وتعتبر عائلة العيساوي نموذجاً حياً لصراع الإرادات مع الاحتلال. صراع لا يزال محتدماً قدمت خلاله عائلة العيساوي شهيداً هو فادي العيساوي مطلع التسعينيات، وهو شقيق شيرين وسامر الأسير، وكذلك شقيق أسيرين آخرين هما مدحت ورأفت، وعمهم هاني العيساوي من قيادات الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وأبرز الرموز الوطنية في البلدة، وعضو هيئة العمل الوطني في القدس التي تضم فصائل وقوى وطنية وإسلامية مقدسية.
والمتابع لما يحدث من اقتحامات يومية لبلدة العيسوية ما تلبث أن تتحول إلى مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال، يدرك أن صراعاً وجودياً مع الاحتلال يجري هناك، ومحاولة لكسر إرادة فتيتها وشبابها.
ويفسّر هذا الأمر الاقتحامات المتزامنة مع مغادرة التلاميذ لمدارسهم والتنكيل بهم بالضرب والغاز المسيل للدموع وإطلاق الرصاص المطاطي، ما تسبب أخيراً باستئصال طحال الفتى مجد مصطفى (16 عاماً)، ومن قبله استئصال عين الفتى طارق العيساوي بعد إصابته بعيار مطاطي، والحال كذلك بالنسبة للطفل نور حمدان (13 عاماً) الذي فقد عينه جراء إصابته بعيار إسفنج أطلقته الشرطة الإسرائيلية، ما تسبب أيضاً بإصابته بكسور في محجر العين والأنف وأماكن أخرى في وجهه. ووفقاً لما أكده علي حمدان وهو عم الفتى نور، في حديث مع "العربي الجديد"، فإن "ابن شقيقه أصيب وهو في شرفة المنزل إلى جانب أمه وابن عمه، ولم يكن مشاركاً في مواجهات مع الاحتلال".
من جهته، يقول محمد أبو الحمص من لجنة المتابعة في العيسوية، وهو أيضاً عضو لجنة الدفاع عنها، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "بلدته تواجه حرباً يومية مفتوحة مع الاحتلال الذي يستبيحها يومياً باقتحاماته بمشاركة دوائر إسرائيلية أخرى كبلدية الاحتلال في القدس ودوائر ضريبة الدخل والتأمين الوطني، وما يتخلل ذلك من إطلاق الرصاص الحي والمعدني والمطاطي وإغراق منازل المواطنين بالغاز المسيل للدموع، ما تسبب قبل نحو ستة أشهر في إصابة مسنة بعيار مطاطي أفقدها إحدى عينيها بينما كانت تقف على شرفة منزلها". ويشير أبو الحمص إلى أن التطورات الأخيرة في بلدة العيسوية ومنها اعتقال العشرات ومن بينهم أطفال وفتية قاصرون دليل على حجم وطبيعة المواجهة مع الاحتلال، والذي كان أحد ضباطه هدد الأهالي بأن اقتحام قواته للبلدة سيتواصل حتى يصبح تواجدها في شوارعها وأزقتها مشهداً عادياً لا يقاومه أحد.
ويوضح أبو الحمص أن "تمنيات هذا الضابط الكبير في قوات الاحتلال أسقطها صمود أهالي البلدة وتصديهم المستمر للاحتلال، حتى في ذروة الاقتحامات والمداهمات التي تنفذها أيضاً بلدية الاحتلال في القدس بصورة يومية، وتسليم إخطارات بالهدم لمزيد من المواطنين، في وقت تنهب جرافات الاحتلال أراضي البلدة وتخرّب ما تبقى من الأراضي الزراعية في منطقتها الشرقية المحاذية للشارع الاستيطاني الرئيس المؤدي للتجمع الاستيطاني الكبير غوش أدوميم، والمطلة على مساحات كبيرة من الأراضي المصادرة، بما في ذلك الأرض التي أقيم عليها معسكر كبير لجيش الاحتلال حيث المقر العام لما يسمى بـ"الكتيبة"، وهي فرقة عسكرية مدربة من حرس الحدود الإسرائيلي، مكلّفة بحماية أمن المستوطنين المسافرين على الطريق الاستيطاني الذي شقّ على أراضي البلدة".
في بيت الأسيرة المحررة شيرين العيساوي، تتجلى إرادة أهالي البلدة في الصمود والمقاومة، وكان لا بد للاحتلال أن يحاول قمع فرحة عائلتها وبلدتها بتحررها من سجونه، فداهم المنزل ومحيطه ومزق صور شيرين بينما كانت عائلتها تتهيأ لاستقبالها، الأسبوع الماضي، في حين جرى تحذيرها لحظة إطلاق سراحها من أن تنظم عائلتها أية مظاهر احتفالية بتحررها، كما يروي عمها هاني العيساوي لـ"العربي الجديد"، بيد أن كل ذلك لم يمنع الفرح بحرية شيرين التي أمضت نحو أربعة أعوام في الأسر، وأبقت خلفها اثنين من أشقائها أسرى هما: سامر ومدحت.
عن ذلك، تقول شيرين لـ"العربي الجديد"، إن "اللحظات الأخيرة التي سبقت تحررها كانت الأصعب في حياتها، إذ خشيت أن تتراجع قوات الاحتلال عن إطلاق سراحها تنفيذاً لقرار المحكمة العليا، لكن تحقق حلمها بالحرية، على الرغم من تحذيرات الاحتلال لها وتهديده باعتقالها إن لم تلتزم بمنع إقامة أية مظاهر احتفالية بتحررها".
على الرغم من ذلك، أحاط أهالي بلدة العيسوية بمنزل شيرين العيساوي، بينما كانت تخترق صفوف مستقبليها من أسرتها وأهالي البلدة الذين استقبلوها بالورود وبأغان وطنية تشيد بصمود الأسير سامر العيساوي، وتعبر عن الفخر ببطولات أهالي البلدة، فيما سارعت والدتها لعناقها، وفعل كذلك والدها أبو سامر وهو أسير محرر أيضاً وعانى من الأسر وفقدان نجله الشهيد فادي ما عاناه.
وفي الاقتحام الأخير قبل أيام لبلدة العيسوية كان ثلاثة من أبناء شقيقها رأفت وهم: طارق فراس وفادي رأفت من بين أكثر من خمسين فتى وشاباً تم اعتقالهم، كما يقول شادي شقيق شيرين، مشيراً إلى أن استدعاء سلم لشيرين للتحقيق معها في اليوم التالي.
وكما يقول أهالي العيسوية، ومنهم محمد أبو الحمص: "هذا حال بلدتنا، نعيش على صفيح ساخن من ممارسات الاحتلال التي لن تهزمنا ولن تكسرنا، قدمت البلدة شهداء عديدين وعشرات الأسرى والجرحى إلا أنها باقية وأهلها باقون لن نغادرها حتى لو وضعنا جميعاً في سجن الحصار والعزل".