دخل الطفل إلى دكان السمانة وطلب "قطرميز" مربّى بطعم الفراولة. و"قطرميز" كلمة ليست دارجة بالعادة في بيروت، بل في مناطق شمال لبنان، وتعني المرطبان. ابتسم صاحب الدكان، وهو شاب خمسيني ورث المحل الذي يقع في عقار قديم عن والده الذي توفي قبل سنوات، قبل أن ينهض بتثاقل من كرسيه الخشبي ويمدّ يده إلى أحد الرفوف العالية ليلتقط مرطبان المربّى الزجاجي ويضعه في كيس من النايلون الأسود ويعطيه للطفل. عندما تناول الطفل، الذي لا تزيد سنوات عمره عن سبع أو ثمان، المرطبان بدا كمن فاز بجائزة في تلك اللحظة، لكنه لم ينقد البائع ثمن مرطبان المربّى. اكتفى بكلمتين: "عالحساب معلم"، قاصداً أن دفع الثمن مؤجل حتى إشعار آخر. قلّب البائع صفحات دفتر جلدي عتيق كان موجوداً إلى جانب منضدة السكاكر ودوّن السلعة وثمنها على ورقةً صفراء بدت أنها ستفيض من كمّ الأسماء والأرقام عليها.
لطالما كان هذا الدكان وغيره من الدكاكين الصغيرة المشابهة، والتي اختفت واحداً بعد الآخر بعد أن ظهرت التعاونيات ثم تلتها محلات السوبرماركت الكبيرة قبل أن تصل المولات، ملاذاً لنا نحن الأطفال بما يحتويه من سكاكر وبسكويت و"كازوز" (مشروبات غازية) وغيرها مما كان بعض متعتنا الشخصية في زمن آخر. لم تكن المولات العملاقة من عدة طبقات معروفةً لنا بعد. في دكان السمانة يبدأ العالم وينتهي. نذهب إليه بحثاً عن غرض معيّن، وإن لم نجده بحثنا عليه في دكان غيره إلى أن نصل إليه.
لم تكن المولات بأحجامها المهولة، والتي لم أحبها يوماً ولا أقصدها إلا نادراً، قد ظهرت بعد. مساحات شاسعة فيها دور سينما ومطاعم وعشرات المحلات من ماركات عالمية ومحلية يضيع الزبون في الاختيار بينها. قد يقضي الواحد يوماً كاملاً، من دون أن يشعر، متجولاً بين مئات من الناس، باحثاً عن سلعة واحدة بسبب كثرة الخيارات والمفاضلة بين الماركات والأنواع والثمن. وفي المحلات يتربّص به موظفون متخصصون بإقناعه بما يحتاجه ولا يحتاجه من سلع.
اقــرأ أيضاً
في هذه الأيام، وبعد أن انتشر فيروس كورونا في كل الدنيا وبتنا معرّضين لالتقاطه في أي مكان، طُلِب منا اتخاذ احتياطات مرتبطة بالنظافة، وتلافي الاختلاط مع الناس، لا سيما في التجمعات الكبيرة، حمايةً للجميع من احتمالات الإصابة.
ربما كانت من حسنات كورونا القليلة أنه أبعدنا عن أماكن الاستهلاك الكبيرة، لبعض الوقت، وأعادنا إلى بعض ما كنا نسيناه في المنطقة والحارة والزاروب. وهذا "البعض" الذي نسيناه ليس مادياً فقط، والعلاقة الخاصة التي لن يفهمها إلا طفل المربّى وصاحب الدكان ليست سوى صورة عنه.
لطالما كان هذا الدكان وغيره من الدكاكين الصغيرة المشابهة، والتي اختفت واحداً بعد الآخر بعد أن ظهرت التعاونيات ثم تلتها محلات السوبرماركت الكبيرة قبل أن تصل المولات، ملاذاً لنا نحن الأطفال بما يحتويه من سكاكر وبسكويت و"كازوز" (مشروبات غازية) وغيرها مما كان بعض متعتنا الشخصية في زمن آخر. لم تكن المولات العملاقة من عدة طبقات معروفةً لنا بعد. في دكان السمانة يبدأ العالم وينتهي. نذهب إليه بحثاً عن غرض معيّن، وإن لم نجده بحثنا عليه في دكان غيره إلى أن نصل إليه.
لم تكن المولات بأحجامها المهولة، والتي لم أحبها يوماً ولا أقصدها إلا نادراً، قد ظهرت بعد. مساحات شاسعة فيها دور سينما ومطاعم وعشرات المحلات من ماركات عالمية ومحلية يضيع الزبون في الاختيار بينها. قد يقضي الواحد يوماً كاملاً، من دون أن يشعر، متجولاً بين مئات من الناس، باحثاً عن سلعة واحدة بسبب كثرة الخيارات والمفاضلة بين الماركات والأنواع والثمن. وفي المحلات يتربّص به موظفون متخصصون بإقناعه بما يحتاجه ولا يحتاجه من سلع.
في هذه الأيام، وبعد أن انتشر فيروس كورونا في كل الدنيا وبتنا معرّضين لالتقاطه في أي مكان، طُلِب منا اتخاذ احتياطات مرتبطة بالنظافة، وتلافي الاختلاط مع الناس، لا سيما في التجمعات الكبيرة، حمايةً للجميع من احتمالات الإصابة.
ربما كانت من حسنات كورونا القليلة أنه أبعدنا عن أماكن الاستهلاك الكبيرة، لبعض الوقت، وأعادنا إلى بعض ما كنا نسيناه في المنطقة والحارة والزاروب. وهذا "البعض" الذي نسيناه ليس مادياً فقط، والعلاقة الخاصة التي لن يفهمها إلا طفل المربّى وصاحب الدكان ليست سوى صورة عنه.