15 ديسمبر 2021
الفرد... حجر أساس التنمية
"الأسرة نواة المجتمع" من المسلمات البديهية التي يرددها الإعلام، ويدرسها التلاميذ في المدارس، والطلاب في الجامعات. لكنها شعار نظري لا تعمل حكومات العالم العربي لجعله واقعاً في خططها التنموية، ولا تزال هناك أصوات تنكر أولوية دور الأسرة في المجتمع عند حدوث نزاعات مسلّحة، فيقتصر النظر إلى الأسرة كضحية فقط، ويُهمل دورها كعامل من عوامل النضال السلمي ضد استمرار النزاع، ونشاطها الاجتماعي التكافلي، ومساهمتها في تحقيق التماسك وعملية البناء.
في اليمن، وبعد 4 أعوام من حرب لم تثبت إلا أن الشباب كانوا وقوداً لها، لا تزال أقلام نخبوية ترمي إلى تقصير المجتمع في الحسم العسكري، من خلال امتناع الشباب للذهاب إلى ساحات القتال، تحت مبرر فرض السلام بالقوة.
في المقابل، أرسلت العديد من الأسر أبناءها لنيل "الشهادة"، ولم يتحقق السلام بل تحقق الألم والقهر والكراهية بين أبناء الشعب الواحد.
ربما قد يعدّ الحديث عن هذه الأفكار في ظل استمرار آلة القتل بحصد الأرواح حديثاً مثالياً، مقارنة بالحاجة الملحّة للمطالبة بتقديم المساعدات الإغاثية للمتضررين، ومعالجة الجرحى.. وما إلى ذلك، إلا أن الحديث عن دور الأسرة والفرد أثناء الحرب لا يعد ترفاً فكرياً، وخصوصاً مع كل هذه المعاناة، إذ يصبح الخوف والجوع والتشرد مدعاة للجريمة والتفكك الأسري والضياع، وتغدو مبررات التخلي عن القيم الأخلاقية مستمرأة اجتماعياً، لمجاراة متطلبات وضرورات الواقع الأليم.
المجتمعات الرازحة تحت وطأة الصراعات المسلحة هي أكثر من غيرها بحاجة لعملية برمجة مستمرة للوعي الجمعي، تعزيزاً للقيم الأخلاقية، ومبادئ التكافل الاجتماعي، ونبذ ثقافة السلاح والدم، وترسيخ "اللاعنف" كمفهوم للقوة، باعتبار أن النضال السلمي هو الضامن لسلام حقيقي دائم، على عكس السلام المؤقت الذي يتأتى من الحسم العسكري.
بالنظر إلى أساس المشكلة، سنجد أن الأسرة لم تكن تحظى باهتمام حقيقي، وأن الوعي المجتمعي كان في هامش اهتمام الإدارة السياسية، لذلك بمجرد إشعال فتيل الصراع سقط الشباب في أحضان الكيانات المسلحة المختلفة، حتى الإرهابية منها، وغاب العقل والضمير في إدارة الحرب أو على الأقل تأطيرها، ولذلك كانت المعاناة الإنسانية تتسع مع كل يوم إضافي وساعة أخرى.
لم تتسع قاعدة الفقد بالموت فحسب، لقد فقدت البلاد خصوصية أهلها في طيبتهم وتآخيهم وشهامة رجالها وحشمة نسائها "حشمة السلوك"، فبعد فقدان الرادع الأخلاقي الذي يفترض أن تضبطه الأسرة، باتت النساء يحملن الأسلحة والهراوات ويضربن أخواتهن في التظاهرات والفعاليات السلمية، حتى الأطفال تم إشراكهم في الصراع، وبات الطفل عدوّ الطفل!
كلما غاب دور الأسرة في التنشئة السليمة للنشء زاد مستوى الفساد الاجتماعي، ومن ثم السياسي، فهذه العينات التي تتحكم اليوم بمصير الشعب إنما هي إفرازات القاعدة الاجتماعية، وكل مظاهر الفساد المشهودة اليوم، إنما قائمة بأيدي أفراد "عديمي التربية السليمة".
حتى على مستوى الارتزاق للخارج وبيع الكرامة الوطنية، كلها مخلفات تنشئة أسرية سيئة، فلو كان السياسي س أو ص نشأ على قيم الكرامة والوطنية، لما كان اليوم مشاركاً في المتاجرة بمعاناة وطنه، ولما ارتضى لنفسه الارتهان للخارج، ولما كان محتالاً بسلب المساعدات الإنسانية الخارجية ومخصصات "مرتبات ومستحقات" العامّة، ولما كان المسؤول والموظف والمواطن اليوم بلا أمانة.
بعد سقوط إمبراطورية اليابان من جراء قنبلتي هيروشيما ونكازاكي، وتوقيعها على وثيقة "الاستسلام الكامل بدون شروط"، سارعت اليابان لحفظ اعتداد الفرد الياباني بنفسه. كانت تخشى أن يهزم نفسياً، فاستبدلت فكرة الهزيمة أمام الولايات المتحدة بفكرة التضحية لصالح البشرية، ومع أنها غرقت عقوداً في السرطانات والتشوهات الخلقية والفقر المدقع، وهي الإمبراطورية التي سبقت حضارتها تاريخ الوجود الأميركي بنحو 10 قرون، حرصت على عدم تبديد طاقات شعبها بالكراهية والحقد والرغبة في الانتقام، ووجهتها نحو الإرادة والعمل الدؤوب لاستعادة المجد، فلم تبدأ بترميم وإعادة إعمار البنية التحتية، بل بإعمار الإنسان الياباني، وتعزيزه أخلاقياً، من خلال ترسيخ مبادئ الصدق، والإتقان، والنظام، والأمانة. لقد بدأت بترسيخ حب المواطن لأرضه ووطنه حتى لا تتعرض البنية التحتية لتخريب لاحق، ورأت أن توجيه المواطن نحو الزراعة "سيكسبه جلداً يعزز ارتباطه بالأرض وثقته بنفسه"، لقد اهتمت بالتعليم النوعي وجيّشت شبابها وأطفالها في المدارس لا في المعسكرات، جيشتهم لنهضة اليابان لا لتدمير أميركا، وبذلك انتصرت.
في ألمانيا أيضاً كان الفرد يقف على أولوية أهداف التنمية، فعلى الرغم من الدمار الذي لحق بالبلد بعد الحرب العالمية الثانية، وفقدان عدد كبير من رجالها وشبابها وتفشي الفقر والمرض، كانت تقيم القيامة حين يحاول فرد خرق طابور المواطنين أمام مخبز الرغيف، لقد أشاعوا شعار "تفقد ألمانيا كل شيء لكنها لا تفقد الأخلاق".
إذاً فتنمية الفرد، هي حجر أساس تحقيق التنمية الاجتماعية والوطنية الشاملة، فلا خير يرجى من جائع في ساحة معركة، ولكن كل الخير فيه إن وجد في ساحات النضال السلمي، وللتاريخ في نضال غاندي عبرة؛ إذ استطاع انتزاع استقلال بلاده رغم الجوع والضرب والاعتقال، من خلال توعية الأفراد بأهمية النضال السلمي والقيم الأخلاقية.
إن متطلبات الواقع تحتّم سرعة التوجه نحو التوعية الاجتماعية في تعزيز ثقافة النضال السلمي و"اللاعنف"، بدلاً من ثقافة السلاح والعنف والدم، وكل ما تخلفه من كراهية وأحقاد وتبديد للطاقات البشرية وترحيل لانفجار معارك لاحقة. والتاريخ اليمني القريب يؤكد أنه ما من معركة حسمت بالعنف حققت سلاماً، منذ حرب 1994 مروراً بالعنف والتفجيرات والاغتيالات والتهديدات وتبادل الاتهامات، التي تخللت مرحلة التغيير في 2011 وصولاً لحرب 2015.
وأخيراً، ما دام استمرار معارك الميدان قدراً محتوماً على اليمنيين، ولا يد لهم فيه نظراً للتجاذبات الإقليمية والدولية في حرب اليمن، فما المانع في أن يتفرغ اليمنيون للبناء القيمي والأخلاقي على الأقل؟
في اليمن، وبعد 4 أعوام من حرب لم تثبت إلا أن الشباب كانوا وقوداً لها، لا تزال أقلام نخبوية ترمي إلى تقصير المجتمع في الحسم العسكري، من خلال امتناع الشباب للذهاب إلى ساحات القتال، تحت مبرر فرض السلام بالقوة.
في المقابل، أرسلت العديد من الأسر أبناءها لنيل "الشهادة"، ولم يتحقق السلام بل تحقق الألم والقهر والكراهية بين أبناء الشعب الواحد.
ربما قد يعدّ الحديث عن هذه الأفكار في ظل استمرار آلة القتل بحصد الأرواح حديثاً مثالياً، مقارنة بالحاجة الملحّة للمطالبة بتقديم المساعدات الإغاثية للمتضررين، ومعالجة الجرحى.. وما إلى ذلك، إلا أن الحديث عن دور الأسرة والفرد أثناء الحرب لا يعد ترفاً فكرياً، وخصوصاً مع كل هذه المعاناة، إذ يصبح الخوف والجوع والتشرد مدعاة للجريمة والتفكك الأسري والضياع، وتغدو مبررات التخلي عن القيم الأخلاقية مستمرأة اجتماعياً، لمجاراة متطلبات وضرورات الواقع الأليم.
المجتمعات الرازحة تحت وطأة الصراعات المسلحة هي أكثر من غيرها بحاجة لعملية برمجة مستمرة للوعي الجمعي، تعزيزاً للقيم الأخلاقية، ومبادئ التكافل الاجتماعي، ونبذ ثقافة السلاح والدم، وترسيخ "اللاعنف" كمفهوم للقوة، باعتبار أن النضال السلمي هو الضامن لسلام حقيقي دائم، على عكس السلام المؤقت الذي يتأتى من الحسم العسكري.
بالنظر إلى أساس المشكلة، سنجد أن الأسرة لم تكن تحظى باهتمام حقيقي، وأن الوعي المجتمعي كان في هامش اهتمام الإدارة السياسية، لذلك بمجرد إشعال فتيل الصراع سقط الشباب في أحضان الكيانات المسلحة المختلفة، حتى الإرهابية منها، وغاب العقل والضمير في إدارة الحرب أو على الأقل تأطيرها، ولذلك كانت المعاناة الإنسانية تتسع مع كل يوم إضافي وساعة أخرى.
لم تتسع قاعدة الفقد بالموت فحسب، لقد فقدت البلاد خصوصية أهلها في طيبتهم وتآخيهم وشهامة رجالها وحشمة نسائها "حشمة السلوك"، فبعد فقدان الرادع الأخلاقي الذي يفترض أن تضبطه الأسرة، باتت النساء يحملن الأسلحة والهراوات ويضربن أخواتهن في التظاهرات والفعاليات السلمية، حتى الأطفال تم إشراكهم في الصراع، وبات الطفل عدوّ الطفل!
كلما غاب دور الأسرة في التنشئة السليمة للنشء زاد مستوى الفساد الاجتماعي، ومن ثم السياسي، فهذه العينات التي تتحكم اليوم بمصير الشعب إنما هي إفرازات القاعدة الاجتماعية، وكل مظاهر الفساد المشهودة اليوم، إنما قائمة بأيدي أفراد "عديمي التربية السليمة".
حتى على مستوى الارتزاق للخارج وبيع الكرامة الوطنية، كلها مخلفات تنشئة أسرية سيئة، فلو كان السياسي س أو ص نشأ على قيم الكرامة والوطنية، لما كان اليوم مشاركاً في المتاجرة بمعاناة وطنه، ولما ارتضى لنفسه الارتهان للخارج، ولما كان محتالاً بسلب المساعدات الإنسانية الخارجية ومخصصات "مرتبات ومستحقات" العامّة، ولما كان المسؤول والموظف والمواطن اليوم بلا أمانة.
بعد سقوط إمبراطورية اليابان من جراء قنبلتي هيروشيما ونكازاكي، وتوقيعها على وثيقة "الاستسلام الكامل بدون شروط"، سارعت اليابان لحفظ اعتداد الفرد الياباني بنفسه. كانت تخشى أن يهزم نفسياً، فاستبدلت فكرة الهزيمة أمام الولايات المتحدة بفكرة التضحية لصالح البشرية، ومع أنها غرقت عقوداً في السرطانات والتشوهات الخلقية والفقر المدقع، وهي الإمبراطورية التي سبقت حضارتها تاريخ الوجود الأميركي بنحو 10 قرون، حرصت على عدم تبديد طاقات شعبها بالكراهية والحقد والرغبة في الانتقام، ووجهتها نحو الإرادة والعمل الدؤوب لاستعادة المجد، فلم تبدأ بترميم وإعادة إعمار البنية التحتية، بل بإعمار الإنسان الياباني، وتعزيزه أخلاقياً، من خلال ترسيخ مبادئ الصدق، والإتقان، والنظام، والأمانة. لقد بدأت بترسيخ حب المواطن لأرضه ووطنه حتى لا تتعرض البنية التحتية لتخريب لاحق، ورأت أن توجيه المواطن نحو الزراعة "سيكسبه جلداً يعزز ارتباطه بالأرض وثقته بنفسه"، لقد اهتمت بالتعليم النوعي وجيّشت شبابها وأطفالها في المدارس لا في المعسكرات، جيشتهم لنهضة اليابان لا لتدمير أميركا، وبذلك انتصرت.
في ألمانيا أيضاً كان الفرد يقف على أولوية أهداف التنمية، فعلى الرغم من الدمار الذي لحق بالبلد بعد الحرب العالمية الثانية، وفقدان عدد كبير من رجالها وشبابها وتفشي الفقر والمرض، كانت تقيم القيامة حين يحاول فرد خرق طابور المواطنين أمام مخبز الرغيف، لقد أشاعوا شعار "تفقد ألمانيا كل شيء لكنها لا تفقد الأخلاق".
إذاً فتنمية الفرد، هي حجر أساس تحقيق التنمية الاجتماعية والوطنية الشاملة، فلا خير يرجى من جائع في ساحة معركة، ولكن كل الخير فيه إن وجد في ساحات النضال السلمي، وللتاريخ في نضال غاندي عبرة؛ إذ استطاع انتزاع استقلال بلاده رغم الجوع والضرب والاعتقال، من خلال توعية الأفراد بأهمية النضال السلمي والقيم الأخلاقية.
إن متطلبات الواقع تحتّم سرعة التوجه نحو التوعية الاجتماعية في تعزيز ثقافة النضال السلمي و"اللاعنف"، بدلاً من ثقافة السلاح والعنف والدم، وكل ما تخلفه من كراهية وأحقاد وتبديد للطاقات البشرية وترحيل لانفجار معارك لاحقة. والتاريخ اليمني القريب يؤكد أنه ما من معركة حسمت بالعنف حققت سلاماً، منذ حرب 1994 مروراً بالعنف والتفجيرات والاغتيالات والتهديدات وتبادل الاتهامات، التي تخللت مرحلة التغيير في 2011 وصولاً لحرب 2015.
وأخيراً، ما دام استمرار معارك الميدان قدراً محتوماً على اليمنيين، ولا يد لهم فيه نظراً للتجاذبات الإقليمية والدولية في حرب اليمن، فما المانع في أن يتفرغ اليمنيون للبناء القيمي والأخلاقي على الأقل؟