تمر ذكرى حرب أكتوبر/ تشرين الأول الثالثة والأربعين وهناك تعمُّد من الإعلام ومسؤولي الدولة المصرية تغافل الدور الكبير الذي قام به الفريق أول محمد فوزي، على الرغم من أنه الصانع الحقيقي والرأس المدبر للحرب، وهو صاحب الخطة الأساسية للعبور في حرب 1973.
وفي تقدير العشرات من الساسة وخبراء الحرب، فإن تجاهل الفريق فوزي لا يعود للرغبة في تجاهله بقدر ما أن مقاس التجاذبات السياسية والعسكرية في قضية الصراع العربي الإسرائيلي لا تتسع لرجلٍ كان هدفه الأساسي من الحرب ليس الذهاب إلى موائد التفاوض والبحث عن حلول هدفها في النهاية الإبقاء على إسرائيل منتصرة أو منهزمة في المنطقة، ولكن كانت خطته الأساسية من حرب أكتوبر القضاء على التواجد الإسرائيلي في المنطقة العربية وليس سيناء فقط باعتبار الكيان الصهيوني وباء يشل مستقبل المنطقة برمتها.
وفي تقدير العشرات من الساسة وخبراء الحرب، فإن تجاهل الفريق فوزي لا يعود للرغبة في تجاهله بقدر ما أن مقاس التجاذبات السياسية والعسكرية في قضية الصراع العربي الإسرائيلي لا تتسع لرجلٍ كان هدفه الأساسي من الحرب ليس الذهاب إلى موائد التفاوض والبحث عن حلول هدفها في النهاية الإبقاء على إسرائيل منتصرة أو منهزمة في المنطقة، ولكن كانت خطته الأساسية من حرب أكتوبر القضاء على التواجد الإسرائيلي في المنطقة العربية وليس سيناء فقط باعتبار الكيان الصهيوني وباء يشل مستقبل المنطقة برمتها.
وربما أن التاريخ سيأتي يوما ما لينصف الرجل ويخرج الأسرار العسكرية من أدراجها المخفية، فالفريق أول محمد فوزي سيظل أحد أهم أسرار الجيش المصري الذي قاد حرب الاستنزاف بدءاً من يوليو/ تموز 1967 وحتى مارس/ آذار 1968 وإليه يعود البدء في التحضير لانتصار السادس من أكتوبر، حيث إعادة بناء وهيكلة القوات المسلحة بعد النكسة.
شهد له الجميع بالانضباط العسكري وقام بدور رئيسي في إعادة هيكلة وتطوير القوات المسلحة في الفترة بين 1967 إلى 1970، وعلى الرغم من الغدر الذي تعرض له واعتراض طريق خطته للحرب من قبل القرار التعسفي للرئيس السادات بمحاكمته عسكرياً في 1971، إلا أن الجميع يقر ويعترف بكونه وضع حجر الأساس لحرب 1973.
قضى تاريخه في الكلية الحربية وتخرج منها عام 1936 ليلتحق بسلاح المدفعية ويشارك في الحرب العالمية الثانية في الدفاع الجوي عن القواعد البحرية في مصر، كما شارك في حرب فلسطين عام 1948 ولفت الأنظار عندما قام بتطوير المدافع المضادة للطائرات لتصيب أهدافا أرضية، حيت استطاع تدمير برج المياه الإسرائيلي في دير سنيد.
اقــرأ أيضاً
تولى منصب رئيس أركان في الستينيات بعد أن استشرت سيطرة الفريق عبد الحكيم عامر على الجيش المصري، ولكن تعيينه لم يصنع فارقاً حيث تمكن الضعف من الجيش المصري حتى جاءت النكسة التي تسببت في تنحِّي الرئيس جمال عبد الناصر، ورفض الشعب تنحِّيه، فقطع الرئيس جمال عبد الناصر وعداً بإعادة بناء القوات المسلحة، فجاء القرار بتعيين الفريق محمد فوزي قائداً عاماً للقوات المسلحة في الحادي عشر من يونيو/ حزيران 1967، وفي الليلة نفسها قدم فوزي لعبد الناصر ثلاث أوراق عن التوجيه السياسي والمعنوي والإداري للجيش، ثم وضع العديد من الخطط التي سارت في خطوط متوازية، وأهمها بداية حرب استنزاف ضد العدو، والتي بدأت فعليًا بمعركة رأس العش في الأول من يوليو 1967، وخطة إعادة بناء القوات المسلحة، وخطة تطوير التسليح.
عُرفت عن الفريق محمد فوزي شدته وانضباطه العسكري ورؤيته العسكرية المؤيدة للحرب، فلم يكن يقبل بالتهاون مع العدو، وبدأ في وضع خطة للحرب ضد إسرائيل انتهى منها في 1970 والتي يطلق عليها "الخطة 200"، وكانت تحمل تنظيماً عسكرياً محكماً لخطة العبور وتحرير سيناء ومن ثم إخراج العدو الصهيوني من فلسطين والأراضي العربية كلها، وفي نهاية أغسطس/ آب 1970 عقد عبد الناصر اجتماعًا مصغرًا مع وزيري الحربية والخارجية لمناقشة الاستعدادات النهائية لبدء معركة التحرير، وأكد الفريق فوزي مقدرة قواته على العبور وخوض معركة التحرير، وكانت تشمل خطتين: "200 وجرانيت"، وكذلك خط سورية لتحرير الجولان.
وجاءت وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وتولي السادات بمثابة عائق أمام خطة الفريق محمد فوزي، حيث أُطيح به إلى محاكمة عسكرية يقضي بعدها سنتين من عمره في المعتقل لم يكن ليخرج منه إلا لأسباب مرضية.
ويقول الفريق محمد فوزي، في تسجيل نادر له، إنه تعرض لتهديدات عديدة، فيقول: كنت في مكتبي ذات يوم فأتى إلي 21 ضابطا من رتب كبيرة، وقالوا لي "انت قاعد هنا ليه على الكرسي قوم امشي مفيش قائد غير المشير"، فقال لهم: "إزاي أمشي أنا قاعد أقوم بدوري ووظيفتي أحمي الدولة والرئاسة، انتوا اللي تمشوا، انتوا اللي متقاعدين واحنا في وقت حرب وموجودين في الميدان، وهذا الوضع غير قانوني ومن سينتظر دقيقتين هشكل له مجلس عسكري ميداني وهيتحاكم دلوقتي".
يُذكر أن خطة محمد فوزي كانت تتضمن القضاء على إسرائيل وطردها من المنطقة العربية بأكملها وليس من سيناء فقط، وذلك كان يتعارض بشكل كبير مع رؤية الرئيس محمد أنور السادات الذي كان يفضِّل الحل السلمي واستعادة سيناء فقط، وكان من المفترض أن يوقّع السادات قرار الحرب يوم 11 مايو/ أيار 1971 ولكنه رفض، فقدم الفريق محمد فوزي استقالته وتبعه عدد من كبار المسؤولين الذين عملوا في عهد عبد الناصر، فقبلها السادات، وألقى القبض عليهم جميعاً وأقام محاكمة هزلية لهم، لكن عُرض الفريق أول محمد فوزي على محكمة خاصة لم يُفرج عنه إلا بعد تردِّي حالته الصحية في السجن بعد عامين قضاهما في ظلام السجن غير مُحتفل بالنصر الذي كان هو السبب فيه.