أظهرت النقاشات التي دارت مؤخراً حول تصريح الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله حول الزواج المبكر أن الحقوق في لبنان لا تزال وجهة نظر. هناك من أنكر/ت ومن برّر/ت لنصرالله تصريحاته حول تزويج الفتيات بسن مبكرة. وهناك بالطبع من صمت صمتاً مطبقاً. في كل الحالات، ظهر ما هو أخطر من الخطاب بحد ذاته. فالخطاب في نهاية المطاف صادر عن رجل دين، ولا يسعنا إلا أن نتوقع الإطار المرجعي لمثل هذا الخطاب. الأخطر هو ما ظهر لدى بعض العلمانيين والعلمانيات من ردات فعل ترجمت كيف يمكن للتبعية السياسية أن تطغى على جملة القناعات الحقوقية. عرّى خطاب نصر الله الكثيرين الذين كان من المفترض أن يكونوا رأس الحربة في الدفاع عن جملة الحقوق الإنسانية للنساء.
في البداية، ظهرت ردات فعل مضحكة حول تأويل مفهوم الزواج المبكر. ذهب البعض إلى حدّ تعريفه بالضد لتأخير سن الزواج. حاجج هؤلاء بأن نصرالله لم يتطرق في خطابه إلى عمر الزواج. تصطلح جميع الأدبيات على مفهوم الزواج المبكر للإشارة إلى تزويج الفتيات بعمر مبكر وغالباً بشكل قسري. ويتوافق العاملون والعاملات في هذا المجال على أن "الموافقة" من قبل الفتيات ليست معياراً، لأن القبول والرضى يترافق مع وجود خيارات عدة، غالباً ما تكون غائبة في حالة الفتيات اللاتي يتم تزويجهن مبكراً.
كان لافتاً أيضاً الفصل المفاهيمي لدى العديدين ممن دافعوا عن الخطاب بين الزواج المبكر وبين تزويج الفتيات. في الوقت الذي دافعوا فيه عن الخطاب، استنكروا أن يكون هناك من يشجّع على تزويج الفتيات. يبقى أن هذا الذي يشّجع على تزويج الفتيات هو زعيم طائفة، غالباً ما يؤخذ كلامه دون نقاش أو جدال.
ولعل آخر التداعيات حتى كتابة هذا المقال هو الحملة المضادة التي قادها حزب "القوات اللبنانية" في وجه خطاب نصرالله حول الزواج المبكر. في الشكل، نجد أنه أمر لطيف أن تخرج المطالبة الحقوقية من عباءة المجتمع المدني. لكن عند النظر في مضمون الحملة المضادة، نجد أنها الوجه الآخر والمطابق لخطاب نصرالله. "لا تقطفها قبل أوانها" هو عنوان الحملة التي تناهض تزويج الفتيات، لكنها كيفما قلبتها تجد أنها تضع الفتيات تحديداً في نفس الدور الذي طالب نصرالله في خطابه أن يبقين فيه. تشبيه الفتيات بـ"الورود" يردّنا إلى نفس الخطاب الديني الذكوري الذي يعتبر أنه من الضروري الحفاظ على الفتيات وحمايتهن من "الذبول". الفتيات لسن وروداً بحاجة لرعاية، ولا هن زوجات مستقبليات. هن طفلات لديهن حقوق وإذا طالبن بالدفاع عن حقوقهن، فلا يعني ذلك أن تُلغى كرامتهن أو أن يُختزلن.
(ناشطة نسوية)