الفساد الذي يأكل رؤوسنا

29 فبراير 2016
كم مرةً رفضتَ التوقف عند إشارة السير؟ (حسين بيضون)
+ الخط -

كم مرةً رفضتَ التوقف عند إشارة السير فتجاهلت الضوء الأحمر وتجاوزت الإشارة لأن الوقت كان ليلاً، أو لأنه لم تكن هناك سيارات أخرى في الجهات المقابلة لك؟ وربما كانت هناك سيارات أخرى، لكنك قرّرت تجاهلها، وتخطّي الإشارة عمداً لأنك كنت مستعجلاً أو لأن صبرك المحدود لا يسمح لك بانتظار ثوانٍ إضافية.

انسَ أن الدنيا كانت ليلاً. فهذا تفصيل لم يكن ليهمّك.

كم مرةً ضربتَ يدك على محفظتك الشخصية وسحبت منها ورقة نقدية، من فئة محدّدة، لتدسّها في درج موظف رسمي، أو في جيبه، من أجل التسريع في مسار معاملة تمرّ من عنده؟

تذكّر جيداً. فربما كانت "الهدية" شيئاً غير المال.

كم مرةً ركنتَ سيارتك بالقرب من لافتة "ممنوع الوقوف" غير آبهٍ بالعمود المرتفع الذي عُلّقت عليه اللافتة؟ بل لعلّك ضحكت من اللافتة نفسها، فأنتَ قوي ولا أحد يستطيع منعك عن شيء.

كم مرةً تنقلتَ في السيارة من دون أن تضع حزام الأمان؟ تعال نعيد صياغة السؤال: كم مرةً تنقلتَ في السيارة بعدما وضعت حزام الأمان؟

فكّر جيداً قبل أن تجيب.

كم مرةً شاهدتَ حادثاً أو إشكالاً في الشارع فتابعتَ طريقكَ وقرّرتَ أن الحفاظ على رأسكَ خير من التورّط بما لا يعنيك؟

كم مرةً قصدتَ مسؤولاً أو صديقاً أو أحد المعارف من أجل خدمة تعرفُ في نفسك أن "الواسطة" فيها أجدى من أي شيء آخر؟

كم مرةً سمعتهم يتحدثون عن الموظف الرسمي "الأهبل" الذي لا يقبل "الهدايا"، الكلمة المهذبة للرشاوى؟ كم مرةً قالوا إنه شخص لا يعرف "تحسين وضعه"؟ ما يعني أنه لا يحسن الإفادة من مركزه، رفيعاً كان أم بسيطاً، لملء جيبه بالمال الحرام.

كم مرةً سمعتهم يقولون بلغة العارفين إن الموظف الرسمي يجب ألا يعتمد على راتب الوظيفة بل على "مسالكها" الأخرى؟

حتى لقد ظننتَ في نفسك أن معظم ما سمعت هو من البديهيات.

حسناً. ليس الأمر كذلك. فالفساد الذي يأكل رؤوسنا ليس من البديهيات. الفساد منظومة موجودة، وأنا وأنتَ مسؤولان عنها، حتى لو لم نرتض بها ورفضناها.

الفساد هو أن نصدّق كل ما سبق وأن لا حلولاً أخرى للوصول إلى حقوقي وحقوقك. الفساد هو أن نقبل بالواقع السيئ كما هو وأن نصدّق أننا لسنا قادرين على تغيير اتجاهه أبداً. الفساد هو أن تثار حساسيتنا المذهبية كلّما حكّها لنا المسؤول. الفساد هو أن نبحث دوماً عن بدائل لحقوق وخدمات ندفع ثمنها لأننا نؤمن بالقانون والنظام. الفساد هو عندما نفقد الأمل. أما الفساد الأكبر فهو أن نتنفّس رائحة النفايات صباح كل يوم ونحن نخرج إلى العمل.. مبتسمين.

اقرأ أيضاً: أهلاً بكم في الميكانيك
المساهمون