". كما تتبادل الجارتان الأمثال الشعبية خلال الحديث عن أبنائهم وبناتهم "خذوا البنات من صدور العمات"، صاحت غرادزيلا لدى حديثها عن ابنتها. لا تتصور الجارتان الصديقتان مرور "العيد الكبير" من دون إعداد المعمول في البيت، وتتقبلن عدم مشاركة الأبناء "لأن العادات تغيرت، والجيل الجديد غير معتاد على إمضاء ساعات طويلة في المطبخ".
تمر الساعتان بين تعداد الوصفات في إعداد المعمول التي تناقلها الآباء عن الأجداد، لكنها لم تجد طريقها إلى قلوب الأحفاد. تتذكر غرادزيلا إحدى المرات التي "قلّلت فيها من استخدام السمنة، ففرطت العجينة". واستنكرت "مزج البعض للعجينة بالزبدة بدلاً من السمنة، في محاولة لتخفيف السعرات الحرارية. ولا يقتصر اختلاف الوصفات على الطعم بل الشكل أيضاً، فيتفاوت حجم القطع بين كف اليد والصغيرة، بحسب المنطقة. تكبر القطع في القرى، وتصغر في المدن".
لكن آل حداد وجيرانهم يميلون إلى المعمول التقليدي المصنوع من السمنة، والمزين باستخدام ملقط صغير، استبدلته العائلة بالقوالب الموجودة في السوق. تقرص المرأتان قطعة العجين باستخدام اليد، قبل إضافة الحشوة، ثم تكويرها بحسب الشكل المطلوب، وتستخدمان الملقط لوشم الحبات بخطوط طولية، سريعاً ما تتلاقى بشكل هندسي منسّق.
توزع غرادزيلا القطع في الصواني بحسب الشكل. الهرمية الصغيرة بالجوز، والطولية بالفستق، أما الأقراص الصغيرة محشوّة بالتمر. تُبعد حفيدها الصغير عن المطبخ لتحمية الفرن وإدخال الصواني لفترة قصيرة لا تتجاوز الربع ساعة، "حتى يتحمّر كعب القطع قليلاً لا أكثر"، قبل أن يخرج المعمول هشاً ساخناً. ولا تمنع الحرارة المرتفعة أبناء غرادزيلا من التقاط القطع وتناولها حتى قبل رشّها بالسكر الناعم.
يسبق الحفيد جاد، جدته إلى الغرفة المجاورة ليلعب بالسكر المجهز لتزيين الصواني الساخنة. تضحك الجدة طويلاً، وهي ترشّ السكر الناعم على المعمول، تنظر إلى صورة ابنتها وهي صغيرة، وتضحك لضحكة حفيدها الذي يصارع والدته قبل الدخول إلى الحمام لإزالة السكر عن ملابسه.
تُعِد الأسر المسيحية المعمول خلال أيام الصوم الذي تمتنع فيها عن تناول كافة المشتقات الحيوانية من منتصف الليل إلى ظهر اليوم الذي يليه. ويقتصر طعامهم على الخضار والفاكهة والحبوب. وتشكل مائدة الأحد، آخر أيام "الجمعة العظيمة" وليمة الاحتفال بانتهاء أربعين يوماً من الصوم المتواضع والمتقشف. ويستمر تقديم المعمول طوال أيام الأسبوع التالي، حيث تزور الأسر المسيحية بعضها للتهنئة بيوم القيامة. تسود بعض فترات الصمت خلال إعداد المعمول في مطبخ آل حداد، فتردد الجدة الترانيم التي يبثها جهاز الراديو، وتواصل إخراج الصواني من الفرن.
يرافق عيد الفصح في لبنان عادات وتقاليد قديمة تناقلتها الحضارات الأوروبية، ووجدت طريقها إلى لبنان من خلال البعثات الأوروبية التي وصلت إلى لبنان خلال الانتداب الفرنسي الذي رسّخ تلك العادات، ومنها ضيافة الشوكولا في العيد. ورافقت الاحتفالات أشكال البيض والجرس والأرنب، وهي صور مرتبطة بالقصص التي رواها المسيحيون الأوروبيون لأطفالهم عن العيد. فوجدت الأجراس والبيض والأرانب، التي حوّلها صانعو الحلويات إلى تحف فنية صغيرة من الشوكولا، طريقها إلى المنازل خلال العيد.
يشير خالد القرى، وهو شريك ومؤسس لأحد محال الحلويات الغربية في بيروت، "إلى ضرورة فهم طبيعة العيد لمواكبته بالحلويات المناسبة"، ولا ينفي قرى "الطبيعة التجارية لشوكولا العيد الذي يستهدف الأطفال خصوصاً". تنوعت أشكال شوكولا الفصح خلال الأعوام، فتطوّرت بالشكل والمكوّنات، "كانت بيضة العيد تصنع من الشوكولا والحليب والزينة المتواضعة. أمّا اليوم، فقد دخلت أنواع الشوكولا المختلفة (الأبيض والمر والشوكولا بالحليب) إلى مطابخ الحلويات، وبات الزبون يُفاجئ بالحشوات المتعددة داخل البيضة وشكلها الخارجي العملاق".
كما يشير قرى إلى اتجاه عام لدى صناع الحلويات في تقديم أشكال وحشوات جديدة، "نعدّ هذا العام، أشكال حيوانات صغيرة، وأدخلنا نكهات مختلفة في حشوة كل من جزأي البيضة، ومنها، غزل البنات والورد، على سبيل التغيير". ويؤكد قرى "تخصيص العائلات اللبنانية لميزانية محددة للاحتفال بالعيد وشراء الشوكولا، رغم الظروف المالية الصعبة التي يمرون بها". بين اجتماع العائلة على معمول العيد، وفرحة الأطفال بالشوكولا، يقدم اللبنانيون نكهات مطعّمة بالفرح.
توزعت الأسرة لبدء النهار الحافل، فوصلت الابنة مع الحفيد، وغادر الزوج إلى العمل، أما ربّة المنزل، غرادزيلا، عادت من الكنيسة إلى المطبخ العابق برائحة ماء الورد والزهر المنبعث من عجينة المعمول التي وضعتها ليلاً في وعاء كبير تمهيداً لتحضيرها. تنضم إليها جارتها على طاولة المطبخ وتجهزان معاً الحشوات بعد فرك العجينة بماء الورد والزهر مجدداً. "تستغرق عملية إعداد ثلاث كيلوغرامات من المعمول حوالى الساعتين، ثم فرم الجوز والفستق والتمر، وإضافة السكر وماء الورد والزهر"، كما تشير غرادزيلا.
ترافق الأحاديث العائلية ساعتي العمل المُتعِبتين بين تقريص العجينة وحشوها، ثم فردها على الصواني المتعددة. وهو الجهد الذي يمنع أولاد غرادزيلا من المشاركة في إعداد المعمول، وإن سارعوا لالتهام القطع الساخنة فور خروجها من الفرن. تحضر القهوة خلال حديث الجارتين عن اختلاف العادات بين الأجيال، "كنا أربع جارات، نقدم العون لبعضنا في إعداد المعمول بشكل جماعي.
ننتقل من بيت إلى آخر في البناية، ونتعاون في فترة العيد. وبعد وفاة جارتين، تقلصت المجموعة لكن روح العيد باقية". كما تتبادل الجارتان الأمثال الشعبية خلال الحديث عن أبنائهم وبناتهم "خذوا البنات من صدور العمات"، صاحت غرادزيلا لدى حديثها عن ابنتها. لا تتصور الجارتان الصديقتان مرور "العيد الكبير" من دون إعداد المعمول في البيت، وتتقبلن عدم مشاركة الأبناء "لأن العادات تغيرت، والجيل الجديد غير معتاد على إمضاء ساعات طويلة في المطبخ".
تمر الساعتان بين تعداد الوصفات في إعداد المعمول التي تناقلها الآباء عن الأجداد، لكنها لم تجد طريقها إلى قلوب الأحفاد. تتذكر غرادزيلا إحدى المرات التي "قلّلت فيها من استخدام السمنة، ففرطت العجينة". واستنكرت "مزج البعض للعجينة بالزبدة بدلاً من السمنة، في محاولة لتخفيف السعرات الحرارية. ولا يقتصر اختلاف الوصفات على الطعم بل الشكل أيضاً، فيتفاوت حجم القطع بين كف اليد والصغيرة، بحسب المنطقة. تكبر القطع في القرى، وتصغر في المدن".
لكن آل حداد وجيرانهم يميلون إلى المعمول التقليدي المصنوع من السمنة، والمزين باستخدام ملقط صغير، استبدلته العائلة بالقوالب الموجودة في السوق. تقرص المرأتان قطعة العجين باستخدام اليد، قبل إضافة الحشوة، ثم تكويرها بحسب الشكل المطلوب، وتستخدمان الملقط لوشم الحبات بخطوط طولية، سريعاً ما تتلاقى بشكل هندسي منسّق.
توزع غرادزيلا القطع في الصواني بحسب الشكل. الهرمية الصغيرة بالجوز، والطولية بالفستق، أما الأقراص الصغيرة محشوّة بالتمر. تُبعد حفيدها الصغير عن المطبخ لتحمية الفرن وإدخال الصواني لفترة قصيرة لا تتجاوز الربع ساعة، "حتى يتحمّر كعب القطع قليلاً لا أكثر"، قبل أن يخرج المعمول هشاً ساخناً. ولا تمنع الحرارة المرتفعة أبناء غرادزيلا من التقاط القطع وتناولها حتى قبل رشّها بالسكر الناعم.
يسبق الحفيد جاد، جدته إلى الغرفة المجاورة ليلعب بالسكر المجهز لتزيين الصواني الساخنة. تضحك الجدة طويلاً، وهي ترشّ السكر الناعم على المعمول، تنظر إلى صورة ابنتها وهي صغيرة، وتضحك لضحكة حفيدها الذي يصارع والدته قبل الدخول إلى الحمام لإزالة السكر عن ملابسه.
تُعِد الأسر المسيحية المعمول خلال أيام الصوم الذي تمتنع فيها عن تناول كافة المشتقات الحيوانية من منتصف الليل إلى ظهر اليوم الذي يليه. ويقتصر طعامهم على الخضار والفاكهة والحبوب. وتشكل مائدة الأحد، آخر أيام "الجمعة العظيمة" وليمة الاحتفال بانتهاء أربعين يوماً من الصوم المتواضع والمتقشف. ويستمر تقديم المعمول طوال أيام الأسبوع التالي، حيث تزور الأسر المسيحية بعضها للتهنئة بيوم القيامة. تسود بعض فترات الصمت خلال إعداد المعمول في مطبخ آل حداد، فتردد الجدة الترانيم التي يبثها جهاز الراديو، وتواصل إخراج الصواني من الفرن.
يرافق عيد الفصح في لبنان عادات وتقاليد قديمة تناقلتها الحضارات الأوروبية، ووجدت طريقها إلى لبنان من خلال البعثات الأوروبية التي وصلت إلى لبنان خلال الانتداب الفرنسي الذي رسّخ تلك العادات، ومنها ضيافة الشوكولا في العيد. ورافقت الاحتفالات أشكال البيض والجرس والأرنب، وهي صور مرتبطة بالقصص التي رواها المسيحيون الأوروبيون لأطفالهم عن العيد. فوجدت الأجراس والبيض والأرانب، التي حوّلها صانعو الحلويات إلى تحف فنية صغيرة من الشوكولا، طريقها إلى المنازل خلال العيد.
يشير خالد القرى، وهو شريك ومؤسس لأحد محال الحلويات الغربية في بيروت، "إلى ضرورة فهم طبيعة العيد لمواكبته بالحلويات المناسبة"، ولا ينفي قرى "الطبيعة التجارية لشوكولا العيد الذي يستهدف الأطفال خصوصاً". تنوعت أشكال شوكولا الفصح خلال الأعوام، فتطوّرت بالشكل والمكوّنات، "كانت بيضة العيد تصنع من الشوكولا والحليب والزينة المتواضعة. أمّا اليوم، فقد دخلت أنواع الشوكولا المختلفة (الأبيض والمر والشوكولا بالحليب) إلى مطابخ الحلويات، وبات الزبون يُفاجئ بالحشوات المتعددة داخل البيضة وشكلها الخارجي العملاق".
كما يشير قرى إلى اتجاه عام لدى صناع الحلويات في تقديم أشكال وحشوات جديدة، "نعدّ هذا العام، أشكال حيوانات صغيرة، وأدخلنا نكهات مختلفة في حشوة كل من جزأي البيضة، ومنها، غزل البنات والورد، على سبيل التغيير". ويؤكد قرى "تخصيص العائلات اللبنانية لميزانية محددة للاحتفال بالعيد وشراء الشوكولا، رغم الظروف المالية الصعبة التي يمرون بها". بين اجتماع العائلة على معمول العيد، وفرحة الأطفال بالشوكولا، يقدم اللبنانيون نكهات مطعّمة بالفرح.