الفساد يخترق البرلمان العراقي: تحقيقات برشاوى لتعطيل دوره الرقابي

25 اغسطس 2017
وجّه الجبوري بمكافحة الفساد البرلماني (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -
لم يتوقف الفساد عند المنظومة الحكومية في العراق فحسب، بل تعدّاها هذه المرة ليصل إلى المؤسسة الرقابية والتشريعية، المفترض أنّها تعمل على مراقبة المفسدين وإدانتهم والتمهيد لمحاسبتهم، فلم يسلم البرلمان العراقي هذه المرّة من اختراقه من قبل المفسدين أو المتسترين على المفسدين، الأمر الذي يضع هذه المؤسسة على المحك ويحرجها أمام الشعب الذي اختارها. وبعد حملة الاستجوابات التي جرت تحت قبة البرلمان، والتي لم يحضرها عدد من المسؤولين، يجري الحديث اليوم عن فساد ورشى تلقاها برلمانيون لأجل سحب تواقيعهم عن ملفات استجواب الوزراء المتورطين بالفساد. الأمر الذي يعني أنّ هناك جهات تسعى لجرّ البرلمان إلى الفساد بغية تعطيل دوره الرقابي وشل حركته. وعلى الرغم من أنّ الحديث عن تلك الرشى، ما زال في طور التحقيق، لكنّ مجرد توجيه الاتهام لسلطة تمثل صوت الشعب يعد سابقة خطيرة ستلقي بظلالها على نزاهة العمل البرلماني والرقابي.

في هذا السياق، يشير عضو في اللجنة القانونية البرلمانية، بحديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "ملفات الوزراء المطلوبين للاستجواب في البرلمان جاهزة بشكل كامل، لكنّ أغلب هؤلاء المسؤولين لم يحضروا الجلسات المخصصة لاستجوابهم"، مبيّناً أنّ "المعلومات التي وصلت إلى رئاسة البرلمان تكشف أنّ بعض الوزراء قدّموا رشى لتعطيل ملفات استجوابهم. وهذا الشيء حدث فعلاً وقد سُحبت الكثير من التواقيع من طلبات الاستجواب". ويضيف أن "وزراء آخرين احتموا بعشائرهم لتوفير الحماية لهم من البرلمانيين الذين يسعون لاستجوابهم، وهددوهم لأجل سحب تلك التواقيع. كما احتمى آخرون بأحزابهم ومليشياتهم، التي وفّرت لهم الحماية الكاملة واستطاعوا التهرب من الحضور". ويؤكد أن "كل ذلك تسبب بتعطيل دور البرلمان الرقابي، وشلّ حركته، الأمر الذي يسعى رئيس البرلمان سليم الجبوري لوضع حد له".

في هذا الإطار، تهرّب وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، من حضور جلسات استجوابه بالبرلمان، محتمياً بحزبه الذي وفّر له الدعم الكامل. كما لم يحضر وزير الزراعة فلاح حسن زيدان جلسة استجوابه، وقد سحب النواب المستجوبون تواقيعهم من المطالبة باستجوابه، كما أن وزير الاتصالات حسن راشد، لم يحضر بعد جلسة استجوابه.

واتهمت النائبة هدى سجّاد، عدداً من النواب بـ"الحصول على رشى مالية مقابل سحب تواقيعهم من المطالبة باستجواب الوزراء". وعلى إثر ذلك، اضطر رئيس البرلمان سليم الجبوري، إلى "توجيه لجنة النزاهة البرلمانية بالتحقيق باتهام النواب بتقاضي مبالغ مالية مقابل سحب تواقيعهم من الاستجواب، لأجل تحويل الملف إلى الجهات المعنية".



من جهته، قال رئيس لجنة النزاهة البرلمانية، النائب طلال الزوبعي، إنّ "التحقيق بشأن تقاضي نواب رشى مقابل سحب تواقيعهم، سيتمّ عرضه في جلسات البرلمان بعد عيد الأضحى". وأضاف الزوبعي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "التحقيق في تلك الاتهامات التي وُجّهت لعدد من النواب، مستمر ويحتاج إلى مزيد من الوقت"، مبيّناً أنّه "تم الاستماع إلى الإفادات والاتهامات والأدلّة المقدمة من قبل الجهات التي وجّهت تلك الاتهامات، وأنّنا نعمل على دراستها خلال الأسبوع الحالي، ومن ثم سيعرض التقرير النهائي على البرلمان بعد عطلة العيد مباشرة".

من جانبها، أفادت عضو لجنة النزاهة البرلمانية، النائبة عالية نصيف، في تصريح صحافي، بأنّ "جملة الاستجوابات التي جرت داخل قبة البرلمان وجهت لها اتهامات بأنّها مسيسة"، معتبرة أنّ "ذلك ذريعة لأجل تخليص الوزير من تلك الاستجوابات". وأضافت أنّه "من السهل اليوم الطعن بأي استجواب على أنّه سياسي أو شخصي، أو طعن بالتواقيع والذهاب للمحكمة الاتحادية لضرب الاستجواب. كلها وسائل للضغط تمارس لإنقاذ المسؤولين المستجوبين"، لافتة إلى أنّ "الدور الرقابي للبرلمان نصّ عليه الدستور، لكن المشكلة تكمن بأن هذا الدور لا تتم ممارسته بشكل صحيح، إذ إنّه في كل استجواب تعاد نفس السيناريوهات ويعرقل حضور الوزير المتهم بالفساد". ودعت نصيف رئاسة الوزراء إلى "إلزام الوزراء بحضور جلسات استجوابهم، لأنّ الدستور نص على ضرورة ذلك".

كما رأى مراقبون أنّ "الجهات الحزبية والحكومية المتورطة بملفات الفساد، استطاعت جرّ البرلمان إلى ركبها، في مسعى منها لتعطيل دوره الرقابي". وقال الخبير السياسي، زاهد محمد، إنّ "المسؤولين الفاسدين وهم أجزاء من مافيات فساد خطيرة تدير الكثير من الصفقات المشبوهة في البلاد، نجحوا بجر المؤسسة الرقابية (البرلمان) إلى الفساد، من خلال وضعه في دائرة العجز عن ممارسة دوره الرقابي". ولفت إلى أن "ذلك بحد ذاته يعني فساد المؤسسة الرقابية وتخليها عن دورها، سواء رضخت للرشى أم للتهديد والوعيد أم من خلال الوساطات وتأثيرها". وعدّ ذلك "سابقة خطيرة تضع البرلمان الذي يمثل صوت الشعب، أمام هذا الاتهام الخطير"، مشدّداً على أنّ "البرلمان لن يستطيع تجاوز هذه المرحلة إلّا في حال أثبت قدرة على ممارسة دوره الرقابي، وسحب الثقة عن المسؤولين الفاسدين".