الغرب ينقل المواجهة إلى ميادين "الحرب الإلكترونية"

21 يناير 2015
خشية من تعارض الإجراءات مع الحقوق المدنية(فريديريك براون/فرانس برس)
+ الخط -
عندما تنشط خلايا الإرهاب في شوارع المدن الغربية وضواحيها، وعندما يتغلغل الإرهابيون في غرف الإنترنت، يصبح من السذاجة تفكير القيادات السياسية والأمنية بالمجابهة العسكرية التقليدية.

الطائرات المقاتلة وطائرات "الدرونز" من دون طيار وقوات الكوماندوز الخاصة لا تقوى على تعقب "الطابور الخامس"، المتمترس في باريس أو لندن أو مدريد، أو ضواحي هذه المدن المكتظة بالأحياء الفقيرة والطبقات المهمشة من المهاجرين الشرعيين أو المتسللين.

ولأن الأحداث الأخيرة في فرنسا وألمانيا والدنمارك كشفت عن أن وصول الإرهاب إلى شوارع المدن الأوروبية لم يعد ضرباً من التخمين، بل بات واقعاً خطيراً يتطلب أشكالاً جديدة من المواجهة، سارع رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، إلى الكشف عن ملامح المواجهة الجديدة وميادينها وأسلحتها. اقترح كاميرون، خلال زيارته الرسمية للبيت الأبيض، نهاية الأسبوع الماضي، على الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تشكيل "خلايا إلكترونية" مشتركة لتبادل المعلومات الاستخباراتية وشنّ "مناورات إلكترونية" لاختبار أنظمة الدفاع في المؤسسات الحيوية في البلدين وحمايتها من التهديدات الإلكترونية والتعاون ضد الإرهاب. وهي الدعوة التي تجاوب معها الرئيس الأميركي، باراك أوباما.

غير أن كاميرون وأوباما يدركان أن الحرب "الإلكترونية" غير التقليدية ضد الإرهاب تتطلب شروطاً مختلفة عن تلك التي تتطلبها الحروب العسكرية الكلاسيكية. أول هذه الشروط يتمثل في توفر البيئة القانونية والتشريعية التي تسمح لأجهزة الأمن والاستخبارات بمراقبة أنشطة الأفراد على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. وبالفعل، دعا رئيس الوزراء البريطاني إلى ضرورة سنّ تشريعات تمنح أجهزة الاستخبارات البريطانية المزيد من الصلاحيات والسلطات لمراقبة مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وحل شفرات الرسائل المكتوبة، ومراقبة المحادثات الصوتية المتبادلة بين المشتبه في ضلوعهم في نشاطات إرهابية. كما أعلن كاميرون أنه قد يضطر إلى استصدار مراسيم وتشريعات تقضي بفرض حظر على تطبيقات المراسلة الفورية، والتي لا تسمح للحكومات بالاطلاع على ما يهمها، وأنه سيتخذ هذا الاجراء في حال فوزه في الاستحقاقات القادمة.

ولذلك كان من المتوقع أن يخصص الرئيس الأميركي جزءاً كبيراً من "خطاب حال الاتحاد" للحديث عن معالجة الاختراقات الأمنية وجهود القرصنة الإلكترونية، فضلاً عن تجديده الإعلان عن خطة عمل سبق وطرحها عام 2011 تطالب الكونغرس بإصدار تشريعات جديدة من شأنها معالجة ثغرات الأمن الإلكتروني وتفصيل العقوبات الخاصة بالمخالفين والقراصنة.

وفيما يبدو أنه تأكيد على أهمية هذا الشرط لنجاح "الحرب الإلكترونية"، اعتبر الرئيس السابق للاستخبارات البريطانية "إم.آي.5"، جوناثان إيفانز، في مقابلة نشرت يوم الأحد الماضي، أن قدرة بلاده على منع الهجمات الإرهابية، تعوقها قوانين قديمة "لم تعد تفي بالغرض". وأضاف إيفانز، الذي تولى إدارة (إم.آي.5) في الفترة من 2007 وحتى 2013، أنه لا بد من إيجاد قوانين تسمح لأجهزة الاستخبارات بأن تراقب بشكل مناسب أية تهديدات محتملة للأمن القومي.

أما الشرط الثاني الذي يتطلبه نجاح "الحرب الإلكترونية" ضد الإرهاب، فيتمثل في ضرورة تعاون الشركات الأميركية المقدمة لخدمات الإنترنت مع أجهزة الأمن والاستخبارات في الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد عبر رئيس الوزراء البريطاني أكثر من مرة عن أهمية تعاون الشركات الأميركية المقدمة لخدمات الإنترنت والتواصل الاجتماعي، ولا سيما "تويتر" و"فيسبوك"، وكسب تأييدها للتعاون أكثر في تقديم أية معلومات وبيانات تطلبها أجهزة الأمن والاستخبارات البريطانية التي تعمل على تعقب أنشطة الإرهابيين على شبكة الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وقد شدد الرئيس الأميركي على أن خطته الإلكترونية الجديدة ترمي إلى "تشجيع شركات القطاع الخاص على الانخراط في (الحرب) وتبادل معلوماتها الإلكترونية مع وزارة الأمن القومي" و"مركز توحيد الاتصالات والأمن الإلكتروني القومي".

أما التحدي الأكبر الذي يواجه "الحرب الإلكترونية"، فيتمثل في معارضة منظمات المجتمع المدني الحقوقية، التي تخشى أن يتعارض توسيع صلاحيات أجهزة الاستخبارات في مراقبة الإنترنت ونشاطات الأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي مع الحقوق المدنية للأفراد، وأن تسيء الأجهزة الأمنية استخدام تلك الصلاحيات فتتعدى على خصوصية الأفراد وسرية معلوماتهم الشخصية، وبالتالي تكون المكتسبات الدستورية التي تحققت للأفراد، وشكلت دعائم النظام الديمقراطي في المجتمعات الغربية، أول ضحايا الحرب على الإرهاب.

المساهمون