الفستان المكشكش

04 سبتمبر 2014
كانت الصغيرة سعيدة بفستانها الأبيض ذي الكشاكش (Getty)
+ الخط -

تنهض الصغيرة عن الأرض وتسوّي فستانها الأبيض المكشكش. وكأن شيئاً لم يكن، تلتحق من جديد بمجموعة الفتيات تلك. فهي واحدة من هؤلاء الوصيفات اللواتي لم تتجاوز أكبرهنّ عامها السادس، واللواتي ارتدين الأبيض ورحن ينثرن الزهور في حفل الزفاف.

لم تكد تقترب منهنّ، حتى تشدّ إحداهنّ شعرها قبل أن تبتعد من جديد هي والأخريات عنها، ضاحكات.

يقع تاج الزهور عن رأسها. فتنحني بجهد لتستردّه، محاولة إخفاء دموعها. تضعه على رأسها من جديد وتجول بنظرها على الحاضرين. ربما تريد التأكد أن أحداً لم يرَ ما ألحقته بها الوصيفات الأخريات. ربما وبعكس ذلك، تبحث عن تعاطف ما.

الجميع منهمك بتناول الطعام وتبادل الأنخاب والأحاديث. وتبقى وحدها إلى يسار حلبة الرقص. لبرهة تشعر ابنة السنوات الخمس أن تلك الحلبة لها وحدها.

فتقترب بخطى متردّدة من وسطها، وتتمايل وهي تنظر إلى السماء التي ملأتها نجوم ذلك الليل. هي تحب الباليه. لكن معلمة الرقص في المدرسة نصحتها باختيار نشاط لاصفيّ آخر، إذ لن تنجح بوزنها الزائد على خشبة مسرح. لم تفهم.

تتمايل الصغيرة البدينة وهي تراقب كل تلك النجوم البراقة. وتتخيّل نفسها بزيّ الباليه الزهريّ ترقص في إحدى حفلات المدرسة... لكن أحد منظّمي الحفل يقطع حلمها، طالباً منها وبخشونة إخلاء الساحة.

تبتعد الصغيرة. تجلس على حافة ممشى حلبة الرقص. لكن أحد المصوّرين يطلب منها "الاختفاء". لا تفهم لماذا الكل "شرير" معها. أما المرأة الشابة التي تراقبها، فتفهم. وتتردّد في التوجّه إليها وضمّها ومواساتها. وتشعر برغبة جارفة بالبكاء. فالصغيرة التي راحت رفيقاتها الوصيفات يدعونها "باطابوفا" قبل أن يدفعنها عنهنّ وكأنها طفيليّ ما، تعيدها إلى زمن كان أخوها يدعوها كذلك.

كانت مراهقة عندما بدأت تكدّس الكيلوغرامات الزائدة في جسمها. وكانت بخلاف تلك الصغيرة تدرك جيداً سبب "لؤم" قريناتها والآخرين من حولها. ولمواجهتهم، راحت تحصّن نفسها بكيلوغرامات إضافيّة. وازداد اللؤم.

فليس من السهل ألا تلبّي "المعايير" المجتمعيّة التي وُضِعَت لـلجسم المثالي أو قل للجسم غير الشاذ. وُضِعَت. فاعله مجهول. قد يكون الإعلام أو الإعلان أو الموضة أو حتى الألعاب. ألم يتحدّث خبراء في علم النفس قبل سنوات عن "متلازمة باربي" - تلك الدمية ذات المقاييس الجماليّة المثاليّة - التي أصابت كثيرات؟

في حفل زفاف خالها، كانت الصغيرة سعيدة بفستانها الأبيض ذي الكشاكش، على الرغم من كل "الأشرار". لكن المرأة الشابة لم تتمكّن من لجم نفسها. وخافت عليها من لؤم لا يرحم، عانت منه طويلاً.
دلالات
المساهمون