عندما تسأل، سعيد الكادر، الموظف في شركة تأمين بالدار البيضاء، عما إذا كان قادرا على الادخار. يستغرب السؤال. بالنسبة له، الأمر غير مطروح، في ظل الظروف الحالية التي كثرت فيها تكاليف الحياة وتنوعت وارتفعت فيها الأسعار.
يقول الكادر، لـ "العربي الجديد": "إذا كنت غير قادر على توفير القليل من المال، أنا الذي أصنف ضمن الطبقة الوسطى، فكيف يستطيع من لا يتلقى سوى الحد الأدنى للأجر تدبير أمور معاشه".
لا يكف سعيد الأربعيني عن استعمال الآلة الحاسبة التي توفرها شاشة هاتفه الذكي. أجره الشهري يصل إلى 1200 دولار. ينقص منه 500 دولار قيمة قسط القرض الشهري، ويطرح 200 دولار أخرى قسط قرض السيارة، ثم ينقص 100 دولار قسط قرض أثاث المنزل، ويتذكر مصاريف البيت التي تتجاوز 400 دولار.
إلى هذا الحد يكتشف الموظف الحكومي، أن أجره استنفد. يحمد الله على الكفاف، ويتحدث عن عدم قدرته تحمل مصاريف إضافية، إذ لا مدخرات لديه وهو يتحاشى الإمعان في الاقتراض.
ويعتبر الكادر، نفسه قد وقع في ذلك الفخ عندما استدان من أجل شراء الشقة والسيارة.
حلم غير متاح
لا يشذ سعيد عن الكثير من المغاربة الحيارى بين القروض وتزايد متطلبات الحياة وغلاء المعيشة في السنوات الأخيرة. هذا ما تؤكده دراسة، كشفت عنه المندوبية السامية للتخطيط (المتخصصة في الدراسات والتوقعات)، أول أمس الأربعاء، حول مؤشر ثقة الأسر المغربية في الربع الأخير من السنة الحالية.
وأظهرت الدراسة، أن 60% من الأسر تعتبر أن دخولها لا تغطي نفقاتها، بينما تضطر 34.2% من الأسر إلى الاقتراض أو استعمال مدخراتها من أجل مواجهة نفقاتها. وفقط 5% من الأسر تعبر عن قدرتها على الادخار.
وحسب الدراسة، فإن الأسر المغربية تُبدي تشاؤمها حول قدرتها على الادخار في الأشهر القادمة، فنحو 87% من الأسر تؤكد عدم قدرتها على الادخار في العام المقبل على الأقل. وفقط 13% من الأسر تعبر عن قدرتها على الادخار في تلك المدة.
عندما نقلنا إليه نتائج دراسة المندوبية، لم يبد بوعزة خراطي، رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، مندهشا بحجم الهواجس التي تسكن الأسر المغربية حول قدرتها على الادخار، فهو يعتبر ذلك "تحصيل حاصل في ظل الصعوبات التي تعاني منها الأسر جراء لجوئها إلى الاقتراض وغلاء المعيشة".
وقال الخراطي، في تصريح لـ "العربي الجديد": إن العديد من الأسر سقطت في فخ الاستدانة، بشكل يجعلها تكرس الكثير من الجهد من أجل سداد ديونها. ويذهب إلى أن "شركات قروض الاستهلاك تكاثرت كالفطر في السنوات الأخيرة، حيث تحاصر بعروضها الأسر، التي تستسهل اللجوء إليها من أجل الاقتراض، ما يضعها في وضع حرج لأن دخلها يغطي بالكاد أقساط الديون، ما يجعل مسألة الادخار لديها غير واردة".
ويرى خراطي، أن غلاء المعيشة نال من قدرة الأسر على الادخار، بل إن جميع المؤشرات تشي بأن الأسعار سوف تواصل ارتفاعها في الأشهر القادمة.
وأضاف، أن رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وما أدى إليه من زيادات متتالية في أسعار السلع الاستهلاكية، سوف يضيّق على الأسر، حيث ستمتد الزيادات إلى منتجات وخدمات أخرى.
برامج غير مثمرة
وتوصلت دراسة، كانت أعدتها مؤسسة "الاستشارات المالية الإسلامية وخدمات الضمان" (IFAAS)، من أجل تحديد ميل المغاربة إلى الادخار، إلى أن 46% من المغاربة لا يدخرون، غير أن ذلك المعدل يرتفع إلى 54% بين النساء.
وأشارت البيانات، إلا أن تلك النسبة تقفز إلى 61% وسط المغاربة الذين تتراوح أعمارهم بين 55 و65 عاما.
وأكدت الدراسة، التي أريد منها قياس مدى استعداد المغاربة للتعامل مع التمويل الإسلامي، أن أكثر من نصف المغاربة الذين جرت عليهم الدراسة، أقروا بلجوئهم إلى الادخار، لكن تجلى عند الخوض في التفاصيل، أن 15% منهم يدخرون بالكاد 34 دولارا في الشهر، و14% يدخرون ما بين 34 و56 دولارا في الشهر، و12% يوفرون ما بين 56 دولارا و113 دولارا، ونحو 9% فقط يدخرون ما بين 113 دولارا إلى 284 دولارا.
وقال مصدر مصرفي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنه يصعب الإحاطة بمستوى الادخار بين الأسر المغربية، على اعتبار أن العديد منها لا تودع مدخراتها لدى المصارف.
ويضرب المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، مثلا بآلاف الأسر في المناطق القروية والريفية، والتي لم تدرك بعد، الجدوى من الادخار لدى المصارف، حيث تفضل وضع أموالها بعيدا عن أعين المصارف، "مذعنة لثقافة سائدة توحي إليها بتفادي اطلاع الغير على حقيقة أموالها أو أصولها".
وقد سعت الدولة المغربية، في السنوات الأخيرة، لزيادة حجم الودائع في المصارف، بهدف تمويل الاقتصاد، واعتمدت في ذلك على تشجيع الأسر، ولا سيما المتوسطة، على الادخار عبر برامج مختلفة.
غير أن الحصيلة الأولية التي كان وضعها البنك المركزي، حتى نهاية النصف الأول من العام الماضي، تشير إلى أن تلك البرامج لم تفض إلى فتح سوى 160 ألف حساب، ما يمثل 18 مليون دولار، أي 0.1% من إجمالي متوسط ادخار الأسر بين 2011 و2013 و0.3 % من توظيفاتها المالية.
بينما تشير وزارة الاقتصاد والمالية، في دراسة حول الادخار أنجزتها قبل ستة أشهر، إلى أن إطلاق تلك البرامج أعاقته الأوضاع الاقتصادية العالمية، والأداء المتواضع لاقتصاديات شركاء المغرب الرئيسيين، خاصة في القارة العجوز.
وأوضحت الدراسة، أنه في ظل المناخ العام السيئ، ساد نوع من الحذر الذي هيمن على توظيفات الأسر التي سعت إلى التوظيفات المالية والاكتتاب في منتجات التأمين على الحياة، حيث أولت اهتماما كبيرا لهذا النوع من الادخار منذ 2010.
ويطال الفقر نحو 15% من المغاربة، نحو 60% منهم يقطنون في البوادي، فيما لا يأمن 25% من المغاربة على أنفسهم من أن يصبحوا في تعداد الفقراء، وفق تقديرات الرابطة المغربيّة للمواطنة وحقوق الإنسان.