15 اغسطس 2015
الفرعونية في مداولة الحكم
أسماء عبد اللطيف (السودان)
لكل شيء تاريخ صلاحية، يفقد بعدها أي مفعول له أو فائدة. وسنّة الله في كونه أن تكون الحياة مراحل، تنتهي مرحلة لتحل أخرى، وكل منها لها ما يميزها. تنتهي فترة رضاعة الطفل بالفطام، ليبدأ حياة أخرى أكثر حيويةً واعتماداً على النفس. وفي التعليم، يكمل الطالب مراحل تعليمه، ليبدأ حياته العملية، يطبق فيها ما ناله من علوم وخبرات وتجارب، ليفيد بها بلده، وأهله وعشيرته، بل الإنسانية جمعاء. والمرأة جعل الله لها في الطبيعة فترة للحمل والولادة. ... ولماذا سن العالم قانون المعاشات؟
يخالف الحاكم العربي قوانين الحياة، ليبقى في كرسيه إلى الأبد، فلدينا رؤساء تحجروا على كراسيهم، وما زالوا يطلبون المزيد، ولم يغادر أي منهم كرسيه طواعية، فمن هلك منهم مات وهو ممسك بالكرسي، وغارق في دماء شعبه، من صدام حسين إلى معمر القذافي، إلى من خلعوا كحسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح، إلى بشار الذي يتشبث بالبقاء على أشلاء شعبه، إلى عمر البشير الذي يريد ولاية أخرى على كومة وطن مفتتة، إلى عبد العزيز بوتفليقة الرئيس المريض، والغريب أنه حتى القادة الثوريون يبقون حتى الموت كياسر عرفات.
إذا كان للحاكم صلاحية لا تنقضي، وقوة لا تنتهي إلى ضعف، فأحسب أن الشعب سيكون كذلك، فليلغوا صلاحية الأشياء، وألغوا سن التقاعد، وليعد جدي وأبي إلى أعمالهما، ولتعمل النساء مدى الحياة، ولتكن لهم قوانين تخالف قانون الطبيعة التي خلقنا عليها ربنا، تبارك وتعالى، وليتحدوا (من نعمره ننكسه في الخلق ).. أليس هذا ما يريدونه؟
وفشل الحوارات الوطنية في بلداننا العربية سببه الجلوس الطويل على الكرسي الذي يجلب مزيداً من الأذى والدمار.
أترحم على إبراهيم عبود، فهو في قمة قوته وفتوته، عندما قامت ثورة أكتوبر/ تشرين أول 1964 في السودان، رفض حتى ترقيته إلى رتبة فريق، وغادر كرسي الحكم برتبة لواء، وعلى الرغم من اختلافنا معه، إلا أننا نثمن له مغادرته وحقن الدماء.
فكم من دماءٍ أريقت، وكم من أرواحٍ أزهقت، بسبب التعنت والإصرار على البقاء في سدة الحكم. لكنها اللعبة الاقتصادية ومجموعات المصالح، من جمارك ورؤوس أموال ومستثمرين ومستثمرين في الخفاء، كل هؤلاء وغيرهم مصلحتهم في بقاء الحاكم، أما الإنشاء وما تكتبه جرائدهم، فلا أحد يصدقه، فكلها تطيل أمد الجلوس على الكرسي. وتضارب هذه المصالح مع ذهاب الحاكم هو سبب كل المشكلات في دولنا العربية.
ما نراه الآن من مآسٍ في العراق، بسبب النعرة الطائفية البغيضة، فقد راح طاغية ليحل مكانه طاغية آخر. وشلالات الدماء في سورية لا أعتقد أنه كان سيكون لها مبرر، لو كان هناك تبادل وتداول سلمي للسلطة بين أحزابٍ، واعيةٍ بمصالح الوطن والمواطن. وما حل بليبيا من تناحر بين الميليشيات المسلحة، وتدخل للدول الاوروبية وغيرها، ونهب ثروات البلد كلها، بسبب تعنت القذافي، وإصراره على الجلوس على الكرسي، وتطبيل أصحاب المصالح له، فقد كاد يقول أنا ربكم الأعلى.
ومأساة السودان في حاكم ظل جاثماً على صدر البلد ربع قرن من الزمان، ويطمع في المزيد، ومعارضة شارفت أعمار بعض شيوخها على الثمانين عاماً، وثمة آخرون منهم تعدوها، فرأى السودان من الكوارث أسوأها، مطوقاً بثلاثي وقح، فساد وفقر وتفتت. أما اليمن، فمأساته تفوق الوصف، وأقعدته الحرب والجهل والفقر والمرض.
مجموعات المصالح في مصر تسعى إلى صنع فرعون بديل، على الرغم من أن المرحلة تحتاج إلى رجل شديد عادل على سدة الحكم، لا ينحاز إلى فئة دون أخرى، قبل أن تأتي التدخلات الخارجية، وتعمل على تغيير الواقع بقوة لصالحها، وعندها لا ندم يجدي، ولا بكاء سيفيد.
مات سليمان، عليه السلام، ولم تدر الجن بموته، ونحن اليوم، والله، لا ندري هل الحاكم عائش أم مات، وما نراه هل هو تمثال من الشمع، أم روبوت شبيه بالحاكم يوهمنا بوجوده.
منَّ الله جل وعلا على سيدنا سليمان عليه السلام بأن سخر له الجن، لكن الحكام وزمرهم في بلادنا يسخّرون الشعوب كلها تحت إمرتهم.
أجل، هناك مدح لطول العمر، لكنه مشروط بحسن العمل (خيركم من طال عمره وحسن عمله).. الذين تسمروا على الكراسي أزمنة طويلة، هل حسنت أعمالهم؟
على الرغم من كل هذا الركام من الآثام والآلام والمآسي، إلا أن الامل بواقع أجمل مازال يعيش فينا، والآمال، الآن، معقودة على فتية آمنوا بربهم.
يخالف الحاكم العربي قوانين الحياة، ليبقى في كرسيه إلى الأبد، فلدينا رؤساء تحجروا على كراسيهم، وما زالوا يطلبون المزيد، ولم يغادر أي منهم كرسيه طواعية، فمن هلك منهم مات وهو ممسك بالكرسي، وغارق في دماء شعبه، من صدام حسين إلى معمر القذافي، إلى من خلعوا كحسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح، إلى بشار الذي يتشبث بالبقاء على أشلاء شعبه، إلى عمر البشير الذي يريد ولاية أخرى على كومة وطن مفتتة، إلى عبد العزيز بوتفليقة الرئيس المريض، والغريب أنه حتى القادة الثوريون يبقون حتى الموت كياسر عرفات.
إذا كان للحاكم صلاحية لا تنقضي، وقوة لا تنتهي إلى ضعف، فأحسب أن الشعب سيكون كذلك، فليلغوا صلاحية الأشياء، وألغوا سن التقاعد، وليعد جدي وأبي إلى أعمالهما، ولتعمل النساء مدى الحياة، ولتكن لهم قوانين تخالف قانون الطبيعة التي خلقنا عليها ربنا، تبارك وتعالى، وليتحدوا (من نعمره ننكسه في الخلق ).. أليس هذا ما يريدونه؟
وفشل الحوارات الوطنية في بلداننا العربية سببه الجلوس الطويل على الكرسي الذي يجلب مزيداً من الأذى والدمار.
أترحم على إبراهيم عبود، فهو في قمة قوته وفتوته، عندما قامت ثورة أكتوبر/ تشرين أول 1964 في السودان، رفض حتى ترقيته إلى رتبة فريق، وغادر كرسي الحكم برتبة لواء، وعلى الرغم من اختلافنا معه، إلا أننا نثمن له مغادرته وحقن الدماء.
فكم من دماءٍ أريقت، وكم من أرواحٍ أزهقت، بسبب التعنت والإصرار على البقاء في سدة الحكم. لكنها اللعبة الاقتصادية ومجموعات المصالح، من جمارك ورؤوس أموال ومستثمرين ومستثمرين في الخفاء، كل هؤلاء وغيرهم مصلحتهم في بقاء الحاكم، أما الإنشاء وما تكتبه جرائدهم، فلا أحد يصدقه، فكلها تطيل أمد الجلوس على الكرسي. وتضارب هذه المصالح مع ذهاب الحاكم هو سبب كل المشكلات في دولنا العربية.
ما نراه الآن من مآسٍ في العراق، بسبب النعرة الطائفية البغيضة، فقد راح طاغية ليحل مكانه طاغية آخر. وشلالات الدماء في سورية لا أعتقد أنه كان سيكون لها مبرر، لو كان هناك تبادل وتداول سلمي للسلطة بين أحزابٍ، واعيةٍ بمصالح الوطن والمواطن. وما حل بليبيا من تناحر بين الميليشيات المسلحة، وتدخل للدول الاوروبية وغيرها، ونهب ثروات البلد كلها، بسبب تعنت القذافي، وإصراره على الجلوس على الكرسي، وتطبيل أصحاب المصالح له، فقد كاد يقول أنا ربكم الأعلى.
ومأساة السودان في حاكم ظل جاثماً على صدر البلد ربع قرن من الزمان، ويطمع في المزيد، ومعارضة شارفت أعمار بعض شيوخها على الثمانين عاماً، وثمة آخرون منهم تعدوها، فرأى السودان من الكوارث أسوأها، مطوقاً بثلاثي وقح، فساد وفقر وتفتت. أما اليمن، فمأساته تفوق الوصف، وأقعدته الحرب والجهل والفقر والمرض.
مجموعات المصالح في مصر تسعى إلى صنع فرعون بديل، على الرغم من أن المرحلة تحتاج إلى رجل شديد عادل على سدة الحكم، لا ينحاز إلى فئة دون أخرى، قبل أن تأتي التدخلات الخارجية، وتعمل على تغيير الواقع بقوة لصالحها، وعندها لا ندم يجدي، ولا بكاء سيفيد.
مات سليمان، عليه السلام، ولم تدر الجن بموته، ونحن اليوم، والله، لا ندري هل الحاكم عائش أم مات، وما نراه هل هو تمثال من الشمع، أم روبوت شبيه بالحاكم يوهمنا بوجوده.
منَّ الله جل وعلا على سيدنا سليمان عليه السلام بأن سخر له الجن، لكن الحكام وزمرهم في بلادنا يسخّرون الشعوب كلها تحت إمرتهم.
أجل، هناك مدح لطول العمر، لكنه مشروط بحسن العمل (خيركم من طال عمره وحسن عمله).. الذين تسمروا على الكراسي أزمنة طويلة، هل حسنت أعمالهم؟
على الرغم من كل هذا الركام من الآثام والآلام والمآسي، إلا أن الامل بواقع أجمل مازال يعيش فينا، والآمال، الآن، معقودة على فتية آمنوا بربهم.
مقالات أخرى
04 اغسطس 2015
10 يونيو 2015
07 يونيو 2015