رغم مرور نحو شهر فقط على تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة برئاسة هاني الملقي، إلا أن شعبيتها باتت مهدّدة بسبب حزمة القرارات التي اتخذتها الأسبوع الماضي من رفع للأسعار وإلغاء التخفيضات الجمركية والضريبية على بعض السلع وزيادة رسوم اقتناء المركبات وذلك استجابة لضغوطات صندوق النقد الدولي.
الملقي استهل رئاسته بالتعهد بعدم اتخاذ قرارات تؤثر على معيشة المواطنين إلا أن حكومته وجدت نفسها مضطرة للرضوخ لمطالب صندوق النقد الدولي كأساس لاعتماد برنامج إصلاح اقتصادي جديد للأردن والذي تفاوضت بشأنها الحكومة السابقة برئاسة عبد الله النسور وبالتالي تحمل تبعاته السلبية من أجل الحصول على قروض تساعده على تجاوز أزمته المالية.
وانهالت الانتقادات الحادة على الحكومة من قبل كافة الأوساط الاقتصادية التي وصفتها بحكومة الجباية قبل مرور فترة المائة يوم التي أصبحت عرفاً في الأردن للحكم على أداء الحكومات.
وذهب النائب السابق علي السنيد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أبعد من ذلك بالتحذير من تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد بسبب الإجراءات الحكومية الأخيرة، وخاصة مع تصاعد الاحتجاجات في منطقة ذيبان في محافظة مأدبا شرق العاصمة عمان على خلفية اعتقال شبان نصبوا خيمة اعتصام للمطالبة بفرص عمل.
وكانت الحكومة قد قررت رفع أسعار الدخان والمشروبات الكحولية والمحروقات وفرض ضريبة على البنزين والسولار والغاز وإلغاء الإعفاءات الضريبية على الملابس والأحذية إضافة إلى رفع رسوم نقل ملكية السيارات بنسب كبيرة.
كما أعلنت الحكومة عن إجراءات ستتخذها العام المقبل تتمثل في إلغاء الإعفاءات الضريبية الممنوحة لبعض القطاعات بما فيها التجارية، وربط أسعار الكهرباء بالنفط والرفع التدريجي لأسعار المياه.
ونبه عضو غرفة تجارة الأردن، أسعد القواسمي، في تصريحات صحافية سابقة، إلى خطورة الإجراءات الحكومية التي أدت إلى رفع أسعار الملابس والأحذية، وخاصة في الفترة التي سبقت عيد الفطر وبنسبة قدرها بحوالي 15% و40%.
وأوضح أن السوق باتت مهيأة لمزيد من ارتفاع الأسعار، غير أن وزارة الصناعة والتجارة انتقدت تلك التصريحات كون قرار الغاء الإعفاءات لم يطبق بعد، مؤكدة أن الملابس والأحذية الموجودة في السوق حاليا معفاة من الضرائب والرسوم.
وفي هذا الإطار قال الخبير الاقتصادي منير حمارنة، لـ" العربي الجديد" إن الأزمات الاقتصادية التي يمر بها الأردن ترجع إلى عدة أسباب أهمها عدم ملاءمة السياسات الاقتصادية المطبقة حاليا للمرحلة وظروفها وكذلك أوضاع المنطقة قد فرضت اتخاذ تلك الإجراءات التي ستطاول كافة المواطنين بخلاف ما تعتقده الحكومة.
وأضاف، أنه كان يفترض أن تقوم الحكومة بوضع برامج اقتصادية أكثر واقعية لمعالجة المشكلات القائمة خاصة ارتفاع المديونية إلى حوالي 94% من الناتج المحلي الإجمالي وتفاقم عجز الموازنة، مشيراً إلى أن قرارات الجباية قد تشكل حلا مرحليا ولكنها ليست حلولا ناجعة على المديين المتوسط والبعيد".
وأشار إلى أن استمرار العمل بسياسات الجباية على هذا النحو سيحمل الاقتصاد مزيد من الأعباء وسيؤدي إلى تفاقم المديونية والعجز المالي للدولة، وزيادة معدلات الفقر والبطالة.
وقالت الحكومة إن الإجراءات التي اتخذتها تستهدف تحقيق عائد مالي للخزينة بحوالي 233 مليون دولار سنويا، موضحة ثبات المديونية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عند حدودها في نهاية العام 2015.
وقالت وزارة المالية الأردنية، مؤخراً، إن مديونية البلاد ارتفعت إلى 35.76 مليار دولار.
من جانبه يرى أستاذ الاقتصاد أحمد زكريا صيام، أن معالجة الأوضاع الاقتصادية يتطلب التركيز على جذب وتحفيز الاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال وتحفيز المدخرات الوطنية على إقامة مشاريع داخل الأردن ما سيؤدي إلى ارتفاع حجم الناتج القومي وبالتالي زيادة الإيرادات المحلية وتوفير فرص العمل.
وقال صيام لـ "العربي الجديد" إنه لا بد من وقوف المجتمع الدولي إلى جانب الأردن في هذه المرحلة الصعبة لمساعدته في تحمل أعباء اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم حوالي 1.3 مليون لاجئ، ما أدى إلى زيادة الضغوطات على الموازنة العامة والبنى التحتية وارتفاع الإنفاق على قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والمياه والخدمات الاجتماعية الأخرى ومتطلبات الامن وغيرها.
وأكد رئيس اللجنة المالية النيابية السابق يوسف القرنة، لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة اتخذت قرارات رفع الأسعار منفردة في ظل غياب مجلس النواب الذي ضغط على الحكومة عدة مرات لعدم رفعها.
وقال إن هذا بالتأكيد سيفقد الحكومة شعبيتها كون قراراتها غير مرحب بها في هذه الفترة، مهما كانت الدوافع، متوقعا أن تشهد أسعار العديد من السلع ارتفاعا خلال الفترة المقبلة بما في ذلك السيارات .
ومن جانبه، أوضح رئيس جمعية حماية المستهلك محمد عبيدات، لـ"العربي الجديد " أن التضخم الذي شهد تراجعا خلال الخمسة شهور الأولى من هذا العام مرشح للارتفاع بسبب القرارات الحكومية خاصة وأن مجموعات أساسية في سلة المستهلك سترتفع مثل الانارة والنقل والالبسة وغيرها.
وأكد أهمية مراعاة مستويات المعيشة وعدم اتخاذ قرارات تزيدها تدهوراً علما بأن نسبة الفقر، حسب أخر إحصائيات معلنة قبل 6 سنوات تبلغ 14% فيما يتوقع أنها ارتفعت في السنوات الأخيرة.
وفي سياق متصل، قال مراقبون أن الحكومة تحاول المحافظة على شعبيتها من خلال اتخاذ قرارات لامتصاص زيادة أسعار بعض السلع، كما فعلت الأسبوع الماضي، بتخفيض رسوم تسجيل الأراضي بنسبة 50%، حيث قال وزير المالية عمر ملحس، إنها جاءت بهدف تحفيز المواطنين على شراء الأراضي وتخفيف الأعباء المالية عنهم.
هذا القرار لم يلق ترحيبا كما اعتقدت الحكومة باستثناء شكر قدمه رئيس جمعية مستثمري الإسكان فواز الحسن، الذي رأى في القرار تشجيعا للاستثمار، لكن المراقبين قللوا من أهميته كونه يخدم المستثمرين ولن يعود على المواطنين بالنفع حيث ستحافظ أسعار المساكن على ارتفاعها كما هو معتاد.
وتحاول الحكومة العزف على وتر إيجاد فرص عمل لتخفيض البطالة التي تبلغ حسب الأرقام الرسمية 14% من خلال تشكيل لجنة للتشغيل برئاسة الملقي، أعلنت في أولى اجتماعاتها الخميس الماضي عن خطة لإحلال العمالة الأردنية مكان الوافدة وهو الخطاب المتجدد مع كل حكومة.